احتجاجات المحامين وتحدي النجاعة النضالية


هذه الورقة مساهمة من قطاع المحامين المنتسبين إلى الحزب الاشتراكي الموحد أطرحها على الزميلات والزملاء لتعميق النّقاش بشأن القضايا التي تطرحها وغيرها مما لم تتطرق إليه.. وهي بطبيعتها مفتوحة على النقد والنقاش.

    يمكنكم الاشتراك في نشرتنا البريدية للتوصل بملخصات يومية حول المقالات المنشورة على الموقع

    الاشتراك في النشرة البريدية

    دشن المحامون/ت بوقفتهم الاحتجاجية الوطنية المنظمة يوم 21 أكتوبر الجاري، أمام وزارة العدل، مسارا نضاليا متجددا، تدل المؤشرات الأولية على أنه سيكون ضروسا واختبارا حقيقيا لنفسهم النضالي.. مما يطرح ضرورة استحضار هدف النجاعة النضالية في تقدير وإنجاز خطواتهم القادمة.

    وقبل الخوض المباشر في الموضوع، أشير إلى أن المقصود بـ”النجاعة النضالية ” هو تحقيق، على الأقل، للحد الأدنى من الأهداف والشعارات المحركة /المؤطرة للاحتجاجات، وقاية من فيروس التيئيس من النضال المهني الديمقراطي واستعدادا لتعميق التراكم ووضوح الرؤية المهنية.

    لعل أول خطوة منهجية لاستشراف هدف النجاعة النضالية هو التقدير الصحيح لموازين القوى بين أطر المحامين/ت المحتجين والجهة / الجهات المقابلة. والتقدير هذا ليس مسألة نظرية، بل يستفاد من التجارب النضالية السابقة، وهو ما يطرح تقييم تجربة مواجهة فرض جواز التلقيح لولوج المحاكم: ماذا كانت نتيجته؟ وهل استطاع المحامون/ت فرض مطالبهم على الجهة الوصية؟ وما هي حيثيات التوافق الذي تم التوصل إليه؟.

    الجواب، في تقديري، أن الحل الذي انتهت إليه الأطر المهنية الرسمية والمناضلة مع الوزارة الوصية بشأن الموضوع لم يزد عن حفظ ماء الوجه، إذ أسندت مهام رقابة جواز التلقيح إلى هيئات المحامين، أي عمليا الإبقاء على مضمون البلاغ الثلاثي دون تعديل والتفاوض بشأن طرق تنفيذه.

    وهنا لا بد من التنبيه إلى أن التكتيك الذي نهجته الوزارة بمبادرتها إلى الدفع بتوقيع البلاغ من قبل ممثلي السلطة القضائية رحل الصراع من حق أطر المحامين /ت في المشاركة في صنع القرارات /الإجراءات التي تهم سير المهنة إلى مواجهة مع السلطة القضائية ومن ورائها سلطة الدولة، وضمنت -الوزارة- بذلك فرض قرارها ليس بصفتها حزبا أو تحالفا حزبيا يسير الحكومة مع ما يقتضيه ذلك من تسويات مع الفاعلين المدنيين بل كقرار صادر عن سلطة الدولة لا يمكنها التراجع عنه.

    ما يمكن استخلاصه من الملاحظة السابقة، هو أن وزير العدل يتصرف وفق تكتيك “وضع الجميع أمام الأمر الواقع” وهو تكتيك يبدو أنه سيتكرر من خلال مشروع قانون المالية موضوع المناقشة، وما تضمنه من تعديلات ضريبية تهم المحامين.

    على أن المهم في الاستطرادات السابقة، هو أن ميزان القوى بين الأطر المهنية للمحامين/ ت والوزارة الوصية مستقر لفائدة الأخيرة بدليل أنها تحتفظ بالمبادرة الهجومية من خلال الإجراءات المعلن عنها أو المسربة.. وهو ميزان تسنده الدولة العميقة مادامت – الإجراءات- تخدم مصالحها البعيدة .

    وبالفعل، عند تصفح مضمون المشاريع المعلن عنها أو المهربة، سيتضح أنها تروم فرض امتصاص بطالة الخريجين من كليات الحقوق على المهنة دون مراعاة قدرتها على الاستيعاب، وهو ما يعني على المدى المتوسط والطويل “بلترة” المهنة، مع تحميلها المزيد من العبء الضريبي لتمويل مشاريع الدولة الاجتماعية علما أن المحامين أنفسهم لا يستفيدون من أية حماية عمومية، وأخيرا نزع الطابع السياسي عن تمثيلية المحامين الوطنية وتحويلها إلى إطار يحكمه قانون المهنة، وليس قانون الحريات العامة.

    - إشهار -

    نحن إذن بصدد فصل جديد من فصول “التقويم الهيكلي”، بعد أن نجح في مرحلته السابقة في إلغاء صندوق المقاصة، وغيرها من التدابير الاجتماعية التي رامت مزيدا من تفقير الطبقة الوسطى ومن تحتها، ضمانا للتوازنات الماكرو اقتصادية.

    وإذن فالوقفة الاحتجاجية التي خاضها المحامون/ت يوم 21 أكتوبر الجاري، هي إعلان عن انطلاق سيرورة نضالية لمواجهة مشروع بهكذا حجم، وهو تحدي يقتضي حساب جميع الخطوات النضالية التي سيعلن عنها وتوفير الأسس التنظيمية المناسبة لها.

    إن توحيد جميع الأطر المهنية أو أغلبها على قاعدة برنامج حد أدنى أصبحت ضرورة ملحة لتجنب تشتيت النضالات أو اختراقها، وهذا التوحيد يقتضي معالجة وضعية المحامين/ت المنتسبين للأحزاب التي تسير الحكومة والمسؤولة سياسيا وأخلاقيا عن المشاريع موضوع المواجهة.

    لقد أظهرت الوقفة الأخيرة أن بعض المحامين/ت المنتسبين للأحزاب المذكورة شاركوا في الاحتجاج وهو ما يعني تغليبهم/ن للمصلحة المهنية على غيرها من الاعتبارات حتى ولو كان في ذلك بعض المظنة من تجنب العزلة في الانتخابات القادمة، كما أن معالجة هذه الوضعية على مستوى الجمعية يقتضي، في الأقل، اعتماد القيادة الجماعية في المرحلة الراهنة والإعداد لمؤتمر الجمعية في أقرب الآجال.

    أما شعارات المرحلة القادمة، والتي ينبغي تحديدها من قبل الأطر التمثيلية للمحامين/ت، فيجب استحضار القدرة على التحقيق في تقديرها، وشخصيا أميل إلى تكتيك إجراءات التأخير ما أمكن في المرحلة الراهنة في أفق التراضي على بديل مقبول من أغلبية المحامين/ت يكون بوصلة للنضال المرير القادم.

    عبد الرحيم جدي – منسق قطاع المحامين الديمقراطيين للحزب الاشتراكي الموحد.

    إن الآراء الواردة في هذه المقالة، لا تـُعبّر بالضرورة عن رأي موقع "بديل"، وإنما عن رأي صاحبها حصرا.
    أعجبك المقال؟ شاركه على منصتك المفضلة..
    قد يعجبك ايضا
    اترك رد

    لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

    يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد