معشر الدستوريين… داء عطب الحزب قديم


عندما اشتدت الضغوط على السلطان المغربي المولى عبد الحفيظ من قبل فرنسا خلال مطلع القرن العشرين، خصوصا وهو المشهور بعدائه للاستعمار، وقبل ذلك هو من بويع البيعة المشروطة، التي تنص وتؤكد على أنه لاهوادة ولا مهادنة مع المحتل؛ اضطر بعد استقراء وتحليل جميع المعطيات المحلية والإقليمية والدولية للرضوخ لإرادة المستعمر، فوقّع صك ما نعت بهتانا ب”الحماية”، والذي هو في الحقيقة استعمار واحتلال متكامل الأركان.

    يمكنكم الاشتراك في نشرتنا البريدية للتوصل بملخصات يومية حول المقالات المنشورة على الموقع

    الاشتراك في النشرة البريدية

    وقبيل ذلك كتب كتابه المشهور والموسوم ب”داء العطب قديم”، فصل وأجمل من خلاله الأسباب التاريخية العميقة التي جعلته يوقع على مضض، ويقبل بشيء هو في وجدانه مرفوض وممقوت.

    إن داء العطب قديم، أصبحت عبارة بل صفة يستخدمها جمهور الباحثين للدلالة والتعبير عن أي حدث تاريخي، عندما يقع، يؤدي إلى زلزلة واقع رتيب، ذلك أن أسبابه وجذوره عميقة وضاربة في القدم، بل إنه تتويج لأزمة تراكمية مالبثت أن طفت نتيجتها الحتمية بقوة، وبشكل صادم ودراماتيكي؛ إنه حال حزب الاتحاد الدستوري اليوم.

    إن المشهد الحالي داخل الحزب يتمثل في وجود فريقين “متناحرين”، يحكمهما الانتماء الجغرافي وليس الطرح السياسي؛ كل جماعة تدعي الشرعية السياسية، وفي الحقيقة لاشرعية قانونية أو جماهيرية/شعبية لهما؛ ذلك أن هياكل الحزب أصبحت اليوم في وضعية متجاوزة بعد أن انتهت صلاحيتها.

    إن المتتبع لمسار الحياة السياسية، وبالأخص الحزبي منها، يلاحظ التراجع الخطير، إن لم أقل “الانهيار” السريع الذي يشهده حزب الاتحاد الدستوري على المستوى التنظيمي، فجدول أعمال اجتماعاته يسودها الإضطراب، فلا اجتماعات المكتب السياسي أو اللجنة الإدارية أو المجلس الوطني أو المؤتمر ، أو غيرها، يتم عقدها في الزمن المحدد لها قانونيا وتنظيميا.

    - إشهار -

    لقد أكدت مثل هذه الأحداث، التي ألفها الراصد لشأن هذا الحزب، أن ما يقع من تنافر وتناحر هو في حقيقة الأمر محنة ظاهرها “تصحيح” المسار وباطنها مصالح شخصية ضيقة، مما جعل بريق جذبها منحصرا في فئة قليلة جدا، والتي طالما تذوب وتنتفي بمجرد تحقيقها فعليا أو عبر وعود.

    إن مايحدث اليوم، هو نتاج لتعطيل كل هياكل الحزب التنظيمية، التي ساهمت فيها بشكل واضح وأساسي قيادات المجموعتين المتناحرتين، فلا ديموقراطية داخلية، ولا إشراك لفئة الشباب، بل توريث الأبناء والقبيلة والعشيرة هو المعتمد؛ ولاصوت يعلو فوق مآذن هؤلاء سوى ترسيخ أقدامهم، والاستمرارية التوريثية، ولو أدى الأمر إلى الإغماء التنظيمي الحزبي.

    إن المطلوب اليوم أمام هذا الشلل التنظيمي الذي أصاب الحزب في مقتل، هو أن تتم المصالحة مع الذات، وأن يتم فسح المجال أمام الرافعة الشبابية لكي تمسك بزمام أمور هيئتها السياسية، وفق تصور جديد، ومقاربة تصاعدية قاعدية تتماشى ومقتضيات دستور 2011، بعيدا عن النزعات التقليدية المتجاوزة، ذات الطبيعة القبلية والعشائرية والأسرية؛ لأن هذا التوجه تم تجاوزه، ولم يعد ممكنا التعايش معه.

    إن منطق الاستفراد والإقصاء لن يؤدي إلا إلى ما يعيشه الحزب اليوم من تأزم، بل المسلم به أنه سيعمق من محنته، التي لن يكون لها إلا حل واحد إذا مااستمرت، ألا وهو الإعلان عن وفاة حزب لطالما طالت أزمته، واشتد مرضه، ووهن عظمه، واشتعل رأسه عجزا، ولاينتظر إلا حقنة موت تخلصه من معاناته؛ لأن داء عطبه فعلا قديم.

    أعجبك المقال؟ شاركه على منصتك المفضلة..
    قد يعجبك ايضا
    اترك رد

    لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

    يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد