ملاحظات العدالة والتنمية على مشروع المسطرة الجنائية: نريد نصا يليق بالمغرب والمغاربة

قال نائب رئيس المجموعة النيابية للعدالة والتنمية بمجلس النواب، عبد الصمد حيكر، إن لجنة العدل والتشريع بمجلس النواب قدمت مجموعة من الملاحظات للحكومة بشأن مشروع المسطرة الجنائية، ومنها ملاحظات المجموعة النيابية، معبرا عن أمله في أن تتجاوب الحكومة مع التعديلات، بمنطق أننا لا نشرع للأغلبية والمعارضة أو الأكثرية والأقلية، وإنما نضع تشريعا لجميع المغاربة في الحاضر والمستقبل.
وأضاف حيكر في تصريح نقله موقع العدالة والتنمية نحن نتطلع إلى تشريع جنائي يليق بالمغرب والمغاربة، وينضبط لنص الدستور وروحه، ويحترم التوصيات الوجيهة لهيئة الانصاف والمصالحة، ويحترم التزامات المغرب على مستوى الاتفاقيات الدولية التي صادق عليها ووقعها، ويقدم نموذجَ تشريعٍ جنائي متقدم في مجال توفير أدوات قانونية لمكافحة الجريمة دون الاخلال بضمانات المحاكمة العادلة.
واسترسل، نُقدم على هذا وبلادنا تستعد لتنظيم استحقاقات دولية فضلا عن تحديات عديدة أخرى، غير أن وضع تشريع عصري ومتقدم لا يكون ضرورة مشروطا بالانسلاخ من الهوية الحضارية والثقافية والتاريخية، كما تم تأكيدها وترسيخها على مستوى الدستور؛ إذ تنص ديباجته على أن الهوية الوطنية تتميز بتعدد وتنوع وغنى روافدها ومقوماتها؛ كما تتميز بتبوء الدين الإسلامي مكانة الصدارة فيها؛ بل قبل ذلك تؤكد الديباجة ذاته على أم المملكة المغربية دولة إسلامية وذات سيادة كاملة…
المحاكمة العادلة
قال حيكر إنه خلال النقاش برزت العديد من القضايا الأساسية، مما لا تمكن الإحاطة به في هذا المقام؛ وعلى رأسها تعزيز حقوق الدفاع في إطار ضمان وتعزيز المحاكمة العادلة، وأيضا تفاصيل تنظم عمليات الاستماع للمشتبه فيه، والحرص على التوازن ما بين قضاء التحقيق والنيابة العامة، وضمان استقلال هيئة الحكم لكي ترى التكييف المناسب، مما يستدعي المحافظة لها على استقلاليتها وعلى سلطتها التقديرية دون غلها إلا بمقتضى القانون، وقضايا أخرى تتعلق بترشيد تدابير الحراسة النظرية والاعتقال الاحتياطي، بما يصون كرامة الانسان، ويحترم قرينة البراءة.
وفي هذا الصدد، قال حيكر إنه تم تخصيص نقاش هام للجوء إلى التصنت واستعمال المعطيات التقنية والتكنولوجية، وطرحنا إشكالية كيفية تحقيق التوازن بين اللجوء إلى هذه الوسائل لمكافحة الجريمة والافلات من العقاب، وأيضا في نفس الوقت الحفاظ على خصوصية الناس.
واسترسل، ولضمان المحاكمة العادلة دافعنا على حضور الدفاع، سواء أكان تم اختيارهم من المشتبه به أو في إطار المساعدة القضائية، وأن يضمن حقهم في الحضور قبل الشروع في عملية الاستنطاق، مما يمكن المشتبه فيه من التعرف على الإجراءات القانونية التي يجب أن يعتمدها والتصرف في ضوئها، وهو ما يعزز الثقة في محاضر الضابطة القضائية، ويعطي مصداقية لما يسمى بالأدلة المستمدة من عمليات الاستنطاق والاستماع، ويقلص الطعون في هذه المحاضر.
وأردف حيكر، ولقد أكدنا أن مرحلة البحث التمهيدي، هي أخطر مرحلة وأهمها، لأنها توجه المراحل التي تأتي من بعد، ولذلك كلما تم توفير ضمانات حقوق المشتبه بهم، كلما تم تقليص هامش الخطأ في البت في القضايا التي على أساسها تمت متابعتهم.
والأمر الثاني وهو يرتبط أيضا بعملية الاستماع إلى المشتبه بهم في إطار البحث التمهيدي، وتتعلق بالتسجيل السمعي البصري، يتابع المتحدث ذاته، مشيرا إلى أن المشروع سجل تراجعا بالمقارنة مع المسودة التي تم إعدادها خلال فترة وزير العدل الأسبق المصطفى الرميد.
وأوضح، حيث كانت المسودة السابقة تشمل جميع الجنايات وعدد من الجنح، كما تهم كافة المستمع إليهم؛ غير أن المشروع الذي أحالته الحكومة على البرلمان؛ يقصر الأمر على الجنايات وعلى نوع من الجنح، كما أضاف المشروع تقييدا ثانيا بأن قصر الأمر على يكون المشتبه به حدثا أو من ذوي الإعاقة، وهذه قيود جديدة، ولذلك قلنا إن التسجيل السمعي البصري معمول بها في العالم كله، ولا يتطلب مجهودا كبيرا يستحيل معه توسيع نطاق اعتماده، معتبرا أن التحجج بالكلفة والوقت غير متماسك، لأنه يمكن التدرج في تنزيل هذه التعديلات وفق أجندة أو أجل معين بناء على تقدير الحكومة بشأن تعميم هذه التجهيزات.
- إشهار -
وأضاف حيكر أن موضوع التسجيل السمعي البصري شهد تقييدا/ مهزلة إضافة، حيث إنه بالإضافة إلى القيدين المشار إليهما؛ جعله المشروع يتعلق فقط في لحظة قراءة تصريحات المستمع إليه والمحضر الذي تحرره الضابطة القضائية والتوقيع عليه، مشيرا إلى أن التسجيل السمعي البصري يجب أن نلجأ إليه للتأكد والتثبت من أن الاستنطاق والاستماع إلى المشتبه فيه كان في ظروف ليس فيه اختلال أو تعذيب أو ضغوط أو ابتزاز، وبالتالي فهو يوثق ظروف الاستنطاق، منبها إلى تسجيل التوقيع لا يفي بالمطلوب وسيجعلنا أضحوكة.
التجنيح
وبخصوص ما يسمى بالتجنيح، قال حيكر إن المشروع أعطى سلطة للنيابة العامة بالنسبة لبعض الجرائم البسيطة التي تقترن بظرف من ظروف التشديد، يجعلها تنتقل من جنح إلى جناية، علما أن الاقتران يكون في عدد من الأحوال يكون من دون قصد جرمي مسبق، حيث أعطى المشروع الصلاحية للنيابة العامة؛ كلما تعلق الأمر بجرائم يكون الضرر الناجم عنها محدودا، أو كانت قيمة الحق المعتدى عليه بسيطا؛ أن تقوم بإعادة تكييف الفعل الجرمي على أنه جنحة ولي جناية؛ وهذا أمر إيجابي من حيث المبدأ؛ غير أن النص يحمل إشكالين في هذا المستوى، الأول نصه أن التكييف يتم إن كان القانون يسمح بوصف الفعل الجرمي المعني بأنه جنحة، وهذا ينسف مبدأ التجنيح من الأصل، ويمنع تطبيق هذا المقتضى من الناحية العملية، والإشكال الثاني، نص المشروع على ضرورة تقيد المحكمة التي تحال عليها القضية بمناقشتها وفق الوصف المحدد في المتابعة؛ مما يعتبر وسيلة لغل يد المحكمة، رغم أنها هي صاحبة القرار النهائي، ويمس باستقلالية القضاء في العمق؛ بالنظر إلى أن النيابة العامة طرف في الخصومة.
المعطيات الشخصية
وتوقف نائب رئيس المجموعة عند تدقيقات تتعلق بالمعطيات الشخصية، وخاصة بصمات الجينية والبيولوجية، والتي قد يلجأ إلى أخذها في أحوال معنية، حيث سجلنا أن في الأمر انتهاك لخصوصيات الناس، خاصة في حالات لا يتطلب الأمر اللجوء إلى هذه البصمات، ومن ذلك مثلا، حينما يتعلق الأمر بالتحقق من الهوية، والتي يمكن فيها الاكتفاء ببصمات الأصابع.
وقال، المشروع يتحدث عن أخذ البصمات الجينية في المرحلة التي تتطلب التحقق من الهوية، وأنه يتم الاحتفاظ بها، معتبرا أنه ينبغي اتلافها وعدم الاحتفاظ بها بمجرد الانتهاء من التحقق، فضلا عن إشكالات أخرى مطروحة تهم الجهة التي ستقوم بهذا التحقق، وضمانات القيام به وعدم استغلاله واستعماله لأغراض غير تلك التي أخذت لأجلها..
وخلص حيكر إلى أن المجموعة النيابية ستقدم تعديلاتها على مشروع تعديل المسطرة الجنائية بما ينسجم مع وجهة النظر التي طرح أعضاؤها في مختلف القضايا خلال النقاش، وبما يترجم رغبتنا في تشريع جنائي عصري ومتطور وحديث؛ يحق أكبر قدر من التوازن بين النجاعة في مكافحة الجريمة؛ وبين توفير أقصى قدر من ضمانات المحاكمة العادلة؛ وبما ينسجم مع مستجدات الدستور وأحكامه؛ وبما لا يتعارض مع هوية الأمة المغربية.
المصدر: موقع جزب العدالة والتنمية.