هل تتحول الحقول السرية لـ”الكيف” إلى ثروة وطنية؟
أصدر الملك محمد السادس قبل أسبوع عفوا عن أكثر من 4800 من مزارعي القنب الهندي ممن أدينوا أو يلاحقون بتهم تتعلق بهذه الزراعة.
ووفق وزارة العدل، فإن الخطوة ستمكن المستفيدين منها “من الاندماج في الاستراتيجية الجديدة التي انخرطت فيها الأقاليم المعنية في أعقاب تأسيس الوكالة الوطنية لتقنين الأنشطة المتعلقة بالقنب الهندي”.
وشرع المغرب في تقنين تدريجي لزراعة القنب الهندي في ثلاثة من أقاليم جهة الريف، لاستعمالات صناعية وطبية، ابتداء من سنة 2021.
كان الهدف من الخطوة هو تحسين دخل المزارعين وحمايتهم من تجار المخدرات الذين يهيمنون على تجارته وتصديره بشكل غير قانوني. إضافة إلى حجز موقع في السوق الدولية للاستعمالات الصناعية للنبتة، فضلا عن تنمية منطقة الريف.
إنهاء الملاحقات القضائية
منذ نحو خمس سنوات، ارتفعت أصوات تطالب بإسقاط الملاحقات القضائية ضد الفلاحين من مزارعي القنب الهندي والعفو عن المعتقلين منهم. ووفق تقديرات رسمية صدرت سنة 2019، فإن نحو 80 إلى 120 ألف أسرة كانت تعيش على عائدات هذه الزراعة.
يرمي التقنين غير المسبوق لزراعة هذه المادة وتسويقها إلى حماية الفلاحين الصغار وتمكينهم من الاستفادة من عائدات محاصيلهم، إذ كانوا قبل ذلك يمثلون الحلقة الأضعف في سلسلة تتزعمها غالبا شبكات منظمة تتاجر في الممنوعات حسب كثير من الجمعيات المعنية بمكافحة الإدمان.
في هذا السياق، يقول وزير العدل عبد اللطيف وهبي ضمن تصريح لـ”فرانس24″ إن فكرة التقنين ترمي إلى حل مشكل اجتماعي وتصحيح وضع قانوني، مؤكدا أنها ستمنح فرصة للمزارعين للاستفادة من النبتة بشكل شرعي.
ثروة محظورة
بالرغم من منعها منذ سنة 1954، تواصلت زراعة نبتة القنب الهندي بشكل غير قانوني في جبال الريف بشمال المملكة، ليستخرج منها مخدر الحشيش الذي يهرب خصوصا نحو أوروبا، إذ يعد المغرب من أكبر منتجيها في العالم وفق التقرير العالمي حول المخدرات لعام 2022 الذي نشره مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة (UNODC).
ويعيش زهاء مليون نسمة في مناطق الشمال حيث يشكل القنب النشاط الاقتصادي الرئيسي. ويُزرع ويُدخن هناك علنا منذ أجيال في أنابيب تقليدية طويلة الساق من الخشب مع أوعية مصنوعة من الفخار، تعرف باسم “السبسي”.
شروط صارمة
لتأطير مجال عمل المزارعين وضبط محاصيلهم تجنبا لاستغلالها بشكل غير مشروع، يقول وزير العدل إن المزارعين مطالبين بتحديد القطع الأرضية المرخص بها وأماكن التخزين بدقة، كما يجب علـى صاحب مشتل القنب الهندي الالتزام بالمساحات الأرضية المحددة فـي الترخيص الخاص بإنشاء واستغلال المشاتل.
في هذا السياق، سيتوجب وفق الوزير على صاحب مشتل القنب الهندي الذي يقوم بتخزين المواد تسجيل مواقع تخزين مواد القنب الهندي ومنتجات نشاطه لدى الوكالة الوطنية لتقنين القنب الهندي، مع تحديد الاستعمال والكمية المخزنة.
كما يجـب عزل المستودع عـن أي مبنى قـد يحتوي علـى بذور مخصصة لأغراض أخـرى أو مـواد قـد تضـر بجـودة بـذور القنب الهنـدي.
من جهة أخرى، يجب ألا تقل سعة المستودع عن 300 متر مكعب.
“إيرادات مرتفعة واقتصاد موثوق”
قال مدير الوكالة المشرفة على التقنين محمد الكروج إن العفو الملكي “التفاتة استثنائية ستمكن هؤلاء المزارعين وأسرهم من العيش في جو من الطمأنينة والسكينة والانخراط في الديناميكية الجديدة للتقنين”.
المسؤول أضاف ان تنظيم هذا المجال يتيح “بناء اقتصاد موثوق قادر على الصمود، بشكل تدريجي”،
مشددا على أن “الهدف الأول هو تحسين مستوى عيش المزارعين”.
خلال سنة 2023، بلغ مجمل المحصول القانوني للقنب الهندي في المملكة 296 طنا، وفق الوكالة.
ويختلف هذا المحصول عن المحاصيل التي تحول إلى حشيشة إذ إنه يحتوي على نسبة جد منخفضة من المادة المخدرة (تي إش سي).
يوضح الكروج، نقلا عن دراسات رسمية، أن بإمكان المغرب تحقيق ما يعادل 12 بالمئة من إيرادات القطاع المنظم، في مقابل “4 بالمئة فقط من السوق غير القانونية”، التي يسيطر عليها المهربون.
ولا يزال “الاستعمال الترفيهي” للقنب الهندي ممنوعا قانونيا في المملكة، وقد شمل العفو الملكي، وفق بلاغ وزارة العدل، المزارعين فقط.
السوق الأوروبية
يشير مختبر الأدوية Sothema، المغربي الذي حقق رقم أعمال قدره 230 مليون يورو في 2023، إلى أنه طور حوالي 15 دواء يعتمد على القنب الهندي الذي يحتوي على نسبة عالية من رباعي هيدروكانابينول (THC) ” لعلاج الأمراض الخطيرة مثل السرطان أو التصلب المتعدد أو الصرع”.
ومن الممكن حسب المختبر إطلاق هذه المنتجات في الأسواق بحلول 2025، سواء في المغرب أو في العديد من البلدان الأوروبية.
من جانبها، سجلت تعاونية Bio Cannat بالمغرب عشرة منتجات تعتمد على CBD (cannabidiol) ;هو مادة كيميائية توجد في نبات القنب المزروع، بدون THC (tetrahjdrocannabinol)، خاصة في مجالي المكملات الغذائية ومستحضرات التجميل.
مستفيدا من موجة تقنين القنب الطبي في الاتحاد الأوروبي، حيث يوجد بالفعل 21 دولة عضو سمحت بهذا الإجراء، يسعى المغرب إلى الحصول على حصة من خلال الاستثمار في السوق الأوروبية تتراوح بين 10 و15%. إذ يأمل الاتحاد المغربي للصناعة الصيدلانية والابتكار (FMIIP) في تحقيق عائدات سنوية تتراوح بين 400 و600 مليون يورو في غضون أربع سنوات.
تحدد الوكالة الوطنية لتقنين الأنشطة المتعلقة بالقنب الهندي ANRAC أيضا العديد من القطاعات المحتملة لاستخدام القنب الهندي المغربي، مثل الطيران والغذاء والبناء والنظافة والورق والبلاستيك والمنسوجات وحتى الأدوية الموجهة للحيوانات الأليفة.
تطوير سلسلة الإنتاج
ينص دفتر التحملات الخاص بالقطاع على أن للشركات الخاضعة للقانون المغربي وحدها الحق في الحصول على رخص مزاولة أنشطة تتعلق بالقنب الهندي.
وحسب الوكالة، فإن تطوير سلسلة النبتة من أجل الاستعمالات المشروعة يبدأ بتنظيم وتطوير مختلف مراحل تصنيعها انطلاقا من إنتاج البذور وانتهاء بتسويق المنتوج الجاهز.
إلى جانب ذلك، تركز الوكالة على دعم البحث العلمي بهدف تطوير استعمالها المشروع، وكذا جلب فاعلين دوليين لهم تجربة كبيرة في صناعة تحويل وتصنيع المادة.
فضلا عن ذلك، تسعى “أنراك” إلى تشجيع ودعم الاستثمار الوطني والأجنبي في أنشطة تحويل وتصنيع منتجات القنب الهندي، ثم المساهمة في تحويل الأنشطة غير المشروعة حاليا إلى أنشطة مشروعة ودائمة ومدرة للدخل مع الحرص، بالخصوص، على حماية التراث الوطني والنهوض به.
ي مقابل مزايا التشريع الجديد وإيجابياته الاقتصادية والاجتماعية، يبدي الرافضون لقانون تقنين زراعة القنب الهندي مخاوف من تأثيره على زيادة مساحات زراعة المخدرات وتفاقم ظاهرة الاتجار فيها.
جوابا على ذلك، يؤكد وزير العدل المغربي أن أجهزة الدولة المكلفة ستواصل محاربة الاتجار الدولي في المخدرات وستتصدى لأي استغلال للوضع الجديد المخالف للقانون وتجاوز الأغراض التي شرع من أجلها.
وفيما تأمل المملكة أن يصبح القنب الهندي رافعة للتنمية بمنطقة الريف، استطاع عشرات الأشخاص من الحصول على تراخيص مباشرة بعد رفع الحظر، وسرعان ما انضووا في إطار تعاونيات للاستفادة بشكل أكثر نجاعة من النشاط التجاري.
لكن عددا من النشطاء الحقوقيين وجمعيات محاربة الإدمان تذكر أن القنب الموجه للاستخدام الطبي لا يمثل سوى قطرة في محيط مقارنة بالقنب الترفيهي. وبالتالي ترى أن الطريق لا يزال طويلا وشاقا، خاصة وأنه على الرغم من سمعة المنتج المغربي والعائدات التي يدرها، فإنه يواجه تحدي إعادة تركيز أرباح بيعه وتوجيهها لصالح صغار المنتجين، إذ ينقل الكروج أن تقديرات تشير إلى أن 4% فقط من السعر النهائي يذهب إليهم، في حين تعدهم الصناعة الجديدة بمكافأة قدرها 12%.
حسب الأستاذ الجامعي والناشط الحقوقي خالد البكاري، فإن الإشكال المطروح اليوم مرتبط بوضع آليات ناجعة للمراقبة والتتبع، اعتبارا لشساعة مساحة الأراضي المزروعة، ووعورة التضاريس.
من جهة أخرى، يتساءل البكاري عن مدى توفر إرادة حقيقة لدى أصحاب القرار من أجل القطع مع الاستخدام غير القانوني لنبتة القنب الهندي، ويسوق في هذا الصدد، تطور مساحة الأراضي التي كانت حتى ثمانينيات القرن الماضي جد ضيقة، ثم تسارع امتدادها إلى أقاليم العرائش ووزان وتطوان وغيرها، ما يعني غياب إرادة المنع والزجر.
في هذا السياق، يوضح المتحدث أن المغرب يضم صنفين من الأراضي الملائمة لزارعة القنب الهندي، بعضها استنزفت تربته ومياهه وأدى إلى اجتثاث الغابات فكانت له تداعيات وخيمة على البيئة وأثر سلبا على جودة النبتة.
في حين أن الأراضي حديثة العهد بالزراعة تتوفر على كميات كبيرة من المياه وتضاريس سهلة وجودة تربة عالية، ما يرجح كفتها لأن تكون الأقدر على توجيه منتجاتها لأغراض علاجية وصناعية أو حتى تصديرها، فإن هذا الوضع قد يبقي حسب البكاري على الأدوار التقليدية لأراضي المناطق الأخرى، وبالتالي التساهل مع استخدام مزروعاتها لأغراض غير مشروعة، والتدخل مناسباتيا للردع. بل حتى أوروبا، “لا أعتقد أنها صادقة في محاربة المخدرات القادمة من المغرب لأنها أقل ضررا بالنسبة لها مقارنة بتلك القادمة من الولايات المتحدة ودول أمريكا اللاتينية”، يضيف البكاري موضحا.
وذهب المتحدث أبعد من ذلك ورجح أن يخطو المغرب نحو الترخيص بـ”الاستعمالات الترفيهية” للمادة عبر اعتماد تشريعات كالتي تم تبنيها في الولايات المتحدة وكندا.
المصدر: فرانس24