قراءة وتحليل لقرار مجلس الأمن رقم 2756 حول الصحراء المغربية


قبل أن نبدأ في التفصيل وشرح مقتضيات القرار 2756، يبقى جليا بنا أن نقف على مسلمات لا تحتمل التأويل وهي ان قضية الصحراء المغربية ليست مجرد نزاع إقليمي، بل هي قضية تهم جوهر السيادة الوطنية والهوية الثقافية والسياسية للمغرب. فالصحراء المغربية جزء لا يتجزأ من تاريخ أمتنا، وهي جزء من حلم الاستقلال الكامل الذي تحقق بجهود أبناء الشعب المغربي على مر الأجيال. على الرغم من التحديات، وبالرغم من التعقيدات السياسية والدولية، فالموقف ثابث والوحدة الترابية لا محيد عنها.

    يمكنكم الاشتراك في نشرتنا البريدية للتوصل بملخصات يومية حول المقالات المنشورة على الموقع

    الاشتراك في النشرة البريدية

    إن قرار 2756 الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في الدورة السابعة والسبعين حول قضية الصحراء المغربية يحمل في طياته تحولات هامة يمكن أن تؤثر بشكل كبير على مستقبل النزاع المفتعل الذي طال أمده، ولفهم الأبعاد السياسية والتداعيات المستقبلية لهذا القرار، لابد من تفصيل التحليل في عدة جوانب مرتبطة بالموقف الدولي، والحلول السياسية المطروحة، وتطورات الوضع على الأرض، بالإضافة إلى أهمية القرار في سياق مسار مغربية الصحراء.

    1- القرار 2756 وموقف الأمم المتحدة

    صحيح أن القرار 2756 لا يعتبر قرارا نهائيا بل هو قيمة مضافة لقرارات يمكن إعتبارها محطات تعود فيها الأمم المتحدة لجادة الصواب من خلال تأكيد الجمعية العامة للأمم المتحدة على المبادئ الأساسية التي أُقرتها في قرارات سابقة، وبالتالي نحن أمام قرار يدعو بشكل صريح إلى حل سياسي قائم على مبادرة الحكم الذاتي التي اقترحتها المملكة المغربية في عام 2007، ويشدد على ضرورة البحث عن تسوية سلمية للنزاع استنادا إلى المبادئ التي تحترم الوحدة الترابية للمغرب.

    وحيث أن السياسة الدولية تفرض علينا تبني تحليل سياسي دقيق فإن الملاحظ في القرار الأممي الأخير تشكله بمثابة توجيه دقيق للأطراف المعنية، ومن ضمنها الجبهة الإنفصالية البوليساريو، بأن المجتمع الدولي أصبح أكثر إقتناعا بقبول مقترح الحكم الذاتي كحل عقلاني للملف. هنا، يمكن أن نستشف أن الأمم المتحدة لم تعد تروج لفكرة “الاستفتاء” كما كان الحال في مراحل سابقة، وهو ما يعد تحولا إيجابيا وعقلانيا في قضية الصحراء المغربية.

    وعلى الرغم من هذا الوضوح الذي قطع الشك باليقين حول مغربية الصحراء في أروقة الأمم المتحدة، وهنا يجب الإشارة لبعض الساسة الإنفصاليين تغيب عنهم النباهة والفطنة يتحججون بأن القرار لا يُنكر حق تقرير المصير، وجوابي لهم أن هذا الحق يرتبط بالشروط التي تضمن احترام سيادة الدول ووحدتها الترابية.

    2- إطار الشرعية الدولية

    يقول إدغار مورين وهو مفكر فرنسي إن المبادرة المغربية للحكم الذاتي، باعتبارها حلا يستحضر الوحدة الوطنية، تقدم نموذجا مبتكرا يتيح للمنطقة الاستقرار دون أن يمس بالحقوق الأساسية للمواطنين، هذا الرأي يتماشى والشرعية الدولية التي تؤكد على مقترحات الحلول يجب أن تتوافق وإستحضار الوحدة الوطنية، هذه الخطوط العريضة نجدها في صميم تصريح الأمين العام أنطونيو غوتيريش سنة 2020 بالقول “الأمم المتحدة تُشجع الأطراف المعنية على العودة إلى طاولة المفاوضات بشكل جاد وواقعي، بهدف التوصل إلى حل سياسي يقبله الجميع. من المهم أن نأخذ في الاعتبار الحلول التي تضمن الاستقرار على المدى الطويل، وفي هذا السياق، تعد المبادرة المغربية للحكم الذاتي خطوة إيجابية نحو تحقيق هذه الأهداف.”

    - إشهار -

    3- مواقف الدول الكبرى ومقترح الحكم الذاتي

    من بين التطورات المهمة التي يعكسها القرار هو الدعم المتزايد الذي بدأ يحصل عليه الطرح المغربي من قبل بعض القوى الدولية الكبرى، الولايات المتحدة الأمريكية التي كانت قد اعترفت رسميًا بسيادة المغرب على “الصحراء الغربية” في 2020، وكذلك بعض دول الاتحاد الأوروبي التي بدأ بعضها يعبر عن دعم مماثل، أو على الأقل إقتناع ضمني للمقترح المغربي.

    دعم الدول الكبرى لمبادرة الحكم الذاتي يعد مؤشرا على تغيير تدريجي ومكسب كبير لقوة المقترح المغربي، حيث أن الدعم الدولي الواسع يزيد من قوة الموقف التفاوضي على الساحة الدولية، لتترجم بالقرار 2756 كإضافة للشرعية الدولية المتزايدة لمغربية الصحراء، في المقابل يشكل ضغطا على الأطراف الأخرى لمراجعة مواقفها.

    4- استراتيجية التعامل مع القرار 2756

    من الناحية الاستراتيجية، القرار 2756 يعتبر انعكاسا واضحا للنجاح الدبلوماسي المغربي في السنوات الأخيرة، خصوصًا مع تنامي الاعتراف الدولي بمغربية الصحراء. فعلى المستوى الدولي تتعزز علاقات المغرب مع العديد من الدول، بما في ذلك بعض البلدان الإفريقية والعربية والأوروبية وكمثال على ذلك إفتتاح القنصليات الاجنبية بالمدن الجنوبية، وعلى المستوى الوطني توجه المغرب إلى تسريع وتيرة عجلة التنمية والرقي بمكانة الإنسان والمجال من خلال أوراش كبرى جعلت من العيون والداخلة كبرى حواضر الجنوب مدنا مستدامة.

    ختاما، إذا كان القرار 2756 يعتبر بمثابة خطوة نحو تسوية للنزاع، فإنه لا يمثل نهاية المطاف لأن الحل في السياسة، يتطلب إرادة سياسية من جميع الأطراف المعنية، وهنا يجب على الجزائر و(صنيعتها جبهة البوليساريو)، الوعي بأن استمرار التعنت والرفض لعرض الحكم الذاتي لن يؤدي إلا إلى مزيد من العزلة الدولية وتعميق معاناة محتجزي مخيمات تندوف على حساب أجندتهم الشخصية.

    ذ/ الحسين بكار السباعي
    محام وباحث في الهجرة وحقوق الإنسان
    مترافع مدني عن قضية الصحراء المغربية.

    أعجبك المقال؟ شاركه على منصتك المفضلة..
    قد يعجبك ايضا
    اترك رد

    لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

    يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد