حينما ينقلب السحر على الساحر
لماذا اختارت الدولة آلية التعاقد، ولم ترتكز على قانون الوظيفة العمومية؟
في تشغيل، مصطلح “توظيف” لم يعد مناسبا الآن، نقول لتشغيل أساتذة اليوم والغد، أساتذة المدرسة العمومية؟ ألا يبدو الأمر فيه الكثير من الإلتباس أن تستعين الدولة بمقتضيات قانون الشغل لتأطير مجال حيوي ينتمي للقطاع العام؟ لهذا السبب تحديد، أي أن الدولة ذاهبة بخطى متأنية في نزع الصفة العمومية عن التعليم “العمومي”.
أعتقد أن الدولة لم تتخلى عن مشروعها القديم في تحويل المدارس العمومية إلى مدارس خصوصية، لا ندري الآن ما هي الصيغة، لكن الفكرة مازالت قائمة، وقد شرع في تنزيلها منذ مدة عبر تفويت استصلاح واستثمار المنشآت الرياضية المدرسية لصالح المستثمر الخصوصي، ثم في مرحلة ثانية تفويت استصلاح بعض الحجرات للمقاولين قصد تحويلها لأقسام نموذجية مؤدى عنها، أي أحداث تعليم خصوصي في قلب التعليم العمومي، وذلك داخل بعض المدارس، قبل أن تعمم التجربة وتتوسع لتشمل مدارس أخرى على المدى البعيد سيتقلص التعليم العمومي في حدوده الدنيا، ولن يختفي، إذ سيظل ببعض الأحياء الحساسة “quartiers sensibles”، التي تعاني نسبة كبيرة من الفقر والاقصاء.
وقبل الوصول لهذه المرحلة، ينبغي شغل إطار التوظيف الذي يؤطر عمل الأستاذ أقرب إلى القطاع الخاص، منه إلى القطاع العام. الدولة أخطأت في تدبير ملف الأساتذة المتعاقدين، تسرعت ولم تنهج مبدأ التدرج كعادتها، واعتمدت “التوظيفات” الكثيفة (recrutement de masse)، دون أن تضع في اعتبارها أن يتحد هؤلاء ليشكلون قوة ضاغطة عليها؛ حاليا 100 ألف متعاقد هي قوة بشرية قادرة أن تسقط الحكومة، وأن تغير من شكل الخريطة الانتخابية المقبلة، والتي يجري تفصيلها مسبقا بطرق علمية. 100 ألف متعاقد هو حاليا أقوى تنظيم في المغرب عدديا، فلن نجد أي حزب سياسي في المغرب يصل عدد منخرطيه إلى هذا الرقم.
إن نضال الأساتذة المتعاقدين اليوم، هو من أجل أن تظل المدرسة عمومية غدا، وإن كنت لا أتفق مع جميع مضامين ملفهم المطلبي.