قضية “الكوبل الجديد” المنصوري وبركاتها.. قضية “الهروب الجماعي”من غلاء أخنوش.. هل يعيد الملك زلزال الريف بتعديل حكومي عقابي؟


من الجيد أن يخرج الأمين الجهوي للبام بجهة طنجة تطوان الحسيمة ببلاغ توضيحي حول قرار تجميد عضوية أحمد الوهابي، الذي هو أيضا رئيس جماعة تازروت، من حزب الأصالة والمعاصرة… كما من المفيد أن يخرج أعضاء بالمكتب السياسي للبام لتقديم رؤيتهم للملف الذي أثار عموم الرأي العام، ووصلت تفاعلاته إلى الرأي العام الدولي، والذي يتعلّق بتجميد عضوية صلاح الدين أبو الغالي عضو القيادة الجماعية للأمانة العامة للبام…

لكن المثير في الحالتين، أن المعنية الأساسية بالملفّيْن، وهي منسقة القيادة الجماعية للبام، فاطمة الزهراء المنصوري، التي لا يُنادى عليها في جبل العلم، مقر زاوية مولاي عبد السلام بن مشيش، إلا بلقب “الشريفة”، اختفت عن الأنظار وبقيت بعيدة عن الواجهة، ودفعت قيادات بامية من “جيشها” للخروج إلى الرأي العام والنطق باسمها دون إغفال التسبيح بآلها وحمدها حتى أن منهم من اعتبرها “مفخرة المشهد السياسي المغربي”!

في الملف الأول، خرج أعضاء من المكتب السياسي للكذب على الرأي العام وللتشهير بزميل لهم برتبة الأمين العام صلاح الدين أبو الغالي، وانتحلوا صفة قضاة وأدانوه بتهم النصب والاحتيال، بافتعال ملف تجاري خاص للتخلّص منه بعدما بات مصدر تشويش لـ”الشريفة”، إذ لم تغفر له أن يحاسبها على مرافقة سمير كودار إلى اجتماع الأغلبية بدلا من أحد عضوي القيادة الثلاثية للأمانة العامة، وإصراره على المطالبة بتشكيل لجنة لمتابعة تطورات مشاورات التعديل الحكومي المرتقب، لضمان حدّ أدنى من الشفافية والقيادة التشاركية وحتى لا تبقى بيدٍ واحدة وتقطير المعطيات وكأنها من أسرار الدولة “السرية جدا”…

كان المنتظر، عندما جرى الإعلان عن الندوة الصحفية، أن يستمع الرأي العام إلى توضيحات فاطمة الزهراء المنصوري، فإذا بها تختفي عن الأنظار، وترسل بعضا من المكتب السياسي، لممارسة القذف والتشهير ضد أبو الغالي… ولما فضح هذا الأخير، في بيانيه القنبلتين، جهل ذلك “البعض” بتفاصيل الملف، الذي يخص معاملة تجارية مع أخوه أبو الغالي عبد الصمد موقع الوعد بالبيع، ولا وجود لشكاية ولا لمتابعة، أوعزوا إلى خصمه بأن يقدّم فورا شكاية إلى القضاء، ليس بغرض دفع مظلمة ما، مثلا، وإنما لإقحام صلاح الدين فيها بُغية الاستعمال السياسي، وهو ما تأكد من عمليات تسريب مُضلِّلة تفيد أن خصم أبو الغالي، وهو المنسق الجهوي للبام بجهة الدارالبيضاء سطات عبد الرحيم بنضو، قدّم شكاية بالفعل وقد وضعها محاميه لدى وكيل الملك بالمحكمة الابتدائية الزجرية بالدارالبيضاء، يوم الخميس 12 شتنبر 2024، أي أن الشكاية لم توضع إلا بعد انعقاد ندوة البام التشهيرية، وأساسا بعد بياني أبو الغالي، لفضح الأسباب الحقيقية وراء التجميد…

فاطمة الزهراء المنصوري “المسكينة” تعتقد أنه بإمكانها أن تستعمل القضاء مطية لإبعاد صلاح الدين أبو الغالي من الأمانة العامة ومن شؤون الحزب وممّا تخطّط له “الشريفة”، بعدما تكالبوا عليه في تجميد عضويته وتشويه سمعته خوفا من أي منافسة لهم ولـ”زبنائهم” في التعديل الحكومي إذا ما كان، خصوصا بعدما “تجرأ” عليها صلاح الدين أبو الغالي وفضحها، عبر إصدار بيانين ناريين، في محاولة لعرض قضيته للنقاش العمومي، أمام مسؤولي المؤسسات الدستورية برمتها، وعلى رأسهم الجالس على العرش الملك محمد السادس، وتتبع أكيد لولي عهده الأمير مولاي الحسن لكل ما يجرى اليوم في المملكة، ليكون كل هؤلاء ومعهم الرأي العام الوطني على بيّنة من مخطط مدروس لتوظيف ملف تجاري محض وتحويله إلى جناية في محاولة من “الشريفة” ومن معها التأثير على القضاء لكسب معركة إضفاء الشرعية على قرار سياسي باطل!

أنا أعرف جيداً عبد الرحيم بنضو لن يكون أداة تستعملها فاطمة الزهراء المنصوري ومن معها لولا أنهم أوهموه بقربهم الكاذب من “الفوق”، عبد الرحيم بنضو ما كان ليفكر يوماً في تقديم شكاية في مواجهة صلاح الدين أبو الغالي وهو الذي جاء بهذا الأخير للحزب، ودعمه في كل مساره السياسي، وهو الذي خاض الحروب ضد الفساد الذي كان مستشري في إقليم مديونة، ليتولى صلاح الدين رئاسة المجلس الإقليمي، ويكون في نفس الوقت برلمانيا عن المدينة، ثم رئيسا لجماعتها، وقاما هما معاً بعمل جبار للنهوض بهذه المدينة. وعندما لجأ بنضو للحزب، لم يكن يعلم بأن قضيته مع أخ أبو الغالي المسمى عبد الصمد المسؤول القانوني عن الشركة المتعاقدة، ستستغلها فاطمة الزهراء المنصوري لإقحام أخيه صلاح الدين عضو العامة الثلاثية قصد إبعاده بعدما أصبح يضايقها في طريقه تسييرها المنفرد لشؤون الحزب، والضغط عليها للاشتغال بطريقة تشاركية مع مؤسسات الحزب، وعبر خلق اللجان لذلك!!

فاطمة الزهراء المنصوري “المسكينة” نسيت أو تناست أن القضاء المغربي في نازلة محاولة “سطو” زوجها على العقارات أبان، عن نزاهته واستقلاليته وتحرّره من الضغوط المتنوعة والمتعدّدة، فقد قدّم قضاة مغاربة دروسا بليغة في ملف الترامي على منازل سكنية تابعة للجماعة، وكذا في ملف محاولة نهب أراضي جماعية، وفي الملفين معا، انتصر القضاء لجماعة تازروت، التي تتشكل من مواطنين عاديين منتخبين من السكان، في مواجهة نبيل بركة، المستقوي بزوجته البامية وابن عمه الاستقلالي وبذرائع النفوذ! حسب ما راج، وكما أحبط القضاء مخطط جبل العلم، سيحبط أيضا مخطط “الشريفة” ، لأن “الفساد”، مهما انتصر له هذا المسؤول أو ذاك، لن تقوم له قائمة، وهذا ما كشفت عنه مواقف وتدابير عبد اللطيف وهبي، الذي أُسقط يوما بمظلة على كرسي الأمانة العامة للبام، إذ صلة بالموضوع، كشف رئيس جماعة تازروت أن الأحكام القضائية الصادرة لفائدة الجماعة ضد نبيل بركة بعث نسخا منها إلى كل من رئيس الحكومة ووزير العدل، كما بعث نسخا، عبر “الواتساب”، إلى وزير العدل، الذي كان يقرأها دون أن يحرّك ساكنا، وظل الوهابي يراسله، لربما لأنه لم يفهم أن سلوك وهبي هو امتداد لمخطط بالغ الخطورة، يتمثّل في تمرير “الشرعنة القانونية” لمنع جمعيات حماية المال العام من تقديم شكاوى ضد الفاسدين والمفسدين، وهو ما يظهر من خلال اصرار وهبي ورئيسه في الحكومة على إقبار قانون الإثراء غير المشروع المعلوم…

هذا الأمر، كغيره من المعطيات، يبقى مجرد تفصيل صغير، له ما يماثله من تفاصيل قد تكون بلا عدّ ولا حصر، أمام ما هو أخطر، وهو: “التجبّر” على الناس والهيئات والمؤسسات بقوة النفوذ! فهل تكون “الشريفة” تملّكت حزب الأصالة والمعاصرة، لدرجة أن تأكل التوم بفم بعض عضوات وأعضاء المكتب السياسي، لتسخّرهم للنيابة عنها، حتى لا تظهر هي في الصورة ليتحملوا وزر تجبُّرها؟، وكيف أن أعضاء آخرون من المكتب السياسي تغيّبوا عن الاجتماع، منهم مثلا يونس معمر، الذي لم يحضر عملية التصويت على قرار تجميد باطل لا يستمد قانونيته من الحزب، كما أن أعضاء آخرون غابوا عن الاجتماع، من بينهم علي بلحاج، فكيف لجأت “الشريفة” إلى تضليل الإعلام بالزعم أن قرار تجميد عضوية أبو الغالي اتُّخذ “بالإجماع”، هكذا بإطلاقية ودون صيغة “من حضر”! كيف يمكن أن يقبل كل المكتب السياسي أن يجتمعوا على ظلال؟.

المكتب السياسي لحزب الأصالة والمعاصرة اليوم على المحك أمام المعطيات الخطيرة التي تم فضحها علانية في هذا الملف الثاني، الذي اختفت فيه أيضاً المنصوري وتركت الأمين الجهوي للحزب بطنجة يخرج ببلاغ توضيحي، هو كذلك ملف توجد “الشريفة” في قلبه قلبا وقالبا، إذ إن هذه المعطيات الخطيرة، التي كشف عنها رئيس جماعة تازروت البامي أحمد الوهابي، الذي عوقب بطرده من حزب الأصالة والمعاصرة، تفيد أن نبيل بركة، وهو زوج المنسقة الوطنية للبام فاطمة الزهراء المنصوري، والذي هو أيضا ابن عم الأمين العام لحزب الاستقلال نزار بركة، ضُبط متلبّسا بالشروع في تدبير محاولة نهب مهولة لمساحات شاسعة من أراضي الجماعة المذكورة تقدر بالملايير…

هنا، أيضا، نجد أن المعني(ة) الأساسي(ة) بالملف هي “الشريفة”، بعدما أصبح لدينا “كوبل جديد”، الشريفة فاطمة الزهراء المنصوري والشريف نبيل بركة، تُعاقِب بـ”تجميد العضوية” كل من سوّلت له نفسه معارضة “الشريفة”، وتُعاقب بـ”الطرد” كل من سوّلت له نفسه معارضة “الشريف”، هذا بالضبط ما حدث بين الدارالبيضاء، وطنجة…

مختصر الملف، كما كشف عنه رئيس جماعة تازروت، أحمد الوهابي، يتضمّن قضيتين أساسيتين، الأولى تعود إلى كون الجماعة حصلت على حكم استئنافي، فلم تتوقف التدخلات والضغوطات، من مسؤولين سياسيين، بل حتى مسؤولين ترابيين، بما في ذلك عامل إقليم العرائش، الذي يقول الوهابي إنه الذي طلب منه عقد دورة استثنائية للجماعة قصد تفويت تلك المنازل إلى بركة. وجاء الحكم الاستئنافي، في ماي 2024، منصفا للرئيس، إذ انتصر القضاء لجماعة تازروت في مواجهة أسرة بركة! وفي يوم 3 يوليوز 2024، سيوجّه أحمد الوهابي طلبا إلى المحكمة بهدف مواصلة إجراءات التنفيذ بحق بركة، والحجز على حساباته البنكية حتى يؤدي ما على ذمته لفائدة الجماعة، أو إفراغه من المنازل الثلاثة. فما كان من حزب الأصالة والمعاصرة إلا أن يقضي بالفصل النهائي للوهابي من صفوف البام!

القضية الثانية اندلعت قبل سنتين، عندما حاول نبيل بركة، في يوليوز 2022، أن يحفّظ باسمه أراضي شاسعة تابعة لجماعة تازروت، تبلغ مساحتها 1186 هكتارا، ضمنها المنطقة، التي يوجد بها ضريح مولاي عبد السلام بن مشيش، ومناطق أخرى توجد بها 5 دواوير مأهولة بالسكان، وتضمّ 422 منزلا، و5 مساجد، و78 محلا تجاريا، ناهيك عن المرافق الإدارية ومقار السلطة والجماعة ومجموعة مدارس، كلها كان بركة يريد أن يجعلها ملكية شخصية باسمه، مستثمرا تواطؤا مفترضا من المحافظة العقارية، التي أعطته الضوء الأخضر لبدء إجراءات التحفيظ دون أي سند قانوني! وهذا أمر بالغ الخطورة، عندما يتصرّف شخص بهذه الخطوة المتهوّرة، التي تجعل بلادنا وكأنها مجرد ضيعة لسيادته، يفعل بها ما يشاء، ويتملّك ما ومن يشاء، من بشر وحجر وتراب وصخر وشجر!!!

- إشهار -

وخلال مختلف أطوار هذا الصراع، يكشف الوهابي أن قادة الحزب، وطنيا وجهويا، ظلوا يتّصلون، منهم من يشرح بالترغيب ومنهم من يبعث رسائل التهديد، لكي يعدل الوهابي عن مواجهة بركة، والخطير في الأمر هو عندما يعترف الوهابي أن الضغوطات كانت كبيرة وكثيرة، سواء من الأمين الجهوي للحزب إلى قادة آخرين بالمكتب السياسي، مع سيل من المكالمات مع عدد غفير من المسؤولين، ووصل الأمر إلى تحذيره، من مسؤولين سياسيين ومن سلطات، بأن الوقوف في وجه نبيل بركة ستكون نتائجه وخيمة عليه، وأنه مسنود من “الفوق”، وأن غض الطرف عن بركة هو مسألة “تعليمات من الرباط”!!!

إذن لن نكون، بعد افتضاح عناصر هذه الواقعة الخطيرة، في حاجة للسؤال: هل سيتحرّك المكتب السياسي، كما فعل مع القضية المفتعلة ضد عضو القيادة الجماعية للأمانة العامة للبام صلاح الدين أبو الغالي، للبدء في مسطرة تجميد عضوية فاطمة الزهراء المنصوري من القيادة الثلاثية للأمانة العامة، في انتظار ما ستسفر عنه هذه القضية.

خطورة هذا الملف في تداعياته ودلالاته، التي تتعدّى كونها حالة جزئية لوقائع في الشمال المغربي، لتمتدّ إلى الكشف عن وجود ارتباطات شبكية عائلية مصلحية، لا تتورّع عن السعي إلى نهب أراضي جماعية بمئات الهكتارات، مستعملةً “القرب من الفوق” للاستقواء على مواطنين وحتى مسؤولين… أليس هذا نفس الدرب، الذي كان يسير عليه إلياس العمري، الذي طرده الملك من الحياة السياسية، حيث كان يُتّهم بتدبير المؤامرات وافتعال وتلفيق الملفات والزجّ بالسجون؟!

دعونا نذكّر فقد تنفع الذكرى المؤمنين، أن إلياس العمري كان يحتال على الناس بالإيحاء أنه “صديقُ صديقِ الملك”، وكان لا يكف عن “الإشارات” إلى “التعليمات” و”الفوق” و”الجهات العليا” و”القصر”… وكان يستمد من هذا الوضع “قوة” موهومة لدى المتلقين والمتعاملين، كان يستعملها في تحول سياسيين إلى “سخارة”، وانبطاح آخرين لأوامرة متوهمين أنها “تعليمات عليا”، ووصل الأمر إلى اتهامه، مثلا، بأنه هو من لفّق ملفات الزج بعضو الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية جامع المعتصم في السجن، منتصف يناير 2011، وبعد شهر ونصف سيستفيد جامع من عفو ملكي، وكان يوم جمعة (18 فبراير 2011)، ويوم الاثنين أصبح عضوا في المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، وتُلتقط له إلى جانب أعضاء المجلس صورة في الصف الأول إلى جانب ملك البلاد…

كان ذلك بالأمس، قبل أن “يُرمى” إلياس العمري إلى مزبلة التاريخ ويجد نفسه خارج الحياة السياسية، وهي إشارة للتأكيد أن النخبة المتنفذة في العديد من الأحزاب لا تريد الاستفادة من حالات المسؤولين المطرودين “خونة الوطن”، ولا تريد أن تستوعب التوجيهات الملكية حول التأهيل الحزبي وممارسة العمل السياسي النبيل، والتي تتضمّن إدانة واضحة وصريحة لكل مسؤول سياسي يتحدّث، تعسّفا، باسم القصر، أو يوحي بعلاقة قرب مع القصر، أو يستند إلى تعليمات مزعومة من فوق، خصوصا أن الجالس على العرش يحرص على إسناد أفعاله وأقواله بمقتضيات الدستور والقوانين، التي تؤطر العلاقة بين المؤسسة الملكية وباقي المؤسسات والهيئات الوطنية، بما فيها الأحزاب السياسية…

مقابل هذا الملك محمد السادس كان يوجّه رسائل إلى كل من يهمّهم الأمر، وهي أن الجالس على العرش لا يحابي أحدا، وهو أكبر من الأحزاب ومن قادتها ومن الشؤون العامة ومسؤوليها، لا فضل لأحد على آخر إلا من زاوية “الجدية”، التي خصّص لها الملك خطابا للعرش وحدّدها في “خدمة المواطن، واختيار الكفاءات المؤهلة، وتغليب المصالح العليا للوطن والمواطنين، والترفّع عن المزايدات والحسابات الضيقة”، داعيا “الطبقة السياسية” إلى اعتماد الجدية في القيام بالواجب، الأمر الذي من شأنه أن يحرّر الحياة السياسية من تلك الوجوه القديمة الخالدة والفاشلة والفاسدة، والتي سبق للملك أن أعلن عن فقدانه، ومعه الشعب، الثقة فيها، وفي مسؤوليها “المخادعين”، الذين اتهمهم بأن كل ما يهمّهم هو قضاء مصالحهم الخاصة بشتى الأساليب…

هذا سؤال منطقي، لكن هناك سؤال له جدارته، ويطرح نفسه بقوة في هذه الظرفية الدقيقة، التي تمرّ منها بلادنا، في ظل محاولات الاقتحام الجماعي لمعبر باب سبتة الحدودي، وهو: في هذا الوقت، الذي اجتمع المكتب السياسي للبام لببذلوا مجهودات خارقة نفسية وعقلية لصنع مبرّرات “مخدومة” لإبعاد صلاح الدين أبو الغالي بسبب ملف تجاري محض، وفي الوقت نفسه الذي كلّف الأمين الجهوي للبام نفسه لتدبيج البيان التوضيحي لاستئصال أحمد الوهّابي الذي وقف في وجه استغلال نفوذ زوج عضوة الأمانة العامة الثلاثية للسطو على العقارات، كانت البلاد تغلي بدعوات غامضة لتحويل الهجرة السرية التسلّلية إلى “هروب جماعي” في محاولة لاقتحام الثغر المحتل بالقوّة، بغية بعث رسالة إلى من يهمهم الأمر أن “السيل وصل الزبى”، لتتأكد تلك الأمثال المغربية البليغة، مثل “الصبر اللي كيضبر”، و”الموس اللي وصل للعظم”… التي استعملها رئيس مجلس المستشارين النعم ميارة قبل سنة ونصف عندما خرج يحذر ويقول إن هذه الوضعية “لا تبشّر بالخير”، في تحذير للأغلبية الحكومية، التي يُشارك حزبه فيها بأربعة حقائب وزارية، اختارها عزيز أخنوش بعناية ودقة فائقة ليُسندها لوزراء حزب الاستقلال كي يتحمل حزبهم المسؤولية المباشرة على معاناة المغاربة، في قطاعات التجهيز والماء، والصناعة والتجارة، والنقل واللوجيستيك، والتضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة، فيما أسند رئيس الحكومة لوزراء حزبه الوزارات التي لها علاقة بـ”المال والأعمال” كوزارة الاقتصاد والمالية، الصحة، والفلاحة والصيد البحري.

ما كان مثيرًا في “تقريع” ميارة لأخنوش وحكومته، هو التهديد المُبطن الذي وجهه عبر الحكومة لوزراء حزب الاستقلال عندما قال لهم: “حظيوا ريوسكم، ما غاديش نبقاوا ساكتين بزاف، سكوتنا معناه أننا ضد المغاربة”، وها هي حصيلة تدخل السلطات العمومية تُظهر حجم الاعتقالات فقط بين يوم 11 و16 شتنبر الجاري، أسفرت عن إيقاف 4455 مرشحا للهجرة السرية، بينهم 3795 مغربيا فوق 18 سنة، و141 قاصرا مغربيا، إلى جانب 519 أجنبيا، جلّهم من الجزائريين والأفارقة جنوب الصحراء…

حدث بهذا الحجم المهول من الخطورة، لم يُثر شيئا ولا أيّ حركة من قبل “الشريفة” فاطمة الزهراء المنصوري وحتى “الشريف” نزار بركة، وأحرى الأمين الجهوي عبد اللطيف الغلبزوري، الذي وقعت الأحداث في دائرة نفوذه الحزبي، لم يتحرّك هؤلاء القوم استباقيا ولا حتى لاحقا ولو بعقد اجتماعات استثنائية على الأقل للتداول في الأحداث والتفكير في أسبابها ونتائجها، من أجل فهم أعمق لِما جرى وكيف ولماذا جرى، الأمر الذي سيمكّن هؤلاء من الانكباب الجدي على الإشكالات المجتمعية القائمة، واقتراح حلول مبتكرة وفعّالة من شأنها وضع حد لعجز المنظومة الاقتصادية والاجتماعية في احتواء الشباب واستعادة الأمل في عيش كريم داخل الوطن… هذا هو المفترض، لكن الواقع هو أن هؤلاء “الشُّرْفَا اللي ببركتهم” لا تهمّهم قضايا وطنهم المشتعلة مادام كل ما يهمهم هو تأمين مصالحهم ولو بتجميد عضوية هذا وطرد ذاك أو تطويق هذا وذاك أو تعليق مؤسسات الحزب للاستفراد بالقرار، مما يجعل المطروح، اليوم، ليس فقط إقالة منسقة البام وأمين عام الاستقلال، وإنما عودة الوعي الحزبي وإعلان انتفاضة سياسية والدعوة إلى عقد برلماني الحزبين، إذا كان ما زال فيهما أعضاء أحرار، لاتخاذ الموقف، الذي تمليه اللحظة، وهو الإعلان عن الخروج من حكومة أخنوش، الذي منذ انطلاقها وهي تحارب الشعب في قوته ومعيشته وحقوقه، وتمنعه من فضح الفاسدين والمفسدين، وترميه لقدره مجردا من كل ما يحصّنه من الزيادات الصاروخية في الأسعار ومن أتون البطالة والمرض و”الحكرة” ومن الاستغلال المتوحّش والإثراء اللامشروع…

لقد فعلها حزب الاستقلال مرة، وتسنده اليوم قيادات بامية بعدما انتهكت “عذرية” حزبهم الأصالة والمعاصرة، وتلوّث الحزبان وشوّهت سمعتهما أمام المغاربة، وها هي فرصة سانحة اليوم بعودة الوعي والعودة إلى الشعب والإعلان عن الانسلاخ من هذه الحكومة الفاشلة…

إن زلزالا سياسيا يقترب، وإن غدا لناظره قريب، والفقرة الثانية من أحكام الفصل الأول من الدستور، ترفع لواء “ربط المسؤولية بالمحاسبة”، مثلما تشهر أحكام الفصل 47 من الدستور سيف الإعفاء أو الإقالة لوضع حد لكل أولئك المسؤولين، الذين يتسابقون على المسؤوليات، ليس لخدمة المصلحة العامة، وإنما للتباهي واستعمالها للارتقاء الاجتماعي وللاختباء وراءها من شتى المساءلات حول ما يقومون به من تجاوزات واختلالات، ولا ينكشفون إلا تحت وقع الاحتجاجات، كما وقع في منطقة الريف بالأمس، وكما يعبر عنه اليوم هذا “الهروب الجماعي” إلى مدينة سبتة المحتلة!!؟

أعجبك المقال؟ شاركه على منصتك المفضلة..
قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد