الفتحاوي في رسالة قوية لأخنوش: ليس هكذا تُورَد الإبل يا رئيس الحكومة
“انتي السيدة من اكادير ما فيها باسْ الا سْوْتلي على شْكون هو حْماد أُولحاح / يِمْكْن مَا كا تْعْرفيش الناس دْيال أكادير مْزيان”، تصفيقٌ حار من فريق حزبه.
هكذا خاطبتموني السيد رئيس الحكومة تعقيبا على مداخلة ألقيتها في إطار جلسة عمومية للأسئلة الشفهية الشهرية الموجهة له من فرق ومجموعة العدالة والتنمية بمجلس النواب، يوم الاثنين 16 دجنبر 2024.
قبلها توجهتم إلي مخاطِبا وقلتم بأنني أدعي أنكم “كتْعْطيو الماء لْلِّي لاباس عليه”، فأجبتني: “راه كانْعْطيو للمغاربة كولهوم!”. أنا لم أقل ذلك في مدخلتي ولم أشر إليه حتى. وهذا دليل أنكم لا تُنصتون جيدا لمداخلات للنائبات والنواب أو أنكم تؤولون كلامهم.
السؤال هو: ما هو سبب إقحام حماد أولحاج رحمه الله في التعقيب؟ وما علاقته بموضوع المساءلة الشهرية؟
وما علاقة حماد اولحاج بالبنيات الأساسية؟
وهل نحن نستدعي رئيس الحكومة للإجابة على أسئلة النائبات والنواب المحترمين؛ التي هي عموما أسئلة الشارع المغربي، أم ليحدثنا عن والده وعن لوم من لا يعرفه؟
ولماذا خاطبتَ نائبة برلمانية “انْتِي السّْيدة من اكادير”؟! هكذا مجردا من الاحترام! ألا تعلم أن تعبير “السيد(ة) النائب(ة) المحترم(ة)” يُستخدم في مجلس النواب كنوع من التقدير والاحترام، يُظهر الاحترام المتبادل بين الأعضاء فيما بينهم وبينهم وبين أعضاء الحكومة. وهو يعكس تقاليد سياسية متبعة في العديد من الدول، حيث يتم التعامل مع النائبات النواب بصفة رسمية تبرز مكانتهم التمثيلة. واستخدام كلمة “المحترم” يعكس القيم الثقافية والسياسية التي تحترم المناصب العامة وتؤكد على أهمية الدور الذي يلعبه النائبات والنواب في تمثيل الشعب وممارسة السلطة التشريعية.
ثم كيف غاب عنك أنني خاطبتك طيلة مداخلتي بـ “رئيس الحكومة المحترم”؟ صفة غير مجردة من التقدير.
أسئلة أطرحها ويطرحها معي بقية النائبات والنواب المتابعون لوقائع الجلسة الشهرية؛ التي بالكاد تحضرونها رغم إلزاميتها الدستورية. لكن ليس هذا هو موضوعنا.
اتهمتموني السيد رئيس الحكومة بأني “لا أعرف الناس في أكادير”.
اسمحوا لي السيد رئيس الحكومة المحترم أن أُعَرِّفكم بنفسي، فأنا أعلم أن غيابكم المتواصل لا يتيح لكم أن تتعرفوا على الأعضاء الذين يتواجدون معكم في مجلس الجماعة التي تسيرونها.
أنا ابنة مقاوم سوسي قاوم الاستعمار في هذه المدينة وفي نواحي أخرى من الوطن، تخرج على يديه طلاب كثيرون من طلبة العِلم. سُجن بسبب مقاومته للاستعمار ونُفِي. كما أُخبرك أنني انتُخبت سنة 2015 عضوا بجماعة أكادير التي تُسيرها اليوم عن بعد، وتقلدتُ فيها مهمة نائب الرئيس مفوضة في الشؤون الثقافية خلال ست سنوات عرفت فيها المدينة قفزة نوعية في المجال الثقافي، والجميع شاهد على ذلك.
اشتغلتُ مع الجميع وبدون تمييز وفي انسجام، من أجل تنمية مدينتي الحبيبة، وبشكل يومي وبحضور مستمر والجميع شاهد على ذلك. وأنجزت الشيء الكثير رفقة الفريق الذي كنت أدبر معه شؤون المدينة/ الجماعة، وأنت تعلم أنه أعيد انتخابي عضوا فيها سنة 2021.
كما أني كنت عضوا في الكتابة الإقليمية بأكادير للهيئة السياسية التي أتشرف بتمثيلها، وكنت أيضا عضوا بكتابتها الجهوية ومنسقة جهوية لنسائها. ورئيسة وعضوا في عدة جمعيات فيها وفي الجهة، ثم جئتم اليوم لتتهموني بأنني لا أعرف الناس فيها!
تخرجَتْ على يدي أجيال درستها بتفان ومحبة ونكران ذات. إذا كنت- أنا الحاضرة الفاعلة المتفاعلة بغير تمييز مع كل الساكنة ومع السلطات العمومية والمصالح الخارجية والمجتمع المدني ومع مثقفي المدينة- لا أعرف الناس في أكادير فماذا سنقول عنك أنت الذي تقلدت مسؤولية تدبير ذات المدينة وتسييرها وأنت الغائب على طول (بلسان إخواننا المصريين) !
وأذَكركم كذلك، أنني انتُخبت نائبة عن اللائحة الجهوية لسوس ماسة؛ الجهة التي عشت في جل أقاليمها وخبرت بنياتها وثقافتها وتنوعها السكاني وعشقت سماها، وصعدت جبالها وجُلت سهولها، تم استقررت في مركزها “أكاديرينو”، وأعرف الناس فيها ويعرفونني؛ لكنهم يعرفونني حاضرةً عن قرب وليس عن بعد، قريبةً منها ومن مشاكلها ومتفاعلة مع هموم الناس فيها، أشاركهم أفراحهم وأحزانهم وأبحث معهم عن الحلول.
السيد رئيس الحكومة المحترم، هل تقصد أن من لا يعرف حماد أولحاج لا يعرف أحدا؟ ومتى كان حماد أولحاج أو غيره معيارا لمعرفة الناس أو جهلهم؟ ومن جعل منه كذلك؟
إن البرلمان مؤسسة حَدد لها الدستور أدوارها، ووَضع النظام الداخلي حدودا وضوابط لعمله، فلماذا أقحمتم فيه الأنساب؟! وما المراد من ذلك؟
لقد احتكرتم الغاز والأوكسجين والعقار والماء والتجارة، قلنا لا بأس! لكن كيف تريد أن تحتكر أيضا معرفة الناس في أكادير مدينتي ومدينة أقاربي ومبعث فخري؟ المدينة التي أعتز بالانتماء إليها. كيف تجعل من شخصٍ ما مهْما كان دليلا على المعرفة بالمدينة وناسها؟!
السيد رئيس الحكومة المحترم، كانت مداخلتي عبارة عن أسئلة مشروعة حول سلوك الحكومة التي تترأسونها وعن الاختلالات التي من حقي بصفتي النيابية التي أَستمِدها من الأمة أن أنبهكم الى خطورتها.
سألتُكم عن البنية التحتية للغاز الطبيعي، التي تمررون عقد امتياز بعد إعفاء ضريبي يؤسس لشراكة ذات طابع احتكاري لبيع وتوزيع غاز “تندرارة” تمتد لعقود طويلة الأمد لفائدة مجموعتكم الاستثمارية.
وسألتكم عن إصداركم منشورا لتفعيل “عرض المغرب” من أجل تطوير البنيات التحتية لقطاع الهيدروجين الأخضر رغم تنبيه السيد والي بنك المغرب لصعوبة الاستثمار في هذا القطاع خاصة في غياب رؤية متكاملة للحكومة من أجل توفير الموارد البشرية الكفؤة والموارد المالية الكبيرة لإنجاحه.
وقلتُ بأنكم تتحدثون عن تطوير البنيات الصحية العمومية في إطار ورش الحماية وأنتم تبيعون المستشفيات العمومية وكليات الطب خارج أي إطار قانوني وفي غياب الشفافية المطلوبة في تدبير العقارات والمرافق العمومية، وتشجعون بسياستكم قطاعا صحيا رأسماليا ريعيا. وأنكم تتحدثون عن التوزيع العادل للبنيات التحتية وأنتم لا تملكون أي رؤية بخصوص مواصلة برنامج الحد من الفوارق المجالية والاجتماعية الذي انتهى أجله، ومازال العجز قائما وواقع الحال يؤكد الخصاص في مجموعة من الأقاليم. وأنكم تتحدثون عن تطوير البنيات التحتية وضحايا زلزال الحوز مازالوا يعانون في ظل موجات البرد القارس وينتظرون وفاء الحكومة بالتزاماتها لتأهيل البنيات التحتية المتضررة من الزلزال، وإعادة تأهيل الطرق والبنيات الأساسية التي تضررت بفعل الزلزال وتنفيذ برنامج 120 مليار الذي أعلنتم عنه.
وقد ذكرتكم بأن مؤشر ICOR أعطى للمغرب 9,4 مما يدل على أن المشكل ليس في المبالغ المرصودة للاستثمار 340 مليار ولكن المشكل في الحكامةِ وفي وقْعِ هذه الاستثمارات على سوق الشغل والتنمية الدينامية الاقتصادية.. وهذا ما حصل عند دول قريبة منا ولم يحصل عندنا!
وقلتُ لكم بأنكم اخترتم شعارا كبيرا “الدولة الاجتماعية” فعليكم أن تبرهنوا للمغاربة عن صدق نيتكم بالقطع مع منظومة الريع والاحتكار والفساد لضمان انخراط المغرب في مسار الإقلاع الاقتصادي والعدالة الاجتماعية، ومحاربة الاحتكار وفسح المجال لكل المقاولات المغربية الكبرى والمتوسطة والصغرى للاستفادة بعدالة وتنافسية من الصفقات العمومية والفرص الاستثمارية المتاحة. وهنا أذكركم بقولة ابن خلدون: “الجمع بين السلطة والتجارة يؤدي غالبًا إلى الفساد نظرًا لأن الجاه مفيد للمال وبذلك فإن الجمع بين السلطة والتجارة يعني إمكان الكسب غير المبرر”.
هل هذه الأسئلة التي طرحتها، والتي يطرحها الشارع بطريقة أكثر حدة، هل هي التي استفزتكم وأدَّت بكم الى فقدان صوابكم الى درجة التفاخر بالآباء في قبة مجلس النواب كأننا في سوق عكاظ زمن الجاهلية!
كيف فاتَكم أن مِن أدوار مجلس النواب، والبرلمان عموما مراقبة الحكومة؛ حيث يجب على الحكومة تقديم تقارير دورية عن أنشطتها، وكذا تقييم السياسات العامة التي تتبناها الحكومة، مما يساعد في تحسين أدائها وضمان تحقيق الأهداف التنموية؛ وهو دور أساسي لضمان فعالية النظام الديمقراطي في البلاد وتعزيز المساءلة والشفافية في عمل الحكومة. وهو الإطار الذي خاطبتكم فيه، دون أن أتلقى منكم جوابا عليها. ولم يَصدر مني أي تجاوز أو قلة احترام حتى تواجهوني مثلَ ما فعلتم.
لم يكن ردُّكم على المستشارة الجماعية أقل سوءً خلال أشغال دورة مجلس جماعة أكادير يوم 7 أكتوبر 2024، حين خاطبتموها بقولكم “إن السياسة لا تمارَس في المجلس المذكور وإنما بِين “لي سينيور”، وذلك عندما سلطت الضوء على مكامن الخلل وأعطاب الميزانية التي قدمتموها؛ والتي أعقبت عليكم لاحقا بأن “فهمكم للمشاركة السياسية قاصر”. فلماذا تزعجكم الأصوات المعارضة؟!
هل هذه هي السياسة التي تقصدونها؟ وهل البرلمانيون هم من تقصدون بـ “لي سينيور”، فلماذا إذن تُهينونهم أيضا؟
أما اتهامكم للمعارضة بالكذب، فالأيام ستكشف من يكذب على المغاربة، ومن يسطو على منجزات الآخرين وينسبها لنفسه، سواء على مستوى الجماعة أو على مستوى الحكومة.
يقول المثل الأمازيغي: “ها خّْرْتْ هَا صْبَاحْ”.
النائبة البرلمانية نعيمة الفتحاوي