مطلب إحداث إقليم جديد بمنطقة بولمان عنوان لفشل التقسيم الترابي بالمغرب
عرفت الساحة المحلية في الآونة الأخيرة بمنطقة بولمان وخلافا لأي وقت مضى نقاشا عموميا مكثفا في موضوع يعد أكثر حيوية وتداولا، يتعلق الأمر ببزوغ دينامية اجتماعية مطالبة بتقسيم ترابي جديد عبر إحداث إقليم يضم دائرتي بولمان وإيموزار مرموشة، مطلب تدعو الدينامية من خلاله صانعي القرار إلى مساءلة مخططاتهم وسياساتهم وإلى استلهام العبر وتجاوز النقائص والهفوات التي رافقت التقسيمات والمخططات التنموية السابقة، اعتبارا لمحدودية الحصيلة والنتائج المنجزة واعتبارا لعدم قدرتها على المواكبة والاستجابة لمطالب وحاجيات المواطنين الملحة والمتزايدة.
من الواضح أن الدينامية تتفق على اختلاف مشاربها ومكوناتها بأن الأعطاب المرافقة للتقسيم الحالي للإقليم والتي تؤكدها المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية مرتبطة بأزمة الحكامة الترابية التي لا تراعي الخصوصيات المحلية والاحتياجات المجالية ولا تضع في أولوياتها ولوج كل الساكنة على قدم المساواة إلى كل الخدمات العمومية.
ومن بين الإخفاقات الكبرى التي لازمت التدبير الترابي والإداري وسياسة اللاتمركز هو استفراد المدن التي تحتضن عواصم الأقاليم على طول وعرض التراب الوطني بالجزء اليسير من الاستثمارات العمومية وبها نجد مستويات النمو البشري والعمراني والاقتصادي مرتفعا مقارنة مع باقي المناطق المشكلة للإقليم، فعلى سبيل المثال لا الحصر وارتباطا دائما بالدينامية محط النقاش فمدينة ميسور العاصمة الحالية لإقليم بولمان رغم أنها تفتقر لمشاريع مهيكلة ورغم أنها ليست بجنة الإقليم لكن وجود العمالة بترابها حقق لها الشيء الكثير فبمقارنة بسيطة لكيف كان واقع حال المدينة نهاية السبعينيات وكيف أصبحت الآن ومن خلال استقراء واستنطاق الأرقام والإحصائيات ليتضح لنا حجم ومعدلات الإنفاق العمومي وحجم الدورة الاقتصادية التي خلقها تمركز المصالح والخدمات في نفس المدينة واقع فيه تغير مهم ناهيك عن حجم التوظيفات التي استفاد منها أبناء المدينة كمركز للعمالة. وكذا خلق نخب اقتصادية.
ويكفي أن نأخد أيضا كنموذج تحليل ودراسة أية مؤسسة إقليمية وبوضع خريطة لتوزيع مشاريعها وإنجازاتها سيبدو الفرق الشاسع بين عاصمة الإقليم وباقي الهوامش. وبهذا الصدد يكفي أن نشير إلى أن معدل النمو السكاني مثلا ببلدية بولمان خلال الفترة الممتدة بين 2004 و2014 لم يتجاوز 0.28 % بينما في بلدية ميسور وصل إلى 2.0 % وللرقم دلالة عميقة على مستوى التحولات الاجتماعية والاقتصادية.
وفي نفس السياق وبعودتنا إلى المنهج العلمي في قياس الأثر، ومن خلال مثال بسيط يمكننا أن نستأنس به ونقيس عليه باقي الأمور ويتعلق الأمر بفرضيات القيمة المالية للتأثيرات المجتمعية, فمثلا إذا كانت نتيجة إنشاء مقر العمالة بمدينة ميسور هي تمكين ساكنة المدينة من إمكانية الولوج والقرب من الخدمات، فيمكن حساب القيمة المالية لهذه النتيجة عن طريق دراسة معدل التكلفة الإضافية المطلوبة لتنقل باقي ساكنة الإقليم لقضاء أغراضهم الإدارية بعاصمة الإقليم.
لذا فالدينامية تنادي بحتمية وضرورة الخروج من عنق الزجاجة والحد من الفوارق بين الفئات الاجتماعية والتفاوتات المجالية لتحقيق العدالة الاجتماعية وتقوية الجاذبية والتنافسية الاقتصادية للدائرتين، ولم يكن مبرر وجودها يوما ما مبنيا على نبذ أحد ولا مبنيا على نزوعات ذاتية، عصبية، إثنية، عقائدية أو سياسية ولو كان كذلك لما التفت حولها وساندتها فعاليات من مختلف المشارب والتوجهات.
يظل اذن مطلب التقسيم الترابي الجديد مطلبا واقعيا ومشروعا ويتقاطع مع المطالب الأخرى التي تهدف إلى تحسين شروط عيش الناس، ويبقى مطلبا ينتصر لقيم العدالة والديموقراطية وحقوق الإنسان ولا يدعي لنفسه امتلاك الحل لكل معضلات المنطقة ولا للوطن والإنسان فهو مجرد مدخل وإسهام نحو تحقيق مستقبل أفضل.
فهو مطلب مفكر فيه بوعي وموضوعية بعيدا عن العاطفة وكل الإسقاطات الذاتية ومن ناحية تحقيقه لمبدأ الجدوى فمضامين المطلب تخضع في تقديري المتواضع لمعايير التجانس وهو ما سيجعل من سهولة الاتصال والقرب والتناسب والتوازن ميزة لهذا الكيان الترابي الجديد، فنحن لسنا أمام مطلب إحداث إقليم صغير (micro-province) بل نحن أمام إحداث وحدة ترابية متكاملة وليس تقسيما نشازا، ولدعم هذا المعطى يمكننا إنجاز مقارنة بسيطة لإحصائيات المندوبية السامية للتخطيط الخاصة بالمساحة والكثافة السكانية للأقاليم بحيث سنلاحظ أن مساحة دائرتي بولمان وإيموزار مرموشة تشكل أكثر من:
- 20 مرة مساحة إقليم مديونة
- وضعف مساحة كل من أقاليم الحاجب وسيدي بنور وبرشيد.
- ومن ناحية الكثافة السكانية ستلاحظ أن مجموع ساكنة الدائرتين يشكل ما يفوق 44 مرة نسبة الكثافة بإقليم أوسرد و10 مرات نسبة الكثافة باقليمي طرفاية والسمارة.
ولنا في هذا المعطى الأخير ما يمنح للمطلب مشروعيته ويخرجه من حيز الاستثناء كما تروج لذلك بعض الجهات، فهناك مناطق استفادت بمنطق التمييز الإيجابي فما المانع إذن من أن تستفيد منطقة بولمان ومناطق أخرى بناءً على خصوصيتها المجالية الوعرة.
أخيرا ومن بين الأمور التي قد يتفق عليها الجميع، أن إنشاء إقليم جديد كآلية لن يجيب على كل المعضلات ولن يشكل العصا السحرية لحل كل المشاكل والاختلالات ما لم تواكبه إجراءات أخرى وتوجه جديد للدولة نحو إعادة النظر في أزمة الحكامة الترابية وسياسة اللاتمركز الإداري وكذا أزمة سياسة اللامركزية بالمغرب والتي بصيغتها الحالية تحول دون ملاءمة تنزيل السياسات العمومية اعتمادا على خصوصية المجال الترابي واستجابة لحاجياته الملحة.
هذه الرغبة هي التي عبرت عنها الدينامية حين اعتبرت هذه الأخيرة مدخلا وآلية عبر إحداث إقليم جديد برؤية جديدة ومضمون جديد يتجاوز هاجس الضبط الأمني ويتفادى أخطاء التدبير والتقسيمات الترابية الحالية، من خلال: تبني مبدأ توزيع المصالح الإقليمية ولاتمركزها مجاليا وتوزيعها بشكل عادل ومناسب لخصوصية المناطق المشكلة للإقليم، وباعتماد وسائل فعالة تحقق تقريب الخدمات الأساسية للمواطنين كمبدأ أساسي في التدبير، وبرمجة وإنجاز مشاريع مهيكلة وكذا تقوية أدوار الجماعات الترابية وفتح هامش أكبر للمساهمة المواطنة في تدبير الشأن المحلي.