البرلمان الأوروبي يحيي جدل استهداف صحافيين بتهم “جنسية” في المغرب
أعادت التوصيات الصادرة عن البرلمان الأوروبي بشأن حرية التعبير في المغرب، قضية “استهداف” الصحافيين والمعارضين بتهم “مفبركة” تتعلّق بـ”الاعتداءات جنسية”.
وهذه هي المرة الأولى منذ 1994 التي يتبنى فيها البرلمان الأوروبي الذي تربطه شراكة قوية مع المغرب توصية حول حقوق الإنسان في المملكة.
وجاءت بعد “أحكام ظالمة في حق من يعرف عنهم أنهم يحرجون النظام إلى حد ما”، كما يرى الناشط الحقوقي فؤاد عبد المومني.
خلال الأعوام الأخيرة شهد المغرب اعتقال صحافيين ونشطاء على خلفية تهم جنائية يتعلق معظمها “باعتداءات جنسية”.
وبرزت أولى تلك القضايا في سنة 2018، عندما اعتُقل ناشر صحيفة أخبار اليوم توفيق بوعشرين، وصدر عليه حكم بالسجن 15 سنة بعد إدانته بتهمة ارتكاب اعتداءات جنسية في حق ثماني ضحايا.
بعد سنتين، اعتقل الصحافيان سليمان الريسوني وعمر الراضي، ودينا بالسجن خمسة وستة أعوام تواليا في قضيتي اعتداء جنسي أيضا، مع إضافة تهمة تجسس للثاني.
واعتقل المحامي المعارض محمد زيان نهاية السنة الماضي تنفيذا لحكم بسجنه ثلاثة أعوام في قضية رفعتها ضده وزارة الداخلية، ولوحق فيها بعدة تهم بينها “الخيانة الزوجية” و”التحرش الجنسي”.
كما يحاكم منذ أكتوبر الناشط في جماعة العدل والإحسان الإسلامية المعارضة محمد باعسو بعدما اعتُقل بتهمتي “الاتجار بالبشر” و”الخيانة الزوجية”.
“الحكمة والتعقل”
تعتبر الهيئة الوطنية لمساندة معتقلي الرأي التي تضم حقوقيين مغاربة أن جميع هؤلاء “معتقلون سياسيون” مطالبة بالإفراج عنهم وضمان خضوعهم لمحاكمات عادلة، وهو ما تؤيده منظمات حقوقية دولية. في المقابل، تشدد السلطات على أن الأمر يتعلق بقضايا جنائية لا علاقة لها بحرية التعبير.
لكن البرلمان الأوروبي لم يقتنع بالموقف المغربي الرسمي، واستند خصوصا إلى قضية عمر الراضي ليتبنى في 19 يناير توصية غير ملزمة تنتقد تدهور حرية الصحافة في المملكة.
وتطالب التوصية السلطات “باحترام حرية التعبير وحرية الإعلام” و”ضمان محاكمات عادلة للصحافيين المعتقلين”.
كما أعرب البرلمان الأوروبي في التوصية عن قلقه إزاء “الادعاءات التي تشير إلى أن السلطات المغربية قد تكون رشت برلمانيين أوروبيين”.
ورأت الهيئة الوطنية لمساندة معتقلي الرأي في التوصية “انهيارا للمخطط القمعي بتلفيق التهم الجنسية”، داعية إلى الرد عليها “بشيء من الحكمة والتعقل وجعلها فرصة لتغيير هذا الوضع”.
من جانبها، اعتبرت المحامية عائشة كلاع من جمعية الدفاع عن حقوق الضحايا أن “البرلمان الأوروبي اختار الانحياز لطرف دون آخر في موقف غير مسؤول”، وأضافت “إذا افترضنا أن هذه القضايا مفبركة فهل تمت فبركة الضحايا أيضا؟ هل نلغيهم؟”.
يشير المسؤول في منظمة هيومن رايتس ووتش إريك غولدستين، في تصريحات إعلامية سابقة، إلى أن نشطاء حقوقيين يضعون هذه القضايا في سياق عام “لتراجع واضح في وضعية حقوق الإنسان”، مضيفا “البرلمان الأوروبي يعي أن الصحافة المستقلة تكاد تكون اختفت في المغرب، مقابل ازدهار صحافة التشهير”.
ولم تصدر الحكومة المغربية أي رد على التوصية الأوروبية، إلا أنها لقيت إدانة قوية من البرلمان الذي اعتبر أنها استندت الى “تَسْييس قضايا غير مرتبطة بتاتا بأي نشاط صحافي”.
رغم إجماع أعضاء غرفتيه على التنديد “بتدخل أجنبي” و”ابتزاز”، إلا أن بعض الأصوات من المعارضة اليسارية داخل البرلمان دعت إلى “الطيّ المترفع وبالأسلوب المناسب لبعض الملفات التي يستغلّها الخصوم في التهجّم السخيف على بلادنا”.
وحتى قبل اندلاع هذا الجدل، سبق أن دعت أحزاب مغربية عام 2021 تزامنا مع محاكمتي الراضي والريسوني إلى تحقيق “انفراج حقوقي”. وكان من بينها حزب العدالة والتنمية الذي ترأس حينئذ الحكومة الائتلافية.
وهي دعوة تبناها أيضا حزب الأصالة المشارك في الحكومة حاليا، لكن من دون أن تعقبها خطوات عملية حتى الآن.
من جهتها، اتفقت غالبية وسائل الإعلام المحلية على إدانة توصية البرلمان الأوروبي، ودعا بعضها إلى “سحب البساط من تحت أقدام أولئك الذين قلنا إنهم يستهدفون المغرب لا بد من انفراج كريم”، كما كتبت مجلة الأيام في افتتاحيتها لهذا الأسبوع.
وكالات