مغربية تحكي قصة نجاتها جحيم ميانمار عقب تعرضها للاختطاف


يبدو أن قصة الشاب المغربي يوسف، الذي فجر قبل أيام قضية خطف مغاربة في تايلاند، مجرد جزء من جبل الجليد المتعلق بضحايا عصابات الخطف والميليشيات المسلحة بميانمار/ بورما سابقاً.

فما يحدث هناك من عنف وتنكيل وتعذيب يتعرض له بعض المغاربة ومواطنين من عدة دول أخرى يفوق الوصف.

إذ يتعرض المخطوفين لمعاملة غير إنسانية تجعل منه سلعة رخيصة في سوق عشوائية تحكمها مافيات تجارة البشر والجريمة الإلكترونية بالحديد والنار.

“أبواب جهنم”

فقد كشفت شابة مغربية نجت من “جحيم الاستعباد” في ميانمار قصة وصولها إلى بؤرة الشر، كما تقول ومعاناتها هناك، وكيف تمكنت بفضل أسرتها ومنظمات دولية إنسانية من التحرر من مختطفيها.

وأوضحت الصبية التي طلبت عدم الكشف عن هويتها، لدواع أمنية، أنها وصلت إلى “أبواب جهنم” بعد لقائها بشخص من مراكش في تركيا، حيث كانت تتابع دراستها بالسنة الثانية ماستر في إدارة الأعمال باللغة الإنجليزية.

كما أضافت في حديث نقله موقع “العربية. نت” أن هذا الشخص أقنعها بالسفر إلى تايلاند، حيث يمكنها أن تعمل هناك بأجرة تصل إلى حوالي خمسة آلاف دولار شهريا.

وكأي شابة في عمرها، يحذوها الطموح والحماس، وافقت الشابة وتوجهت معه إلى ماليزيا لاستصدار تأشيرتها متسلحة بعزمها وبكفاءتها الأكاديمية لخوض تجربة مهنية تفتح لها الفرصة لضمان مستقبلها.

انقلبت حياتها رأسا على عقب

قبل أن تتفاجأ بعد عبورها لتايلاند، بنقلها إلى منطقة “كارين” في ميانمار، حيث انقلبت حياتها رأسا على عقب بعد أن تفاجأت بوصولها إلى مكان وصفته بجهنم على الأرض.

وتابعت قائلة بعد أن ابتلعت ريقها إنها كانت تجبر على العمل لحوالي 12 ساعة متواصلة أمام الحاسوب. وأضافت أن “العمل هناك مقسم بين الأشخاص إلى فئتين، الراقنون (typers) الذي يتولون مهمة التواصل الكتابي مع الضحايا خصوصا من الجنسية الأميركية، محاولين إقناعهم بالاستثمار في التجارة الإلكترونية عن طريق استعمال جميع وسائل الإغراء، والفئة الثانية هم العارضون (المودلز)”.

وقالت: “أنا كنت من بين المودلز، فبعد المحادثات المكتوبة التي تجريها الفئة الأولى، ولكسب ثقة الضحايا، نمر إلى مرحلة المحادثة عبر الفيديو باستعمال الذكاء الاصطناعي، حيث لا يرى الزبون الوجه الحقيقي للمتكلم، لإجراء ما تم الاتفاق عليه ولدفع الضحايا للاستثمار ووضع أموالهم في التجارة الإلكترونية والاتجار في العملات”.

قبل أن تنهار باكية، متذكرة العذاب النفسي الذي كانت تعيشه جراء النصب على الزبائن وإقناعهم بأنها شخصية حقيقية، قائلة بصوت متقطع “لقد كنت مفتاح جريمتهم”.

قتل وانتحار

هذا وأردفت “أن أي عامل تجرأ على رفض هذه الممارسات أو أظهر تمردا يكون نصيبه أقسى أنواع التعذيب”.

وأكدت أنها تعرضت للحبس الانفرادي، والضرب والتعذيب والتجويع والتنكيل، فيما تعرض آخرون للصعق بالكهرباء وتكسير الأرجل والأيدي في غياب أية رعاية صحية.

كما شدد على أن البعض لقي حتفه هناك أو بات عاجزا، بل هناك من قتل أيضا في غرفته، ومن أقدم على الانتحار أيضا.

وتابعت “أن كل ما شاهدته هناك بعيد عن الإنسانية ولم يكن ليحدث حتى في أسوأ كوابيسي”.

مكبلو الأيدي

كذلك، كشفت أن العمال كانوا يجبرون على العمل وهم مكبلو الأيدي، وأن كل التجمعات كانت تحت الحراسة المشددة وتخضع لكاميرات المراقبة المنتشرة في كل الأركان.

بل أكدت أن درجة العنف التي شهدتها هناك وصلت إلى حد إقدام العصابات على تخويف العمال عن طريق جلب دب إلى أحد التجمعات وتهديدهم بإطلاقه وافتراسهم.

فيما خضع آخرون لجلسات تعذيب عبر ربط أيديهم وأرجلهم وإلقائهم في ساحة أشبه بالملعب تحت أشعة السمش الحارقة لأيام متوالية مع الحرمان من الطعام والماء وتعريضهم للصعق بالكهرباء.

- إشهار -

طوق النجاة

على الجانب الآخر، كانت أسرة الناجية في المغرب تبذل أقصى جهدها لتحريرها منذ أن علمت باختطاف ابنتها.

فقد روى والد الناجية الأهوال التي كان يصل صداها إليه لتقض مضجعه ليل نهار، بينما يبحث عن حلول لاسترجاع فلذة كبده وإنقاذها من براثين المافيات الصينية.

وبعدما طرق أبوابا عدة وأرسل شكاوى إلى المؤسسات المعنية من دون جدوى، وبعد مجهودات شخصية، تمكن من التواصل مع منظمات دولية إنسانية تضم عددا من الجنسيات من أميركا ونيوزيلاندا وإنجلترا وميانمار، بعد أن راسلهم وناشدهم إنقاذ ابنته التي تعرضت لشتى أنواع التعذيب.

وفي السياق، أوضح الأب قائلا “تفاعلت معي هذه المنظمات الإنسانية بشكل إيجابي وقامت بالتواصل مع أشخاص هناك في منطقة كاري”، ومع توفر الأدلة التي تم إمدادهم بها تأكدوا من تعرض ابنتي للتعذيب، فقاموا من جهتهم بالتفاوض مع هذه العصابات، ومن ثم تحريرها.

حالتها متدهورة

كما أضاف والد الناجية التي قضت حوالي ثلاثة أشهر في الجحيم، أن حالتها النفسية متدهورة وتخضع حاليا للعلاج النفسي وتتناول المهدئات لتتمكن من العودة إلى إيقاع حياتها الطبيعية، معترفا أن جميع أفراد الأسرة متضررون نفسيا وبشكل كبير”.

إلى ذلك، كشف مصدر مطلع، أن عملية النصب على المغاربة تبدأ من خلال استدراجهم للعمل في تايلاند غير أن واقع الأمر هو أن البلاد ما هي إلا دولة عبور تسهل منح التأشيرات للمغاربة من قنصليتها في كوالا لامبور بماليزيا، لأن مسرح هذه الفظائع هو ميانمار وليس تايلاند.

مراكش.. بؤرة الاستدراج

كما أوضح أن مدينة مراكش تعتبر بؤرة استدراج المغاربة، حيث غادر قبل أيام حوالي خمسة عشرة شابا وشابة إلى هناك من طرف نفس المهرب المغربي ابن مدينة مراكش.

وأشار ذات المصدر أن الدولة التي يسهل للمافيات الحصول منها على التأشيرات للمغاربة هي ماليزيا لأنها لا تفرض تأشيرة على المغاربة، ومن هنا يبدأ التزوير، حيث يقوم الوسيط الذي يتعامل مع الضحية بتقديم ملف مزور بشكل متقن للمصالح القنصلية التايلاندية بماليزيا، يتضمن تفاصيل مالية وعقود عمل مزيفة، وقد يصل الأمر إلى تزوير جوازات السفر كذلك.

أما الهدف فتسهيل حصول الضحية على تأشيرة الدخول إلى تايلاند بشكل ذكي جدا لدرجة أن الضحية نفسه لا يفطن أنه وقع فريسة لمافيا غاية في الدهاء، وفق المتحدث.

ثم يتم التعامل مع الضحية فور الوصول إلى تايلاند، كأنها سائح، قبل أن تتفاجأ بنقلها إلى منطقة خارج الحدود التايلاندية في ميانمار وبالضبط في ولايتي كارين وبلدة ميدواي.

200 ألف مخطوف

كذلك، كشف مصدر مطلع آخر، طلب كذلك عدم الكشف عن هويته حفاظا على حياته، وخوفا من وصول أفراد من المافيا الصينية إليه وإلى عائلته، أنه يوجد أكثر من مئتي ألف محتجز في ما وصفها بجهنم، ومن جنسيات مختلفة.

وأكد أن التحدي الحقيقي أمام المحتجزين هو الحفاظ على صحتهم النفسية بسبب التعذيب اليومي الذي يتعرضون له، هذا فضلا عن الخيانة التي يقعون ضحيتها من قبل زملائهم.

كما لفت إلى “أن تسريب أي معلومة بسيطة عن تلك التجمعات التي يصلها عددها لحوالي أربعين، لأي طرف خارجي، يكون مصير مصدرها التعذيب والتنكيل، وهو المصير عينه الذي لاقاه الضحية المغربي يوسف الذي فجر القضية من خلال مقطع فيديو نشره على موقعه على إنستغرام.

إلى ذلك، كشف أن هذه المافيات تجني أمولا طائلة جراء عمليات النصب المخيفة التي تقوم بها تقدر بمليارات الدولارات بل إن مراقبين تحدثوا عن تخطي مداخيل عمليات الاحتيال هذه الرباح التي تدرها تجارة المخدرات.

إلى ذلك، أفاد والد الناجية المغربية أن أسر المغاربة المحتجزين والمختطفين بميانمار والذين يصل عددهم لحوالي مئتي ضحية بما فيهم بعض القاصرين، تستعد لتنظيم وقفة احتجاجية أمام وزارة الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، الأسبوع القادم، بالعاصمة الرباط للمطالبة بالكشف عن مصير أبنائها.

يذكر أن النائبة البرلمانية عن فيدرالية اليسار فاطمة التامني كانت وجهت سؤالا كتابيا إلى وزير الشؤون الخارجية كشفت من خلاله عن معاناة شابات وشباب مغاربة في تايلاند، سائلة عن الخطوات التي اتخذتها الحكومة حتى الآن لمعالجة تلك القضية.

المصدر: “العربية. نت”

أعجبك المقال؟ شاركه على منصتك المفضلة..
قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد