الشرقاوي يكتب: معنويات الملك لاتحتاج لترميم اسرائيلي


في ظل الجدل المستمر بخصوص تطورات قضية الصحراء والموقف من اسرائيل، توصل موقع “بديل.أنفو” بمقال مثير لمحمد الشرقاوي، أستاذ تسوية النزاعات في جامعة جورج ميسون في واشنطن، وعضو سابق في لجنة الخبراء في الأمم المتحدة، يؤكد فيه على تشبع آخر ملوك المغرب الثلاثة بثقافة الاختلاف والتعايش مع باقي الديانات.

    يمكنكم الاشتراك في نشرتنا البريدية للتوصل بملخصات يومية حول المقالات المنشورة على الموقع

    الاشتراك في النشرة البريدية

    وهذا نص المقال كاملا:

    معنويات الملك لاتحتاج إلى ترميم اسرائيلي

    ثمة سجلّ تاريخي مشترك بين الملوك الثلاثة: محمد الخامس، والحسن الثاني، ومحمد السادس، في التمسك الشخصي والسياسي بحوار الديانات وتعايش الثقافات. في الأربعينيات، أوجد محمد الخامس سبل الحماية لآلاف اليهود من بطش النازيين. وفي الستينيات، لم يقف الحسن الثاني في طريق من أراد الهجرة إلى إسرائيل، ولم يغير اعتبار الذين فضّلوا البقاء بأنهم مغاربة يهود بتوازي الحقوق والواجبات لديهم مع بقية المغاربة. وحافظ محمد السادس على وضع جيد لليهود في المغرب. واستقبل هو وسلفه الحسن الثاني باباوات الفاتيكان ضمن قناعة المغرب بالحوار الإسلامي مع المسيحية بكافة تجلياتها الكاثوليكية عبر العالم.

    هذه مسلّمات واقعية يعززها وجود المساجد والكنائس والكنس في جل المدن المغربية، ويلتف المغاربة حول فكرة التسامح الديني والتعددية العرقية والثقافية حتى في نص دساتيرهم. وأي مناسبة لتذكيرهم بهذه الشهامة السياسية والتعددية الثقافية لا تكون سوى تحصيل حاصل.

    لكن فحوى ما قاله رئيس الأمن القومي الإسرائيلي مائير بن شبات عشية وصوله الرباط في مقابلة صحفية بأن “إسرائيل تكفل حرية العبادة لجميع الأديان والطوائف التي تعيش فيها” تنمّ عن مقارنة ضمنية وكأن لدى المغرب مشاكل مع تعايش الأديان أو تحديات في طريق الاختلاط الاجتماعي والثقافي. فهل حان عصر “التنوير الإسرائيلي” لهدي صراط المغاربة؟

    عندما يستعرض بن شبات بعضا من سيرته الذاتية، ويتذكّر أصله وحياته الأولى هو وإخوته في المغرب، فهو يثير رومانسية الاغتراب في إسرائيل، أو حتى اعتباره ضمن الشتات المغربي المتناثر في مائة دولة في العالم. والقصة الشخصية تظل إحدى تقنيات تركيب الخطاب والدبلوماسية الناعمة. وقد تنفتح لها الأفواه وتفتر بها القلوب في حميمية المغرب المشترك، والمواطنة المشتركة، والوجدان المشترك…!

    لكن هذه المقدمات النوستالجية لا تُنسي حقيقة أن السيد بن شبات وبقية الوفد الإسرائيلي الأمريكي جاءوا في مهمة سياسية محددة بتكليف من نتنياهو وحزب الليكود وهي استكمال التطبيع الشامل مع المغرب مقابل اعتراف الرئيس ترامب بمغربية الصحراء. ومهمة السيد بن شبات تقتضي ضمان مصلحة إسرائيل أولا وأخيرا. فماذا يتبقى من “مغربية” بن شبات؟!

    - إشهار -

    وعندما يعتبره مجالسوه “منّا” وبقية توابعها الهوياتية، فإن مصلحته ومصلحة الليكود لا تجعله “منّا”، بل “منهم”، هم النتنياهويون، والليكوديون، واليمينيون، ودعاة الصهيونية، وبقية القوى المتشددة التي تريد نسف حل الدولتين الذي يتمسك به المغرب في سياسته تجاه الفلسطينيين والإسرائيليين.

    وعندما يتمسك المغرب بعدم تخليه عن التزامه بالقضية الفلسطينية وحل الدولتين ووضع القدس الشرقية عاصمة لدولة فلسطينية في المستقبل، فإنه قد ينسى أو يتناسى أن الليكوديين من أمثال بن شبات ويهود آخرين من أصل مغربي هم من سيعارضون بشدة موقف المغرب، ويصرون على التطبيع وعلى تجويف القضية الفلسطينية من خلال “اتفاقات أبراهام”. وهنا يتبين الخيط الأسود من الخيط الأبيض، أو بالأحرى الحدّ الفاصل بين الرومانسية_والواقعية، وإن تحدث بن شبات معنا بالدارجة، أو أشاد بطعم الكسكس أو حلاوة “أتاي” المنعنع وحلويات “كعب غزال والبريوات” على موائد الضيافة السخية.

    من ذكاء نتنياهو وبن شبات وكوشنير أن يعتمدوا خطاب النوستالجيا اليهودية للمغرب والإشادة بموقف الملك من تعايش الديانات، أو كما تمت هندسة عنوان المقابلة “قيم الملك محمد السادس مثال للشراكة بين الأديان الثلاثة”. هي مجرد سرديات وتحصيل حاصل تغدو أدوات ناجعة هذا الأسبوع في تركيب خطاب موات لإقناع الملك والمغاربة بقبول التطبيع الكامل هذا الأسبوع.

    سردياتٌ… وحكاياتٌ… ونوستالجيا… قد تنتشي بها الآذان وتنفتح لها الصدور، وترتفع معها الحميمية العاطفية، وتغيب عقلانية التفاوض الصارم في القبول بمقايضة اعتراف مقابل تطبيع.

    هي ديبلوماسية تطبيعية ناعمة تستغل التاريخ أيضا عندما يتحول بن شبات إلى “برّاح” لترويج النسخة المغربية من “اتفاقيات إبراهيم” (في المغرب) و”اتفاقات أبراهام” (في البيت الأبيض) لكونها “ترمز إلى الأصل المشترك للأديان السماوية الثلاثة. أورشليم.. القدس.. والأماكن المقدسة يجب أن تكون مواقع تحقق التقارب والسلام والأخوة بين الشعوب وليس الحرب والعداوة”، حسب تعبيره.

    مثالية الدين، وخطاب التاريخ، وسرديات النوستالجيا وأدوات ناعمة أخرى تترقب أن تقبل الرباط خطة التطبيع، فما الخيار بين جاذبية العاطفة وحساب العقل!

    أعجبك المقال؟ شاركه على منصتك المفضلة..
    قد يعجبك ايضا
    اترك رد

    لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

    يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد