القضية ليست المهدوي.. بل مستقبل الصحافة: تناقض الحر والعبد


في صراع الحق والظلم، يظل الصوت حرًا مهما مَرَّ من ظلمٍ أو قيدٍ، وبين صرخات النخبة، أرى العيون التي تتوق إلى الشمس، وتناجي الحلم باغتنام الفرص. كطائرٍ يحلق في سماء لا تعرف حدودًا، تنطلق الكلمات كأنها رسائل إلى الأفق البعيد، تحمل في طياتها عذابات الناس وآمالهم. في الآونة الأخيرة، شهدت الساحة الإعلامية مواجهة جديدة تعكس واقعًا أكثر عمقًا من القضية الفردية للصحافي ومدير نشر صحيفة “بديل” الإلكترونية، حميد المهدوي، والذي يواجه الطرف الآخر المتمثل برئيس اللجنة المؤقتة لتسيير شؤون المجلس الوطني للصحافة، يونس مجاهد. تتجلى هذه المواجهة صورة واضحة لتناقض صارخ بين مفهوم الحرية، الذي يمثله الصوت المتمرد، ومفهوم العبودية الذي يحاول إذلال الإنسانية عبر إسكات الأصوات المستقلة.

 

    يمكنكم الاشتراك في نشرتنا البريدية للتوصل بملخصات يومية حول المقالات المنشورة على الموقع

    الاشتراك في النشرة البريدية

    بعد أن نشر مجاهد مقالًا يدافع فيه عن الشرف في المهنة، اتضح أن المهدوي يتعرض لمتابعات إضافية، مما يجسد استمرارية الضغوط من القوى التي تسعى لتحجيم حرية التعبير. إن ما يتعرض له المهدوي منذ أكثر من عام يُمثل رمزية أكبر، هي صراع حول حرية الصحافة كحق أساسي، وكبوابة نحو الديمقراطية والتغيير. فعليه، يبدأ المشهد ليعكس قيام آمال حقيقية ودعوات مغلقة للشجاعة في مواجهة الظلم.

     

    رغم اختلاف الآراء حول أسلوبه، يبقى المهدوي ظاهرة تُسَلّط الأضواء على أزمة الإعلام في المغرب، حيث انحصرت المساحات الإعلامية على أصوات مُحددة تعبر عن مصالح معينة. في مناخ تسوده الضغوط الاقتصادية والسياسية، أثبت المهدوي أنه يمكن للحرية أن تُولد من رحم المعاناة. مباشرة بعد استعادة حريته عقب سنوات من السجن، استمر في مجابهة القيود المفروضة، مما أظهر التناقض بين “الحر” الذي يسعى للتعبير عن نفسه و”العبد” الذي يسكن في دوامة الصمت والخوف.

     

    أصبح المهدوي صوتًا يعكس صرخات الشعب واحتياجاته، بينما يفضل الإعلام الرسمي تجاهل الغضب الشعبي. تُظهر محاولة قمع هذا الصوت أن هناك حربًا أوسع ضد حرية التعبير، وقد دافعت الفلسفة عبر العصور عن صوت الحق، معتبرة أن كرامة الإنسان ومبادئ الحرية هي سبل النور في وجه الظلام. إن الفلاسفة مثل هيغل وجون لوك اعتبروا أن الحق في التعبير هو أهم حقوق الإنسان، وأكدوا أن الكلمة هي سلاح يجب أن يُستخدم في محاربة الجهل والظلم.

     

    إن ما يحدث مع المهدوي يُظهر بوضوح حربًا أعمق بين حرية التعبير وقيود السلطة. فحرية الصحافة تُعتبر شجرة لا يمكن أن تنمو بدون دور كبير من الديمقراطية. في لحظة تاريخية، وذلك الخوف الذي يتحكم في بعض الأصوات، قد يؤثر على قانون فقدان الحرية، حيث تُجمد الأفواه في مهب الريح. دعونا نتأمل في قول شاعر:

    “كلمات في صدري أبت أن تصمت،

    - إشهار -

    ومثل العشب ينمو رغم العواصف،

    إن سلبت حريتي، لا تسلبوا أصواتي.”

     

    عندما قرر المهدوي تجاوز الحدود المفروضة، أصبح مستهدفًا من تلك القوى الساعية لجعل الصحافة مجرد “عبد” خاضع، ممّا يجسد الهجوم على جميع الأصوات المستقلة. إذا استمر التضييق على تلك الأصوات، ستنجح القوى في تحويل الصحافة إلى “عبد” يساوم على حريته بدلاً من أن تكون صوتًا يعبر عن قضايا المجتمع.

     

    يجب على الجميع أن يتضامنوا للحفاظ على تلك الحرية، ليس من أجل المهدوي وحده، ولكن من أجل مستقبل الإعلام في المغرب. حرية التعبير تُعتبر المدخل الأساسي لبناء مجتمع ديمقراطي، ولإعادة تشكيل مشهد إعلامي يُعزز من شأن الأصوات. إن ما يحدث اليوم يعد بمثابة اختبار لمدى قوة القدرة على تجاوز هذه التحديات. هل سنقبل بأن تكون الصحافة مجرد “عبد” تحت سيطرة السلطة، أم سنسعى جميعًا من أجل حرية حقيقية تُعبر عن نبض المجتمع وتفتح الأفق أمام النقاش العمومي؟ إن مستقبل الصحافة يعتمد على الإجابة عن هذه الأسئلة، فالفلسفة تدعو دائمًا للاحتفال بالحق، مما يجعلها أقوى من أي نص، حتى تلك النصوص المقدسة، في تثبيت معاني الحرية ودعوة الناس للتمسك بحقهم في التعبير.

    أعجبتك المقالة؟ شاركها على منصتك المفضلة
    قد يعجبك ايضا
    اترك رد

    لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

    يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد