محمد الرباع أميـر المهاجرين.. يرحل إلى دار البقاء
فقدت الساحة الهولندية، ومعها الجالية المغربية المناضل والحقوقي والرجل الشهم السيد محمد الرباع، الذي وافته المنية يوم الثلاثاء 17 ماي بمدينة أمسفورد الهولندية عن عمر ناهز 81 عاما، وذلك بعد مرض طويل، ألم به في السنوات الأخيرة على إثر جلطة دماغية أصابته سابقا، وفرضت عليه الجلوس على كرسي متحرك، وملازمة الفراش لمدة تفوق 10 سنوات إلى أن وافته المنية في الأيام الماضية.
تقلـد الراحل في حياته مناصب مهمة ومن أبرزها : رئيسا لحزب سياسي كبير ، حيث قاد حزب اليسار الأخضر صحبة زميلته السيدة “اينا براور”ن ويكون بذلك أول مواطن مغربي في أوروبا يصل إلى هذا المنصب. وأيضا، كان مديرا للمركز الهولندي للأجانب على الصعيد الوطني، علما أن مدينة روتردام وحدها تقيم فيها 174 جنسية.
ثم كان محافظا قانونيا ـ أي أحد نواب العمدة ـ بمدينة ليدن . وكذلك كان برلمانيا سابقا باسم الحزب االيسار الأخضر الذي يتزعمه الآن السيد “ياسو كلافـر” من أم مغربية. وعضو في الكثير من المنظمات التي تحارب العنصرية. وكان محمد الرباع، قيد حياته أمير الجالية المغربية بامتياز، ومحاميا شرسا يدافع عن حقوق المهاجرين، وبفضله تحققت العديد من الحقوق والامتيازات التي لم يحققها أي سياسي آخر في أوروبا، ومن بينها :
1- قانون التجمع العائلي، ليس للمغاربة فقط، بل لجميع الجنسيات.
2- حصول المواطنين على الجنسية الهولندية، دون عراقل أوصعوبات .
3- الاعتراف بالمدارس التعليمية الإسلامية على غرار المدارس المسيحية والكاتوليكية واليهودية والعمل على إدخال اللغة العربية، كمادة رسمية، داخل المنظومة التعليمية.
4- الحق في التصويت على الاستحقاقات الانتخابية، حيث كانت هولندا استثناء في أوروبا .
5- ناضل ضد العنصرية، وكان نـدا عنيدا وصامدا ضد الأحزاب اليمينية المتطرفة.
كان رجل المبادى والمواقف الصلبة، مما جعل أغلب رؤساء الحكومات السابقة يتشاورون معه في العديد من القضايا، حسب ما حكى لي شخصيا، قبل وفاته، وأثناء الزيارات، التي كنا نقوم بها، مع بعض الإخوان والأخوات إلى المركز الذي كان يوجد فيه. ناضل من أجل القضية الفلسطينية، وأدان الجرائم الإسرائلية ضد الفلسطينيين، وقاد مظاهرات عدة تندد بكل المجازر والاغتيالات التى وقعت في فلسطين، واشتغل مع السيدة “كريطا داوزن بيرغ” زوجة السيد مدير البنك الأوروبي السابق، التي رفعت العلم الفلسطيني فوق منزلها في قلب مدينة أمستردام، رغم كل المضايقات والاستفزازات، والضغوط التي كان يتعرض لها بسبب قوة اللوبي الصهيوني، وانتشاره في كل المؤسسات ومراكز القرار بهولندا. كان مناضلا كبيرا، ومطالبا بالديموقراطية وحقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية ومحاربة الفساد في المغرب، ورغم أنه كان مصنفا كمعارض لما يجري في المغرب، وخصوصا في سنوات الرصاص، حيث كان كل شيء محرما، إلا أن معارضته، لم تكن يوما من الأيام لا ضد مقدسات البلاد، ولا ضد الوحدة الترابية. وبعد العفو المكي للملك الحسن الثاني، طيب الله ثراه، كان محمد الرباع يزور المغرب في السنوات الأخيرة باستمرار، ويقضي عطلته بمدينة المحمدية التي ترعرع فيها. حيث كان إلى جانب السياسة، مولعا كذلك بكرة القدم، حيث كان يلعب في فرق محلية قبل الالتحاق بهولندا كلاجئ سياسي .
الراحل محمد الرباع كان السياسي والمغربي الوحيد الذي كان عليه اجماع، بأنه رجل نزيه وشخصية فذة وقوية، ومتواضعا، ومحبوبا من طرف فئات المجتمع، وحقق الكثير للمواطنين بصفة عامة وللأجانب بصفة خاصة. اشتغل مع عدة رؤساء حكومات ينتمون إلى الحزب المسيحي وحزب العمل والحزب اللبرالي، وكانوا كلهم يحترمونه وينصتون إلى اقتراحاته، فيما يتعلق بسياسة الهجرة، بعدما لمسوا فيه الصدق والمبادى وبعد النظر. وضعوا فيه ثقتهم، لأنهم لاحظوا فيه الاستقامة والمصداقية، وعدم الانتهازية أو الوصولية والركوب على الأحداث.
محمد الرباع سيبقى نموذجا وعربونا للأجيال القادمة في الوفاء والمثابرة. محمد الرباع سيبقى شخصية فريدة من نوعها حتى لا نقول ظاهرة متميزة . كل الحقوق والمكتسبات التي ذكرناها سابقا ويتمتع بها الآن كل الأجانب في هولندا، جاءت بفضل الله أولا، وبفضل نضالات الراحل محمد الرباع ثانيا، ومساهمة كل السياسيين الهولنديين الشرفاء بمختلف درجاتهم .
سيبقى اسم الراحل محمد الرباع خالدا وشاهدا على الهوية والخصوصية المغربيتين . حبه للمغرب ولهولندا جعلنا نتقرب منه ونستشيره في عدة أمور، تعود بالنفع على الجالية المغربية، وتحسن صورتها في وسائل الاعلام . هذا وسيدفن الراحل محمد الرباع بهولندا بعدما أقيمت عليه صلاة الجنازة بمسجد الأمل بمدينة هيلفرسوم ، ورفعت أكف الضراعة إلى العلي القدير في جميع المساجد المغربية والتركية والباكستانية في هولندا يوم الجمعة الماضي ، بأن يمطر شآبيب رحمته على الراحل وبأن يسكنه فسيح جنانه .
الكاتب: لحسن بنمريـت – هولندا
إن الآراء الواردة في هذه المقالة، لا تـُعبّر بالضرورة عن رأي موقع "بديل"، وإنما عن رأي صاحبها حصرا.