تقرير.. الإنتخابات تؤجج الصراع بين “الرفاق الأمازيغ”!
محمد لعرج-على بعد شهرين من الاستحقاقات الانتخابية بالمغرب، طفا على السطح نقاش قديم/جديد حول جدلية الثقافي، والسياسي، في قضية الأمازيغية، وذلك على خلفية إعلان مجموعة من النشطاء والفنانين الأمازيغ، الترشح بإسم ألوان حزبية مُختلفة، أبرزها حزب التجمع الوطني للأحرار، بين من رحب بالفكرة، ومن اعتبرها غير ذي معنى وجدوى.
قرار انضمام النشطاء الأمازيغ للأحزاب السياسية، ومجموعة من الفنانين يتقدمهم أحمد نتاما الأكثر شُهرة في جهة سوس، قسم “المدافعين” عن الأمازيغية إلى فريقين بآراء متباينة، أحدهم يرفض بالبث والمطلق الانخراط في الأحزاب السياسية، باعتبار هذه الاخيرة تستغل قضيتهم للركوب عليها، والحصول على الأصوات الانتخابية، والآخر ينادي بالنضال، والمشاركة السياسية من داخل الاحزاب خدمة للوطن والقضية الامازيغية.
وفي هذا السياق اعتبر أحمد عصيد، الكاتب والباحث في الثقافة الأمازيغية، أن “القضية الأمازيغية كانت دائما داخل الحركة المدنية، والسياسية في نفس الوقت، فإلى جانب طرحها لموضوع الحقوق الثقافية واللغوية، كانت تطرح إشكاليات هوية الدولة، وتاريخها، وقضايا تدبير الثروة، وملكية الأرض، وفصل الدين عن الدولة، وهي ليست مجرد قضايا ثقافية خالصة، بهذا المعنى، فالثقافي يمثل عمق السياسي”.
النضال داخل الأحزاب!
السياق الراهن، يؤكد عصيد، على أنه “يطرح موضوع التحزيب، وممارسة السياسة اليومية بمعنى تدبير الشأن العام داخل المؤسسات، إما في حزب جديد أو بالانخراط في حزب من الأحزاب المتواجدة في الساحة، واليوم يطرح عليهم تحريك مطالب الأمازيغية في تفعيل القانون التنظيمي داخل المؤسسات”، مشيرا إلى أنه “من الضروري وجود تكامل بين عمل هؤلاء الفاعلين السياسيين، وبين عمل الفاعلين المدنيين في الجمعيات،” مضيفاً “أما الصراع والعنف اللفظي الذي يلجأ إليه البعض لتصفية حسابات شخصية فهو يدل على عدم النضج الفكري والسياسي”، يقول عصيد.
وشدد عصيد في تصريح لـ” بديل”، على أن “المطلوب حاليا هو أن يعمل كل طرف من موقعه من أجل نفس الأهداف، وهي تفعيل الدستور والقانون التنظيمي للأمازيغية، وبذلك يمكن تحقيق نوع التوزيع الذكي للأدوار بين الفاعلين المدنيين والسياسيين، أما الصراع والتصادم فهو يؤدي إلى إضاعة وقت ثمين بدون طائل.”
ومن جهته أشار عبد الرحيم أمدجار الأستاذ، والناشط الأمازيغي، أن “الحركة هي تنظيم اجتماعي ثقافي سياسي حقوقي، يضم جمعيات المجتمع المدني، والهيئات الحقوقية التي تنشط وطنيا ودوليا، وكذا الفعاليات السياسية ومواطنين أفراد، بالإضافة إلى النخبة والمثقفون.” موضحا بأن هذه “التركيبة تبين أن الحركة الأمازيغية تشتغل على القضايا التي تناضل من أجلها من خلال أساليب نضالية مختلفة ومتكاملة (نضال ثقافي، جمعوي، حقوقي وسياسي)”.
وكل ناشط حامل لراية وهم القضية الأمازيغية- يضيف أمدجار-، من حقه أن يناضل من موقعه، وحسب طبيعة عمله، وقناعاته الشخصية، بدون أن تُمارس عليه الوصاية أو أن يُفرض عليه أحد كيفية وطريقة تأدية هذا النضال، مادامت الحركة الأمازيغية تحتوي وتضم الجميع ممن يؤمنون ويدافعون عن قضاياها”.
وأردف أمدجار مؤكدا على أنه “بعد فشل جميع المحاولات لتأسيس حزب مغربي ذو مرجعية أمازيغية، يعد الانضمام لبعض الأحزاب والترشح باسمها، من الضروريات في الوقت الراهن، ومن شأنه أن يحقق بعض المكاسب سواءً على مستوى الأحزاب (قد يغير بعض المواقف السلبية للأحزاب تجاه القضية الأمازيغية)، أو على مستوى تحقيق مكاسب جديدة للأمازيغية داخل مؤسسات الدولة”.
خطوة بدون جدوى!
الطرف الأخر، اعتبر أن الخطوة التي أقدم عليها بعض النشطاء من داخل الحركة الثقافية الأمازيغية، بدون جدوى، ويتم استغلاها لقضاء مآرب شخصية، وهو الأمر الذي يؤكد عليه سعيد الفرواح، الناشط الأمازيغي، مضيفا أن “ذلك لن يخدم الأمازيغية في شيء، فخدمة الأمازيغية واجب على كل الأحزاب والمؤسسات وليست مقتصرة على طرف دون غيره بمقتضى الدستور والقانون والواجب الوطني”، على حد تعبير الفرواح.
وشدد الفرواح في تصريح هاتفي لـ”بديل”، على أنه ضد ما أسماه “محاولة خندقة الأمازيغية مع حزب دون غيره، أو جعلها ورقة للصراع الانتخابي أو اختزالها في اللغة والثقافة فقط. مشيرا إلى أنه ” من المفروض أن القضايا الكبرى للوطن عليها إجماع وليس محل نزاع، وهؤلاء يريدون العودة بالأمازيغية إلى الوراء وجعلها محل نزاع وكأننا في فترة ما قبل الإجماع الرسمي على الاعتراف بها في الدستور كلغة رسمية للبلاد”.
رسالة سياسية!
قال رشيد لزرق، المحلل السياسي والمختص في الشؤون الحزبية، إن “الدستور المغربي يمنع تأسيس أحزاب سياسية ترتكز على أساس ديني أو لغوي أو عرقي أو جهوي، والاندماج الذي وقع بين جبهة العمل السياسي الأمازيغي، مع التجمع الوطني للأحرار، هو رسالة سياسية وقيمية من التجمع، باحتضانه الفعاليات الأمازيغية على اعتبار أصول رئيسه الحالي عزيز أخنوش، واهتمامه بالقضايا التي تهم الفعاليات الحقوقية والثقافية للأمازيغ، وهي تكملة للمسار والعناية الذي بات يعطيها هذا الحزب لتنزيل الحقوق الثقافية المنصوص عليها دستوريا للغة الأمازيغية”.
وأشار أستاذ القانون الدستوري، والعلوم السياسية بجامعة ابن طفيل القنيطرة في تصريح لـ”بديل”، أن جذب الأحرار للنشطاء الامازيغ، يأتي بخلاف حزبي العدالة والتنمية والاستقلال، اللذان كانا تاريخياً يعارضان ترسيم اللغة الأمازيغية، والإبقاء على اللغة العربية كلغة رسمية وحيدة للمغرب، مبرزا أن ” الأحرار يعطي إشارة قوية، على استعداده أن يكون أداة سياسية للفعاليات الامازيغية، وذلك لتحقيق العمل السياسي، والاشتعال المؤسساتي”.