لوموند.. كيف يفرض المغرب نفسه وسيطا أساسيا في منطقة الساحل
قالت صحيفة “لوموند” الفرنسية إنه على عكس فرنسا، تمكنت المملكة المغربية من الحفاظ على علاقات جيدة مع المجالس العسكرية الحاكمة في باماكو وواغادوغو ونيامي.
وبفضل مساعي الرباط الحميدة، تم إطلاق سراح أربعة فرنسيين من المديرية العامة للأمن الخارجي، كانوا محتجزين في بوركينا فاسو منذ الأول من شهر جنبر 2023.
وبحسب الدبلوماسية المغربية، فقد تم قبول إطلاق سراح هؤلاء الفرنسيين بناء على طلب الملك محمد السادس من الكابتن إبراهيم تراوري، الذي يترأس بوركينا فاسو منذ انقلابه في شتنبر 2022.
واعتبرت “لوموند” أن هذه الخطوة تعد نجاحا دبلوماسيا يُعزز الثقل الممنوح للمغرب كوسيط بين الغرب والمجالس العسكرية التي تولت السلطة في مالي وبوركينا فاسو والنيجر. فمن خلال القيام بدور الوسيط، تقدم الرباط خدمة مهمة لباريس، التي استؤنف التعاون معها على أعلى مستوى بعد أزمة دبلوماسية حادة استمرّت أكثر من عامين.
كانت فرنسا تدرك أنها وصلت إلى طريق مسدود في التفاوض على إطلاق سراح مواطنيها، في ظل التوتر الشديد في علاقاتها مع واغادوغو، حيث جعل إبراهيم تراوري القطيعة مع القوة الاستعمارية السابقة هي عقيدة سياسته الخارجية منذ وصوله إلى السلطة، ورفض تعيين سفير جديد، وأمر في بداية عام 2023، الجنودَ الفرنسيين بمغادرة البلاد، كما تُشير “لوموند”.
لذلك اعتمدت فرنسا على تدخل دول ثالثة لفتح المناقشات. وقد سمحت وساطة الإمارات العربية المتحدة وتوغو بوضع الفرنسيين الأربعة قيد الإقامة الجبرية، لكن الجهود التي بذلها المغرب هي التي أتت بثمارها في نهاية المطاف، تقول “لوموند”.
قضية بازوم
تابعت الصحيفة الفرنسية التوضيح أنه وبمجرد انتشار خبر إطلاق سراح الفرنسيين الأربعة، سارعت الصحف المغربية إلى إدراج قائمة الأوروبيين الرهائن في المنطقة، الذين استفادوا من “المساعي الحميدة” للرباط. ففي غشت 2023، رحبت بوخارست بـ”الدور الأساسي” الذي لعبته المديرية العامة للدراسات والتوثيق في إطلاق سراح ضابط الأمن الروماني يوليان غيرغوت الذي اختطف في بوركينا فاسو عام 2015 على يد مجموعة متحالفة مع تنظيم القاعدة، وكان آنذاك أقدم معتقل غربي في منطقة الساحل. قبل ذلك بثمانية أشهر، ساهمت الاستخبارات المغربية أيضا في إعادة المهندس المدني، يورغ لانغ، إلى ألمانيا، والذي اختطفه إسلاميون في النيجر عام 2018 ثم احتُجز في مالي لمدة أربع سنوات.
وفي حالة الفرنسيين المحتجزين في واغادوغو، دارت مناقشات هذه المرة بين أجهزة الدولة. وأبرزت الدبلوماسية المغربية، التي لم تتحدث قط عن المساعدة المقدمة لإطلاق سراح الرهائن في أيدي الجهاديين، “تميز العلاقات” بين محمد السادس والرئيس تراوري. وهذا يدل على فهم المغرب، على عكس فرنسا، لـ“السياق السيادي الجديد” في منطقة الساحل، بحسب الصحافي النيجري صديق أبا، مؤلف العديد من الأعمال حول المنطقة.
في الوقت نفسه، وبحسب موقع Africa Intelligence، تجري الاستخبارات الخارجية المغربية محادثات مع المجلس العسكري في النيجر بهدف إطلاق سراح الرئيس محمد بازوم، المحتجز في نيامي منذ الإطاحة به في يوليوز عام 2023. وأكدت حاشية الرئيس السابق للنيجر لـ“لوموند” أن موضوع إطلاق سراحه تمت مناقشته خلال زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون للرباط من 28 إلى 30 أكتوبر الماضي، مضيفة أن النظام الانتقالي لن يقبل ذلك إلا في حالة استقال بازوم رسميا وذهب إلى المنفى. وهما شرطان أساسيان رفضهما الأخير منذ أكثر من عام، دون أن يطرح فرضية المغادرة إلى المغرب، وهو الحل الأمثل للانقلابيين، لأنه بعيد جغرافياً عن النيجر، توضح الصحيفة الفرنسية.
الحضور الاقتصادي
مضت “لوموند” قائلة إنه من وجهة نظر المجلس العسكري في النيجر، تتمتع المملكة المغربية بميزة أخرى وهي حيادها النسبي. فالرباط ليست عضوا في المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (ECOWAS)، التي فرضت عقوبات شديدة على تحالف دول الساحل الجديد (AES)، الذي شكلته النيجر وبوركينا فاسو ومالي، مما دفع الدول الثلاث إلى الانفصال عن المجموعة.
ومن دون إدانة أي من الانقلابات، ظل المغرب محاورا للقوى الجديدة، حيث رحب بممثليهم وواصل مشاطرتهم خبراته في مجال الدفاع والأمن، وخاصة في الحرب ضد الإرهاب والأصولية. بل إنه أتاح لهم، في مبادرة ما تزال في مرحلة التخطيط، الوصول التجاري إلى ساحله الأطلسي.
ينطبق الشيء نفسه على تعزيز حضوره الاقتصادي، تتابع “لوموند”، موضّحة أن الرباط لا تفرض أي شروط سياسية، حتى في مالي، التي تعترف مع ذلك بـ”الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية” التي أعلنها انفصاليو جبهة البوليساريو الانفصالية.
وفي منطقة الساحل، يغطي هذا الوجود المغربي كلاً من شركات الاتصالات والبنوك، التي اشترى العديد منها الأوراق المالية الصادرة عن الحكومات لتمويل نفسها. كما سيجري المغرب محادثات مع الصناديق السيادية الخليجية بهدف الالتزامات المالية هناك. وهو ما جعل وزيرا ماليا سابقا يقول إن “المغاربة يمكن أن يطالبوا باستقبالهم واعتبارهم جديرين باستثماراتهم”.
كما أن مساجد “محمد السادس” التي ازدهرت في غرب أفريقيا، وهي رموز النفوذ الديني للمغرب في جنوب الصحراء، لم تمتد بعد إلى منطقة الساحل. لكن اسم الملك مكتوب بشكل كبير منذ عامين، عند مدخل عيادة كبيرة في باماكو، والتي تم تمويلها من ميزانية مؤسسة ملكية مغربية.
وفي 12 دجنبر، تم تدشين محطة للطاقة الحرارية في نيامي مُقدمة من المغرب. عُرض على الساحة ملصق بحجم كبير يُظهر الصورة الرسمية للملك محمد السادس في ذلك اليوم إلى جانب صورة الجنرال عبد الرحمن تياني وهو يرتدي قبعة بنية. وخلال العطلة الوطنية للنيجر في 3 غشت، أكد له الملك محمد السادس “استعداد المغرب الدائم” للعمل ”لصالح تعزيز التعاون الثنائي”، كما تشير “لوموند”.
المصدر: القدس العربي.