لماذا يريد المسلمون الأميركيون إسقاط كامالا هاريس؟
أحمد غانم، مواطن أميركي من أصول مصرية يميل إلى الحزب الديمقراطي. ذات صباح، وحينما قَدِمت كامالا هاريس، المرشحة عن الحزب الديمقراطي، إلى ولاية ميشيغان لمخاطبة قواعدها الانتخابية استعدادا للمعركة التي ستخوضها ضد منافسها الجمهوري دونالد ترامب، سارع غانم لارتداء بدلة رسمية بدون أية إشارات سياسية، ثم توجه إلى مكان التجمع للالتحاق ببقية أعضاء الحزب ومناصريه.
وبينما كان غانم جالسا يتصفح هاتفه، تفاجأ بإحدى المسؤولات عن التنظيم تطلب منه مرافقتها إلى الباب. وهناك سيجد العضو الديمقراطي “المسلم” شرطيا ينتظره ليبلغه رسالة واضحة وشديدة اللهجة: “يريدون منك الانصراف، لديك خياران لا ثالث لهما، إما أن تنصرف، وإما أن أضعك في المقعد الخلفي”، مشيرا إلى سيارة الشرطة التي كانت تقف أمام القاعة.
احمد غانم امريكي مسلم كان قد ترشح كديمقراطي لانتخابات محلية في ولاية ميشيغان وحصل علي 15 ألف صوت. حملة كمالا طردته من قاعة حفل حملتها الانتخابية في ميتشيغان دون إبداء اي اسباب.
حاول غانم الحصول على أية معلومات حول سبب منعه من حضور التجمع الانتخابي، لكن دون جدوى، ما دفعه إلى نشر مقطع فيديو على مواقع التواصل بعنوان: “المسلمون ممنوعون من حضور مؤتمر هاريس بميشيغان”. مباشرة بعد ذلك، ستقوم حملة هاريس بالتواصل مع أحمد غانم للاعتذار عما حدث خلال ذلك اليوم، مؤكدة أنه سيكون مرحبا به دائما في المهرجانات الخطابية الأخرى للمرشحة الديمقراطية.
رغم الاعتذار، لم يتلقَّ غانم التفسير الذي رغب في الحصول عليه حول ما حدث، وكان التفسير “المنطقي” الوحيد -من وجهة نظره- هو أنه مَثَّلَ إزعاجا بسبب “ما يُمثِّله” بصفته عربيا مسلما يدافع عن قضايا العرب والمسلمين داخل الحزب الديمقراطي، الذي يبدو أن علاقته بالمسلمين الأميركيين، الذين يُصنَّفون عادة ضمن قواعده الانتخابية التقليدية في الآونة الأخيرة، ليست في أفضل أحوالها، إلى درجة أن بعضهم يفكر في التصويت لدونالد ترامب، الذي كان حتى الأمس القريب “عدوا” صريحا لهم ولإخوانهم في الدين في باقي بقاع العالم.
وفيما يبدو، فطن ترامب جيدا للفجوة بين الديمقراطيين والناخبين المسلمين وبدأ يسعى لاستغلالها، لدرجة أن غانم تلقى اتصالا من حملة ترامب لمعرفة مدى استعداده للمشاركة في حملة دعائية.
المفارقة أنه مع التقارب الشديد لنسب تأييد المرشحَيْن، هاريس وترامب، في استطلاعات الرأي، ليس من المستبعد أن تكون أصوات أكثر من مليونَيْ ناخب مسلم حاسمة في تحديد هوية ساكن البيت الأبيض، خاصة أن مئات الآلاف من هؤلاء المسلمين يقيمون في الولايات المتأرجحة بين اللونين الأزرق والأحمر، التي من شأن نتائجها أن تُحدِّد مَن سيكون رئيس الولايات المتحدة القادم.
المسلمون إلى صفوف الديمقراطيين
تاريخيا، كان تصويت المسلمين في الانتخابات الرئاسية متأرجحا بين الديمقراطيين والجمهوريين، حيث تميل آراء المسلمين إلى التوافق مع التوجهات الديمقراطية في قضايا الحريات السياسية والعامة، وتقبل التنوع ودمج الأقليات والتسامح مع المهاجرين، في حين أنهم يجنحون إلى التوجه الجمهوري المحافظ في مسائل التشبث بالزواج التقليدي والتمسك بقيم الأسرة ورفض تقنين “زواج المثليين” والإجهاض لأسباب دينية بالأساس.
إضافة إلى تأييدهم للسياسات الاقتصادية الجمهورية الرامية إلى خفض الضرائب، وتشجيع رواد الأعمال، بحكم أن الكثير من المسلمين الأميركيين، خاصة الشرق أوسطيين منهم، هم من أصحاب الأعمال الخاصة.
لذلك، بعد أن صوَّتت أغلبية المسلمين لصالح بيل كلينتون في التسعينيات، فإنهم عادوا وصوَّتوا بأغلبية ساحقة بلغت 70% لصالح المرشح الجمهوري جورج بوش الابن في انتخابات عام 2000، خاصة بعد تحدُّث بوش آنذاك عن إمكانية الوصول إلى اتفاق فيما يخص القضية الفلسطينية بطريقة “تحفظ حقوق جميع الأطراف”، وسعيه لاستقطاب الصوت المسلم خاصة في ظل احتدام المنافسة مع غريمه الديمقراطي آنذاك آل غور.
لكن هذا “الود المصطنع” بين بوش والمسلمين لم يستمر طويلا، بعد أن كشفت إدارة المحافظين الجدد عن وجهها القبيح وقررت شن حرب شاملة على العالم الإسلامي الذي وصمته بـ”الإرهاب” بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر عام 2001.
كانت حقبة بوش والحرب على الإرهاب حاسمة في توجيه بوصلة المسلمين الأميركيين نحو الحزب الديمقراطي منذ انتخابات عام 2004، التي صوَّت المسلمون فيها بكثافة للمرشح الديمقراطي جون كيري (نحو 90%) في مواجهة بوش (الذي فاز بولايته الثانية)، وفي العامين 2008 و2012 صوَّت المسلمون أيضا بأغلبية ساحقة للمرشح الديمقراطي باراك أوباما (89% ثم 85% على الترتيب) ضد الجمهوريين جون ماكين ومِت رومني.
استمر التوجه ذاته في عامَيْ 2016 و2020، حيث صوَّت أغلب المسلمين لصالح المرشحَيْن الديمقراطيين هيلاري كلينتون وجو بايدن ضد المرشح الجمهوري دونالد ترامب في الجولتين. وبالتزامن مع ذلك، أظهرت استطلاعات الرأي ميلا واضحا للمسلمين تجاه الديمقراطيين، ومنها استطلاع لمركز “بيو” الشهير عام 2017 كشف أن ثلثَيْ المسلمين في الولايات المتحدة هم من ذوي الميول الديمقراطية (نحو 66%) مقابل 13% فقط يحملون ميولا جمهورية، والبقية يعتنقون توجهات تتأرجح حول برامج مختلفة ومرشحين مستقلين.
أظهرت الدراسة نفسها أن 65% من المسلمين لم يكونوا متحمسين لرئاسة دونالد ترامب، مقابل 20% فقط رأوا أنه يُبلي بلاء حسنا بصفته رئيسا. تقف هذه الأرقام بعيدة من تلك التي حققها الرئيس الديمقراطي “باراك أوباما” الذي حاز رضا 76% من الجالية الإسلامية، فيما تذيَّل جورج بوش الابن القائمة بين الثلاثي بنحو 15% فقط من الراضين المعتنقين للإسلام.
أكثر من ذلك، بدأ بعض المسلمين بمرور الوقت -اضطرارا على الأغلب- في التغاضي عن بعض أفكار الحزب الديمقراطي. تقول دراسة مركز “بيو” إنه رغم أن المسلمين هم أكثر الفئات محافظة في القضايا الاجتماعية الشائكة، فإن رفض البعض منهم، العلني لعدد من تلك القضايا قد خفت قليلًا بمرور الوقت، ويمكن إرجاع ذلك إلى سببين، أولهما عدم رغبة اتجاه منهم في التصادم العلني وصولا للعداء مع تصورات الجماعة السياسية الأقرب إليهم، والثاني أن الدفاع عن حقوق الأقليات الدينية، غالبا ما يتقاطع مع الدفاع عن الجماعات الديمقراطية الأخرى المدافعة عن حقوق الأقليات.
كانت الإسلاموفوبيا إذن هي مَن دفعت المسلمين إلى مصاف الديمقراطيين، ولا نقصد هنا فقط العداء الداخلي للإسلام المتفشي في مصاف الأميركيين من أنصار التفوق الأبيض الذين يُمثِّلون نسبة لا يُستهان بها من مؤيدي وقيادات الحزب الجمهوري، ولكن أيضا العداء الذي أبدته الإدارات الجمهورية وعكسته سياساتها وحروبها تجاه المسلمين في أنحاء العالم.
عن ذلك يقول “روبرت ماكاو”، عضو مجلس العلاقات الأميركية الإسلامية، إن الحزب الجمهوري أضحى خلال آخر عقدين تقريبا مركزا “للإسلاموفوبيا” بسبب تبني سياسات واضحة ضد المسلمين، وفي أحيان ضد الأجانب عموما.
لحظة الفراق
في مقابل ذلك، وفَّر احتضان الحزب الديمقراطي للأقليات مهربا للمسلمين الأميركيين المحاصرين بين مطرقة التنميط الداخلي وسندان الوصم الخارجي، حتى لو لم تقدم الإدارات الديمقراطية فارقا يُذكر على صعيد السياسة الخارجية تجاه منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وتجاه مناصرة القضايا العادلة للمسلمين، خاصة القضية الفلسطينية.
وكانت الحجة الضمنية للكثيرين من المسلمين الأميركيين في استمرار دعم الحزب الديمقراطي هي أنهم غالبا ما يختارون “أهون الشرين” أو “أقل الضررين”، مبتعدين عن مناصرة الجمهوريين الذين لا يتوانى الكثيرون منهم عن إظهار عدائهم للإسلام والمسلمين.
يساعدنا إدراك هذا المنطلق على فهم الطريقة التي أثَّرت عبرها الحرب الإسرائيلية على غزة على عقول الأميركيين المسلمين وقلوبهم. عقليا، كان من الصعب أن يُعَدَّ الديمقراطيون “أخف الضررين” بعد أن تورطت إدارة جو بايدن في دعم حرب إبادة على غزة مستمرة منذ 13 شهرا بلا علامات على التوقف، خلَّفت أكثر من 43 ألف شهيد فلسطيني، وأكثر من 102 ألف جريح، فضلا عن آلاف المنازل المهدمة، ومئات الآلاف من اللاجئين.
ووجدانيا، يمكننا أن نلمس بسهولة إحساس المسلمين بالخذلان من مواقف الحزب الذي يدعمونه، بمَن في ذلك بعض مَن تبوءوا مناصب قيادية داخل الحزب الديمقراطي.
وعلى مدار أكثر من عام، فشلت جميع محاولات المسلمين في إصلاح توجهات الحزب الديمقراطي وإدارته الحاكمة تجاه الحرب، سواء عبر ممارسة ضغوط حقيقية على إسرائيل لوقف الإبادة ودعمها غير المشروط لجيش الاحتلال، أو في أدنى الأحوال وقف تزويد الجيش بالسلاح.
والأنكى أن الحزب، الذي يعتبر التحذير من ما يصفه بـ “فاشية ترامب” إحدى النقاط الدعائية الرئيسية لحملته الانتخابية، لم يتوانَ عن انتهاك القانون المحلي والدولي، حيث وقف متفرجا على مشاهد محاصرة وفصل الأكاديميين والطلاب وتشويه سمعتهم بدعوى معاداة السامية بسبب انتقادهم لإسرائيل، فيما تلاعبت الإدارة الأميركية -ببجاحة تُحسد عليها- بمحاولة المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية إصدار مذكرات اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه يوآف غالانت، لدرجة أن مسؤوليها سخروا علنا من القضية، ما أرسل رسالة فاضحة حول مزاعم أميركا الالتزام بالقانون الدولي.
وفي أعقاب تنحي بايدن عن السباق الرئاسي، أمل المسلمون أن خليفته كامالا هاريس سوف تتعهد بتصحيح أخطاء الإدارة الراهنة حال فوزها، لكن هاريس أظهرت تمسكا عنيدا بسياسة رئيسها بايدن، وفشلت في التعهد بإدانة إسرائيل أو معاقبتها أو فعل شيء مختلف لوقف الحرب، حتى لو كان مجرد حظر توريد الأسلحة التي تستخدمها إسرائيل في إبادة المدنيين الغزيين وتسوية بلدهم بالأرض.
المصدر: الجزيرة.