بعد تمرير القاسم الانتخابي.. بنعبدالله: المحكمة الدستورية استقالت من وظيفتها
على خلفية قرار المحكمة الدستورية رقم 21/118، الصادر يوم الـ7 من أبريل الجاري، والذي اعتبرت ضمنه أن “القاسم الانتخابي الجديد” غير مخالف للدستور وأنها لا تتدخل في تقديرات المشرع، قال محمد أمين بنعبدالله، أستاذ متخصص في القانونين الدستوري والإداري، إن المحكمة الدستورية “استقالت من وظيفتها المتمثلة في عملية الضبط المخولة للقاضي الدستوري”.
وأضاف بنعبد الله، في مقال حول الموضوع، أن المحكمة الدستورية، أصبحت بمقتضى قرارها، قد “استدارت ظهرها وغيبت مراقبة النسبية الواجب عليها فحصها تفاديا لكل غلو أو شطط في استعمال السلطة التشريعية”.
ويرى الخبير في القانون الدستوري، أن المحكمة المذكورة “كان عليها أن تلزم نفسها بتعليل وتبيان الأساس القانوني لاختيار قاسم انتخابي يحتسب على أساس قاعدة عدد المقيدين في اللوائح الانتخابية، ثم بعد ذلك التصريح بكون هذا الاختيار يمكن قبوله إعمالا لروح الدستور مادام لا يشوبه خطأ بين في التقدير”.
وأبرز أن هذه التقنية “مألوفة في الرقابة القضائية سواء في مجال القانون الإداري أو القانون الدستوري، وتسمح لمستعملها التذكير بحضوره لكي لا يكون هناك تجاوز لا يستساغ مستقبلا”.
وأوضح الخبير في المقال ذاته، أن ذلك يُمكّن من “تفادي تقديم شيك على بياض للمشرع من أجل اختيار ما يرغب فيه دون قيود”.
يُذكر أن القاسم الانتخابي الجديد، والذي جاء به القانون التنظيمي رقم 04.21 المعدّل للقانون التنظيمي رقم 27.11 المتعلق بمجلس النواب، كان قد أثار رفضا واسعاً من قبل المتتبعين للشأن العام، معتبرين إياه يمس بجوهر “الاختيار الديمقراطي” الذي يعتبره الدستور ثابتا من ثوابت المملكة.
روح الدستور
وأبرز محمد أمين بنعبدالله، وهو عضو سابق بالمجلس الدستوري (المحكمة الدستورية حاليا)، أنه بالإضافة إلى فصول الدستور، هناك أيضا روح الدستور، ومنها هنا شدّد على أنه “لا يجوز مراقبة نص قانوني فقط في ضوء ما هو منصوص عليه صراحة”.
واسترسل: “وإنما أيضا مع استحضار عملية التقدير المفروض استعمالها من طرف القاضي الدستوري، ذلك أن الرقابة على الدستورية لا تسمح بالتخلي من طرف ممارسيها عن صلاحياتهم، وإنما توجب عليهم دائما إبراز حضورهم من خلال مراقبة السلطة التقديرية للمشرع وتحديد حدوده الدستورية”.
“قاسم” آخر !
ونبّه الخبير الدستوري، إلى أن المنهجية المعتمدة في هذا الموضوع، والتي تغيبت فيه المحكمة الدستورية، من شأنها أن تفتح المجال أمام المشرع لاعتماد أي قاسم انتخابي آخر.
وأبرز أن القرار يفتح المجال على “اعتماد، ولمَ لا، عدد سكان الدائرة الانتخابية المعنية، وليس فقط عدد المسجلين !”.
وأضاف أن هذا، “قد يبدو تصورا مستحيلا وفي منتهى الغرابة، إلا أنه، مع الأسف، بفضل تعليل المحكمة الدستورية الوارد في قرارها، يمكن تصوره و قبوله !”.
تصور الممكن
وفي هذا السيّاق، قال: “لنتصور ما هو ممكن ! كلنا نعلم أن التسجيل في الوقت الحاضر، في اللوائح الانتخابية، عمل إرادي، ويمكنه في المستقبل أن يصير مفروضا وتلقائيا بالنسبة لكل شخص يبلغ سن الرشد القانوني، أي أن الإدارة نفسها هي التي ستتولى تسجيل الراشدين دون أن رغبة منهم، وفي هذه الحالة الأخيرة فإن تعليل المحكمة الدستورية سيصبح غير قابل للتطبيق، لأنه لم يتحرى في ذلك الدقة اللازمة المفروضة في كل منهج قانوني سليم: لا يجب تجاهل المستقبل ! “.
وأوضح أن “غيّاب رقابة المحكمة سيسمح للمشرع مستقبلا، باستعمال الشطط في ممارسة سلطته التقديرية التي ستصبح محصنة من أي رقابة؛ لقد صرح القاضي الدستوري أن لا رقابة له على السلطة التقديرية للمشرع ولم يعبد البتة الطريق بالإشارة إلى أنه لم يقبل النمط إلا لكونه غير مشوب بخطأ بين في التقدير”.
القرار والطعن
وختم مقاله، المعنون بـ”المحكمة الدستورية والقاسم الانتخابي: نعم…ولكن !“، بالقول: و”لئن كان على كل المغاربة إلا الانحناء لحجية الشيء المقضي به لقرار المحكمة الدستورية فيما يخص القاسم الانتخابي، فإننا في نفس الآن نتأسف لهذا القرار الذي خول المشرع حق إقرار أي مقتضى على هواه، بعيدا عن تقنيات المراقبة المعتمدة عالميا، فليس هناك أسوء من أن يتخلى المراقب عن مهمته الرقابية”.