درس البيجيدي
لاشك أن الجميع يتابع ما يقع لحزب العدالة والتنمية، حيث تتوالى استقالات أعضائه، على نحو يوحي بما يمكن أن نعتبره انفجارا للحزب الذي ظل منذ أمد بعيد يفاخر بقوته التنظيمة، والتزام أعضائه بقرارات قيادته.
هذه الانسحابات من الحزب يمكن قراءتها في ضوء معطيات أساسية لا يمكن إهمالها منها على نحو محدد، السقوط في هاوية التناقضات التي كشفت زيف الشعارات التي طالما شكلت رأسمال الحزب، والتي بها وعبرها كان يجابه خصومه السياسيين، فبفقدان هذا الرصيد الرمزي بفعل الانخراط اللامحسوب في دوامة التنازلات اللامتناهية، أضحى أعضاء الحزب أمام خجل مجتمعي لا تفسير له، جراء ممارسات قيادتهم في كثير من القضايا، لعل آخرها قضية التطبيع وما خلفته من هزات لم يتم التخفيف من حدتها إلا بالاستعانة بخرجة عبد الإله بنكيران.
فالحزب أبان عن استسلام فظيع للدولة/المخزن، مما عجل بانسلاخه عن ثوابت كانت إلى عهد قريب إحدى مرتكزاته الأيديولوجية، التي يتأسس عليها خطابه، على إثر ذلك انبثقت دعوات من داخل الحزب نفسه تدعو إلى وقفة تأمل في مسار الحزب لتقييم أدائه التدبيري، دعوات تنم في طياتها عن تذمر إزاء الوضع الذي آل إليه الحزب بعد فترتين حكوميتين يبدو أنهما أوصلتا الحزب إلى الإنهاك التام.
إنهاك كان إلى وقت قريب يتبدى عصيا على التجلي، إذ نتذكر ردة فعل الحزب المتشنجة في تفاعله مع دعوات تقليص المشاركة السياسية في الانتخابات المقبلة، أو عبر انتفاضته بخصوص مقترح القاسم الانتخابي الذي تقدمت به بعض الأحزاب، ( انتفاضة مشروعة ديمقراطيا).
لكن المتتبع لما يجري داخل بيت البيجيدي الآن، سيدرك لا محالة أن اللامبة تمر حولها عواصف شديدة قد تؤدي إلى انطفاء جذوتها على نحو تام، عواصف مردها إلى الانحياز التام لدار المخزن، بما يشكل حالة التماهي المطلق المفضي إلى الموت، إذاك لا نستغرب مستقبلا أن يراجع الحزب توجهه إزاء ما سبق أن أرغد وأزبد حوله، بناء على وضعه المترهل الذي انتهى إليه وهو يسير حكومة هي الآن في أرذل عمرها، بما يكتنف هذا التسيير من أعطاب عمقت من أزمة الحزب.
بهذا قد يحقق المخزن مبتغاه في التخلص من حزب أرهقه بالتعامل الازدواجي مع السلطة، تعامل بدا ناجعا للحزب ومكنه من البقاء في السلطة من خلال ملاعبة المخزن بتدبير الحكومة وتقمص جلباب المعارضة في الآن نفسه، من ثمة يكون التطبيع بمثابة الضرية القوية التي عجلت بما صار إليه الحزب لإنهاء جدل الازدواجية، بما هي عزف على إيقاعين غير متناغمين وبما يحدثه هذا العزف من نشاز في أذن المخزن، هذه الأذن التي لا تستسيغ إلا المباركة التامة، والانخراط المنضبط في فرقة “كورال” قُدِّم لها النص سلفا وما عليها إلا الترديد المنسجم.