من يحاسب من؟ هدر المال العام بين دعم المواشي وفساد المحروقات!

الفساد والاستفادة غير العادلة من الموارد العامة أصبحت ظاهرة واسعة الانتشار في مختلف المجالات، بدءًا من أعلى المراتب الحكومية والإدارية وصولًا إلى المستويات الأدنى. هذه الممارسات تُهدر المليارات من الأموال العامة دون أن تُترجم إلى فوائد حقيقية للمواطنين أو تحسينات ملموسة في الخدمات والقطاعات الحيوية.
فعلى سبيل المثال، برنامج دعم استيراد المواشي، الذي كان من المفترض أن يُسهم في استقرار أسعار اللحوم وتوفيرها بأسعار معقولة، تحوَّل إلى وسيلة لتمويل مجموعة صغيرة من المستفيدين. فقد استفاد من هذا البرنامج 18 شخصًا فقط، حيث تم تخصيص مبلغ هائل وصل إلى 1300 مليار سنتيم، بمتوسط 73 مليار سنتيم لكل فرد. ومع ذلك، لم يُلاحظ أي انخفاض في أسعار اللحوم في الأسواق، مما يعني أن الهدف الأساسي من هذا الدعم لم يتحقق. التأثير الوحيد كان زيادة الأرصدة البنكية لهؤلاء الأفراد، الذين استفادوا بشكل شخصي من أموال عامة كان من الممكن أن تُوجَّه لخدمة الصالح العام.
وفي قطاع المحروقات، تُظهر الأرقام صورة أخرى للهدر والفساد. منذ تحرير أسعار المحروقات وحتى عام 2024، تم استنزاف أكثر من 80 مليار درهم (ما يعادل 8000 مليار سنتيم) من خلال آليات غير واضحة، استفادت منها جهات محددة دون أن تعكس هذه الاستفادة أي تحسن في جودة الخدمات أو انخفاض في الأسعار للمستهلكين. بل على العكس، ظل المواطنون يتحملون أعباء الأسعار المرتفعة، بينما استمرت بعض الجهات في جني الأرباح على حساب المال العام.
ولا يقتصر الفساد على هذه القطاعات فقط، بل يمتد ليشمل الصفقات العمومية والإدارة العامة، حيث تُهدر سنويًا حوالي 50 مليار درهم (5000 مليار سنتيم) بسبب سوء الإدارة والرشوة والمحسوبية. هذه الأموال، التي كان من الممكن أن تُستثمر في مشاريع تنموية أو تحسين البنية التحتية، تذهب بدلًا من ذلك إلى جيوب فئة قليلة تستفيد من الثغرات في النظام.
- إشهار -
كما أن الإعفاءات الضريبية تشكل جانبًا آخر من جوانب الاستفادة غير العادلة، حيث تصل قيمتها إلى أكثر من 32 مليار درهم سنويًا. الجزء الأكبر من هذه الإعفاءات يذهب إلى كيانات رأسمالية ريعية، تعتمد على الريع والامتيازات دون أن تُسهم بشكل فعلي في تنمية الاقتصاد أو خلق فرص عمل. هذه الكيانات، التي تُوصف غالبًا بـ”الطفيليات الاقتصادية”، تعتمد على العلاقات والامتيازات الخاصة بدلًا من المنافسة العادلة والإنتاجية.
هذه الأرقام والممارسات تُظهر حجم الهدر الكبير للمال العام، وتُثير تساؤلات جدية حول دور الحكومة وأجهزة الدولة في مراقبة هذه العمليات ومحاسبة المتورطين. الوضع الحالي يؤكد الحاجة الملحة إلى إصلاحات جذرية تعتمد على الشفافية والمحاسبة، وبناء نظام ديمقراطي حقيقي يربط بين المسؤولية والمحاسبة. فبدون ذلك، سيستمر هدر الموارد وستبقى الفجوة بين الطبقات تتسع، مما يُهدد الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي على المدى الطويل.