الأخطاء الستة لحزب “اللامبا”
بحلول سنة 2007، أصدر الأستاذ الدكتور فريد الأنصاري (رحمه الله) مؤلفا وسمه بـ”الأخطاء الستة للحركة الإسلامية بالمغرب – انحراف استصنامي في الفكر والممارسة”؛ فأثار الكثير من المواقف التي تراوحت بين التأييد والحياد والرفض.
لم يكن رحمه الله يبتغي من وراء ذلك تنقيصا أو تشهيرا أو غيرهما في حق حركات الإسلام السياسي، بقدر ما كان هدفه التنبيه إلى مكامن الخلل والعلل التي بدأت تدب في صفوفها، خصوصا وهو المساهم والمنظر والموجه لهذا التوجه في بداياته، وبالأخص ما هم الجانب التربوي.
لسنا في حاجة إلى استعراض ما خطه السيد الأنصاري (رحمه الله) في مؤلفه، فقد أجاد وأجمل في الوصف والتوصيف والتدقيق، متبنيا منهج العالم الرصين، الذي يدفع بالحجة الدامغة، ويستبعد الهوى والانحياز المقيتين، موظفا كل كفاياته ومهاراته المنهجية والعلمية والنقدية، ومستبصرا بفراسته مستقبل هذه الحركات.
لقد رصد وفصل المقال في هذه الأخطاء التي يوحدها مانعته باستصنام: الخيار الحزبي؛ و الخيار النقابي؛ و”الشخصانية المزاجية”؛ والتنظيم “الميكانيكي”؛… وغيرها.
إن الداعي لاستحضارنا شخصية مرجعية عالمة وفذة من خلال مؤلفه المذكور، هو محاولة للإجابة على ما طفى ويطفو من مواقف حزب “العدالة والتنمية” على الساحة الوطنية، كلما استجد مستجد، فيبرز التعالي والتخبط والتنابز والتنافر والمظلومية والاقصاء، وغيرها من المواقف، الشيء الذي يتعب المتتبع الراصد، ويجعل مهمته التحليلية عويصة.
ولعل أبلغ مثال على ذلك، الأحداث الأخيرة المهمة والهامة التي عرفها وطننا. ومع ذلك، فقصدنا لن يكون هو إسقاط ما أنذر به الدكتور الأنصاري (رحمه الله) وهو العارف المتمكن الملم- فيما يخص حركات الإسلام السياسي على هذا الحزب الذي يعتبر بحق جزءا منها؛ ولكننا سنكتفي بالاستئناس به فقط، وتبسيط ما نراه مناسبا ومستجدا.
لا ننكر أن هذا الحزب له مكانته في الساحة السياسية، وله من القوة التنظيمية والخطابية (هذه الأخيرة لنا فيها نظر) -وقد أشرت لذلك في عدة مقالات سابقة- ما جعله يرجح بخصومه السياسيين، قوة استمد جزءا كبيرا منها نتيجة ضعفهم التنظيمي والخطابي.
إن الأخطاء التي وقع فيها الحزب كثيرة وغير ساكنة، بل متجددة وفق ما استجد، وهي:
1- “احتكاره” الحديث باسم المغاربة، وتوظيفه و”استغلاله” للدين:
نؤكد في البداية أن هذا الحزب كغيره من باقي الأحزاب، لا تتجاوز شعبيته نسبة ضئيلة من مجموع عدد المواطنين المسجلين باللوائح الانتخابية. وتجدر الإشارة إلى أن الصورة تضطرب لدى أعضائه بخصوص المرجعية المتبناة (المرجعية الإسلامية)، إذ يسود الارتباك بينهم، قيادة وقواعد، بين قائل باعتمادها، وناف لها، كل ذلك يتم استجابة “للمصلحة الآنية”، وبحسب الظرفية المتاحة.
إن ما يعاب على هذا الحزب هو “استغلاله” للدين وتوظيفه أثناء حملاته الانتخابية، تصل حد إلصاق تهم وصفات تقصي “الخصوم” السياسيين، أو على الأقل تضعف منسوب “التدين لديهم” (الخصوم)، مما يولد شعورا لدى أفراده بأنهم أوصياء على الدين وحماة للملة، فهم الدين والدين هم، وما دون ذلك فهم في مرتبة أقل حسب زعمهم؛ إنها “المنشطات” الانتخابية المحرمة دستوريا.
إن هذا الذي يدعيه هذا الحزب يمس بثوابت الأمة؛فالدين لله والوطن للجميع. إن مثل هذا الذي حدث ويحدث، لم ولن يكون لافي صالح الحزب المعني، ولا في صالح الدين أو الوطن؛ إذ من شأن ذلك أن يبث “الطائفية” المقيتة؛ ويزكي النعرات التمييزية غير المقبولة؛ بالإضافة إلى أن الدين يحاكم انطلاقا من ممارسات حزبية تتباين فيما بينها حسب كل حالة، كما أن الحزب بذلك، ونظرا لكونه يجب أن يكون مؤسسة سياسية لا غير، سيتحمل ما لا يحتمل. كل هذا إذا ما تمت إضافة العلاقة الملتبسة بينه (الحزب) وبين جناحه الدعوي (حركة التوحيد والإصلاح)، فإن الأمر يزداد تعقيدا.
إن ما يجب التنويه به، أن بلادنا تتميز بالمكانة التي تتولاها مؤسسة إمارة المؤمنين، باعتبار تدبير الشأن الديني من اختصاصها، مما ضمن ويضمن للمغاربة على مر التاريخ تبني تدين يبث روح التسامح والسكينة والطمأنينة الإيمانية.
2- “احتجازه” للقضية الفلسطينية، و”اقتناصه” قضايا الأمة العربية والإسلامية:
إن القضية الفلسطينية هي قضية كل المسلمين، بل قضية الإنسانية جمعاء؛ لكن الحزب المذكور جعل منها “خزانا” دعائيا انتخابيا، يتم توظيفها بمناسبة وبغيرها، عبر المسيرات التي يتم الحشد لها باسمها، وقد يصل الأمر إلى المزايدة السياسية بها.
ولا يقتصر الأمر عليها، بل يتعداها إلى قضايا أممية أخرى. إن الدعم الذي تحتاجه القضية الفلسطينية لا ينحصر في بعض الشعارات الحماسية الفضفاضة والخاوية، بل يتجاوزه إلى الترافع من أجلها في المحافل الدولية الرسمية وغير الرسمية، إضافة إلى التركيز على مفاصل الدعاية العالمية؛ فالقضية الفلسطينية تحتاج إل تكاثف جهود كل القوى الوطنية والأممية.
إن تحقيق كل ذلك يتطلب جهودا جماعية كبيرة ومتنوعة، فهيئة سياسية لا تستطيع القيام به بمفردها، من قبيل الحزب المعني، الذي لا يتجاوز استحضاره لمثل هكذا قضايا استغلالها من أجل “بروبغندا” فارغة. إن زمن المزايدة بقضايا الأمة قد ولى.
3- تضخم الأنا والوصاية:
إن المتتبع للخرجات “الفيسبوكية” للسيد عبد الإله بنكيران منذ إعفائه، والمسنود بالكثير من أعضاء قاعدة حزبه، بل حتى من قبل هيئته الشبيبية، يتأكد له بشكل واضح مدى تضخم الأنا لديه، فخطابه لا يخلو من شعور بالفوقية، فالشخص لم يعد له منصب مسؤولية داخل الحزب، ومع ذلك فإن خطابه يكتنفه الكثير من الأوامر والانتقادات الموجهة للجميع؛ حيث يتوزع بين رسائل صريحة وأخرى مبطنة لكل مؤسسات المجتمع المغربي الرسمية، والسياسية، والمدنية،… وغيرها؛ ولقيادة حزبه تارة، وقواعده تارة أخرى؛ وكذلك للخصوم السياسيين، وغيرهم كثير؛ بل للمواطنين عامة؛ وربما يتناسى الرجل أن الشعب متشبث بثوابته، التي من ضمنها المؤسسة الملكية، وما لها من مكانة معتبرة في نفوس كل المغاربة. فالرجل –على غير عادة السياسيين الذين تقلدوا مسؤوليات حكومية من قبله- يتدخل في كل القضايا التي تهم الشأن العام، دون مراعاة الاختصاصات.
نلاحظ إذن أن السيد بنكيران لم يعد يراعي حدود اللياقة في الحوار، إذ أن خطابه لا يخلو من توجيه أوامر صارمة لأعضاء حزبه، ولعموم المواطنين، والمناسبات الدالة على ذلك كثيرة ومتنوعة.
4- الضبابية وعدم الوضوح في المواقف بين المعارضة والأغلبية:
لسنا في حاجة للتدليل على ذلك، فلطالما لاحظ جميع المتتبعين أن تصريحات قيادة هذا الحزب تتشابه على أصحابها، فلاهي تندرج في صف المعارضة، ولاتدرج في خانة الأغلبية. إن الخطاب “الحربائي” لهذا الحزب يجعله شاردا ومتفردا، وهو ما يعكس “براغماتيته” غير الواضحة وغير الواقعية.
5- تبنيه للمظلومية:
إن ما يميز هذا الحزب هو إتقانه للمظلومية، لكننا قد نتفهم على مضض تبنيه لها إبان الفترة السابقة على تأسيس الحزب، أو حتى أثناء توقعه في المعارضة؛ ولكن في موقع الحزب الحاكم، فهو الأمر الذي يستعصي علينا “تجرعه”.
6- غياب مشروع مجتمعي حداثي:
إن ما ينقص الحزب هو انعدام تبنيه لمشروع مجتمعي، قابل للتطبيق، يستطيع من خلاله تحقيق حاجيات من انتدبوه لتسيير وتدبير شؤونه. يجمع الجميع على أن الولايتين الحكوميتين اللتان تسنمهما هذا الحزب، لم تحققا ولو جزء بسيط من الشعارات التي دونها في برنامجه إبان حملته الانتخابية، التي على أساسها حصل على المرتبة الأولى خلال الاستحقاقات السالفة. بل إن القرارات القاسية (المقاصة، والتعاقد، والتقاعد،…) التي تم اتخاذها، لامثيل لها من حيث القساوة في تاريخ المغرب ما بعد الاستقلال؛ وقد اعترف السيد بنكيران بحجم “مرارتها” مؤخرا.
وفي الأخير، نسجل وبقوة أن بذور انتكاسات أحزاب الإسلام السياسي على مستوى الوطن العربي، قد حملتها في طياتها إبان نشأتها. وننوه إلى أن الوطن له ثوابته التي تضمن له وحدته، وازدهاره.