نزاع وزير العدل والصحافي المهداوي: صراع بين الكلمة والسلطة في عهد وزارات الأحزاب
يشكل النزاع بين وزير العدل عبد اللطيف وهبي والصحافي حميد المهداوي أكثر من مجرد حادثة عابرة في المشهد السياسي والإعلامي المغربي، بل هو رمز لصراع ممتد بين السلطة والكلمة الحرة. في لحظات مثل هذه، يتضح أن ما كان في السابق خلافًا بين سلطة متجذرة وبين صحافي يسعى للكشف عن الحقائق، أصبح اليوم أشبه بمواجهة بين حكومة تدير شؤون البلاد عبر حسابات سياسية ضيقة، وبين شخصيات إعلامية تتمسك بمبادئ الصحافة الحرة.
لكن، لنعد إلى الوراء قليلاً: هذا ليس الصراع الأول الذي يتورط فيه وزير العدل مع الصحافيين. في عهد الوزير الأسبق مصطفى الرميد، كانت تصريحات ساخرة له عن الصحافي المهداوي مثيرة للجدل، حيث استصغر الوزير الرميد شخص المهداوي بوصفه “بيت المهداوي” بكل استهزاء عندما أشار إلى وجوده في ملف القاضي المعزول محمد الهيني. وتلك التصريحات لم تكن مجرد إساءة شخصية، بل كانت تعبيرًا عن تقزيم دور الصحافة في حياة الديمقراطية المغربية، والإشارة إلى أن الصحافيين الذين لا يتماشون مع الخط السياسي الرسمي ليسوا محل احترام.
هذه ليست مجرد حرب كلامية؛ إنها جزء من مسلسل طويل من تهميش الصحافة الحرة. عندما يتبنى وزراء العدل مثل الرميد ثم وهبي هذه النظرة الضيقة تجاه الصحافة والممارسات الديمقراطية، يصبح من الضروري أن نتساءل: كيف تدار العدالة في المغرب؟ أليست العدالة في الأساس ملكًا للجميع، لا محاباة فيها للسلطة أو قوى معينة؟ ألم يكن من المفترض أن تكون وزارة العدل رمزًا لسيادة القانون، لا أداة للتعامل مع الصحافة وكأنها خصم سياسي؟
الواقع أن وزارة العدل، التي كانت في عهد الملك الراحل الحسن الثاني وزارة سيادة، لا يُفترض بها أن تكون لعبة في يد الأحزاب، التي أصبحت تسيطر على مفاصل السلطة وتخضعها لأجنداتها السياسية. وزارة العدل في ذلك الوقت كانت تُعتبر قمة الحكم، ومَن يتقلدها كان يعلم تمامًا حجم المسؤولية التي على عاتقه. كان من يُشرف على هذه الوزارة يدرك أن العدالة لا تُمارس بناءً على الأهواء أو الضغوط السياسية، بل بناءً على استقلالية تامة واحترام حقوق الإنسان.
لكن الأمور اختلفت بعد أن أصبحت هذه الوزارة جزءًا من صراع الأحزاب على السلطة، مما أفقدها هيبتها وأدى إلى تحولها إلى وزارة “كارتون” بمعنى الكلمة، أي أنها تحولت إلى أداة تنفيذية فحسب، دون أن تكون قادرة على لعب دورها الأساسي في ضمان العدالة وحماية الحريات. وهذا هو الوضع الذي يعكسه، للأسف، النزاع الأخير بين وزير العدل وهبي والصحافي المهداوي.
إن التساؤل الذي يطرح نفسه اليوم هو: هل سيظل هذا النزاع مجرد حلقة في مسلسل الانتهاكات التي تتعرض لها الصحافة الحرة في المغرب؟ أم أن هناك أملًا في تغيير هذا الواقع، واستعادة العدالة لدورها كضمان للحقوق والحريات، بعيدًا عن التجاذبات الحزبية والمصالح السياسية؟
في النهاية، يجب أن نعرف أن المغرب بحاجة إلى وزارة عدل تلتزم بالقيم الأساسية التي تأسست عليها الدولة الحديثة: العدالة، الحماية، والاستقلالية.
زهير أصدور؛ محامي بهيئة القنيطرة.