أمريكا وحقوق الإنسان بالمغرب
شجع وزير الخارجية الأمريكي بلينكن في محادثته مع وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة المغرب على إعادة تأكيد التزامه بحماية وتعزيز حقوق الإنسان والحريات الأساسية!
ماذا يعني هذا الأمر؟
يعني، بكل بساطة ووضوح، أن الإدارة الأميركية الجديدة غير راضية على وضع حقوق الإنسان في المملكة المغربية. كما يعني أن قضايا حقوق الإنسان والحريات العامة، هي الآن ضمن أولويات أجندتها الدبلوماسية في العلاقة مع المغرب، الذي اعترفت له بسيادته على الصحراء!
دعوة المغرب إلى تأكيد التزامه بحماية حقوق الإنسان له تفسير واحد في تقديري الشخصي المتواضع، وهو أن الإدارة الأميركية الحالية غير واثقة من التزام المغرب باحترام حقوق الإنسان، مما يعني أن الدولة المغربية مطالبة بتغيير مقاربتها لعدد من الملفات التي لها علاقة بهذا الموضوع، لاسيما، وأن هناك تقارير دولية صادرة عن منظمات حقوقية وطنية ودولية، بل وعن الخارجية الأمريكية نفسها، تقر بوجود تراجع حقوقي في البلاد على عدة مستويات نذكر منها:
حرية الصحافة، وحرية الرأي و التعبير، وحرية التظاهر السلمي!
إذا كانت إدارة الرئيس السابق للولايات المتحدة الأمريكية دونالد ترامب لم تعطي الأولوية للملف الحقوقي، ولم تتعامل بشكل جدي مع عدد من الانتهاكات ذات الصلة بحقوق الإنسان مثل قضية خاشقجي، فإن إدارة جو بايدن ستعمل جاهدة على إعادة الملف الحقوقي إلى الواجهة، لإضفاء مصداقية على الوعود التي أطلقها الحزب الديمقراطي خلال حملته الانتخابية التي ركزت على نقد ممارسات الإدارة الأمريكية السابقة!
من جانب آخر، يلاحظ خلال الآونة الأخيرة أنه حتى الإعلام القوي والمؤثر في مراكز القرلر بالولايات المتحدة الأمريكية، أصبح يضغط بشكل قوي على الادارة الامريكية الجديدة لإعطاء الأولوية لحقوق الإنسان، عن أي تسويات سياسية أخرى في العلاقة مع الدول التي لا تحترم حقوق الإنسان.
الواشنطن بوست في افتتاحيتها ليوم غد تقول لبايدن بأنه يجب على النظام المغربي أن يطلق سراح الريسوني والراضي قبل أي مزايا سياسية إضافية، وهذا دليل على أن قضية اعتقال الصحفيين والنشطاء في المغرب تجاوزت أسوار السجون، وأن بلاغات إدارة السجون ومرافعات وزير حقوق الإنسان ومندوبه الوزاري، ظلت موجهة للاستهلاك الداخلي فقط، ولم تغير من قناعة الولايات المتحدة الأمريكية التي تطلب اليوم من المغرب تأكيد التزامه بحقوق الإنسان!
لا نقول هذا الكلام من باب المزايدة الرخيصة على بلادنا، أو الاستقواء بالضغط الخارجي على صناع القرار فيها، لأننا من الذين يؤمنون بمفهوم السيادة الوطنية، ولكن عندما يتعلق الأمر بقضايا حقوق الإنسان، فإن الدولة ملزمة باحترام الاتفاقيات الدولية التي صادقت عليها، وأصبحت طرفا ملزما بتطبيق أحكامها، مادام أن قواعد القانون الدولي تسمو على القوانين والتشريعات الوطنية!
مند مدة طويلة والشرفاء داخل هذا الوطن، ينبهون المسؤولين في هذا إلى أن هناك تراجعات كبيرة في مجال حقوق الإنسان، وهناك انقلاب غير مفهوم على مسلسل الإنصاف والمصالحة، الذي أعطى صورة جميلة لحكم الملك محمد السادس خلال العشرية الأولى من حكمه، وأن المنطق يقتضي من العقلاء تصحيح هذا المسار الارتدادي، وإرجاع قطار البلد إلى سكته الحقيقية، بدل التماهي مع العقلية السلطوية التي ترغب في جر البلد سنوات إلى الوراء وهذا أمر غير معقول، لكن للأسف الشديد ظل التعنت سيد الموقف، وضاعت على بلادنا نقاطا كثيرة في مجال حقوق الإنسان بسبب ذلك!
ليس هناك أي مبرر لاستمرار اعتقال الصحفي سليمان الريسوني، والصحفي عمر الراضي، في ظل تمتعهما بضمانات الحضور، وفي ظل عدم وجود حالة التلبس.البراءة هي الأصل، والاعتقال الاحتياطي هو الاستثناء.
بالأمس فقط، خرج مندوب إدارة السجون يتحدث بمناسبة الذكرى 13 لتأسيس مندوبية السجون، عن ضرورة ترشيد الاعتقال الاحتياطي، وهي رسالة واضحة للقضاء، وفي نفس الوقت إشارة دالة على أن هناك ضغط حقوقي قوي أعطى ثماره!
أطلقوا سراح المعتقلين واعلموا أن الوطن فوق الجميع، وأكبر من الجميع، وأغلى من كل شيء!