أين قانون الإثراء غير المشروع؟
أطلقت الجمعية المغربية لحماية المال حملة لمكافحة الفساد وتخليق الحياة العامة، للفت الانتباه لضرورة فتح هذا “الورش الوطني المجتمعي”، من أجل الضغط في اتجاه إعادة قانون “الاثراء غير المشروع” للبرلمان، والذي كانت الحكومة المغربية بقيادة عزيز أخنوش قد سحبته مباشرة بعد تنصيبها نهاية 2021.
وفي نونبر 2021، توصل مجلس النواب بطلب من رئيس الحكومة لسحب مشروع القانون رقم 10.16 المتعلق بتتميم وتغيير مجموعة القانون الجنائي والذي يتضمن مادة حول تجريم الإثراء غير المشروع والتي أثارت الكثير من الجدل داخل المؤسسة التشريعية.
تبريرات الحكومة
وبعد هذه الخطوة، أفاد وزير العدل عبد اللطيف وهبي، أنه هو من طلب من رئيس الحكومة سحب القانون الجنائي من البرلمان، وقال إن “الهدف هو مراجعة شاملة للقانون الجنائي والمسطرة الجنائية، لأن هناك قضايا كثيرة لم يصلحها المشروع الذي سحبناه من البرلمان”.
كما برر الوزير المنتدب لدى رئيس الحكومة المكلف بالعلاقات مع البرلمان، الناطق الرسمي باسم الحكومة، مصطفى بايتاس، قرار سحب الحكومة للقانون الجنائي بصعوبة مناقشته بشكل مجزأ، مشيرا إلى أن “ما كان يعاب على الحكومة السابقة هو عدم وضع القانون الجنائي بشكل كامل على أنظار البرلمانيين لمناقشته في شموليته”.
وكان أبرز مُقتضى حمله المشروع الذي تم سحبه هو تجريم الإثراء غير المشروع بهدف تعزيز منظومة مكافحة الفساد، ويتجلى هذا الإثراء في الزيادة الكبيرة وغير المبررة للذمة المالية للشخص الملزم بالتصريح الإجباري للممتلكات أو ذمة أولاده القاصرين الخاضعين للتصريح مقارنة مع مصادر دخله المشروعة دون استطاعته إثبات المصدر المشروع لتلك الزيادة.
مطالب بإعادة المشروع
وفي يوليوز 2023، ساءلت النائبة البرلمانية، فاطمة التامني، وزير العدل، عبد اللطيف وهبي، عن مآل مشاريع النصوص القانونية المتعلّقة بـ”الإثراء غير المشروع”.
وأشارت برلمانية فيدرالية اليسار الديمقراطي إلى أن سحب مشروع القانون الجنائي (نصوص الإثراء غير المشروع) أثار الجدل ومازال يثير الجدل، لاسيما مع الاعتقالات والمتابعات التي تطال السياسيين في قضايا فساد مالي، وأبرزها اعتقال قيادات منتمية لحزب وزير العدل (الأصالة والمعاصرة) بتهم متعلقة بالاتجار في المخدرات.
وطالبت الهيئة الوطنية لحماية المال العام والشفافية بالمغرب، بالإسراع في إرجاع مشروع القانون، مؤكدة ضمن بيان سابق، على ضرورة تفعيل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة، وإحالة تقارير المجلس الأعلى للحسابات على القضاء تطبيقا لمبدأ عدم الإفلات من العقاب.
مقترح قانون لتجريم الاثراء غير المشروع
وفي فبراير الماضي، تقدمت المجموعة النيابية للعدالة والتنمية بمجلس النواب، بمقترح قانون حول منع الإثراء غير مشروع.
وأفادت المذكرة التقديمية للمشروع أن تقديمه جاء بـ”النظر إلى ما بات يشكله الفساد من تهديد بنيوي، يعرقل التنمية، وبالنظر إلى سحب الحكومة لمشروع القانون الجنائي، دون أن تبادر إلى نص تشريعي جديد يتعلق بالإثراء غير المشروع”.
ولتجاوز اللغط الذي أثير حول إمكانية استعمال القانون للانتقام وتشويه المنتخبين والابتزاز، من خلال شكايات جمعيات المجتمع المدني، اقترح برلمانيو حزب العدالة والتنمية أن تُسند مهام البحث والتحري في الإثراء غير المشروع للهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها.
ويهدف المشروع، وفق مادتيه الأولى والثانية، إلى مكافحة الإثراء غير المشروع وحماية المال العام، ويحدد آليات مكافحة الإثراء غير المشروع.
ويعرّف مقترح القانون الإثراء غير المشروع بـ”كل زيادة هامة في مكاسب الشخص الخاضع لأحكام هذا القانون تحصل عليها لفائدته أو لفائدة من تربطه به صلة، أو زيادة ملحوظة في حجم إنفاقه تكونان غير متناسبتان مع موارده ولا يستطيع إثبات مشروعية مصدرهما”.
حماة المال العام: الترافع من أجل تجريم الإثراء غير المشروع ليس ترفا فكريا
من جهته اعتبر رئيس الجمعية المغربية لحماية المال العام، محمد الغلوسي، أن “الترافع من أجل تجريم الإثراء غير المشروع ليس ترفا فكريا وإنما هو سعي لترجمة مطالب المجتمع وتطلعاته من أجل دولة الحق والقانون القائمة على ربط المسؤولية بالمحاسبة”.
وأضاف الغلوسي، ضمن تدوينة على صفحته الخاصة، “نحن واعون تماما بأن هذا المسعى تواجهه مقاومات كبيرة تهدف إلى إعاقة أي تقدم في اتجاه تخليق الحياة العامة ومكافحة الفساد والرشوة والريع ونهب المال العام والقطع مع الإفلات من العقاب، لأن المراكز المستفيدة من زواج السلطة بالمال لن تقبل بوجود قواعد واضحة في ممارسة السلطة وتقوم بكل ما من شأنه أن يجعل الفصل بينهما عسيرا”.
وأطلقت الجمعية المغربية لحماية المال العام، عريضة الكترونية، وضعتها في متناول العموم من أجل التوقيع، لمطالبة رئاسة الحكومة بالعمل على تقديم مشروع قانون لتجريم الإثراء غير المشروع.
وذكرت الجمعية، في العريضة التي تنوي رفعها لرئاسة الحكومة، أن “المغرب سبق له أن صادق على اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، وهي الاتفاقية التي نشرت بالجريدة الرسمية، وضمن بنود هذه الاتفاقية ما يتعلق بضرورة اتخاد الدول لتدابير قانونية لتجريم الاثراء غير المشروع (المادة 20 من الاتفاقية) “.