المياه العادمة والتحلية لمواجهة ندرة الذهب الأزرق


للسنة السادسة على التوالي، يعيش المغرب جفافا أصبح مصدر قلق ويهدد الأمن الغذائي. وضع دفع بالسلطات لدق ناقوس الخطر، والعمل على تسريع معالجة المياه العادمة وتحلية مياه البحر، غير أن التنفيذ يواجه أكثر من مشكلة.

بحسب البنك الدولي يعد المغرب أحد أكثر البلدان شحا بالمياه في العالم ويقترب بسرعة من الحد المطلق لندرة المياه البالغ 500 متر مكعب للفرد سنويا.

يبدو أن أصوات المستحمين في الحمامات الشعبية في المغرب، وهم يطلبون مزيدا من المياه الساخنة خلال سنوات ثمانينيات القرن الماضي ستعود إلى يوميات هذه الفضاءات، يعلق أحد رواد المنصات الاجتماعية بلكنته المراكشية وبلغة ساخرة. يأتي هذا بسبب إقدام السلطات المغربية على إغلاق جزئي للحمامات الشعبية في وجه المستحمين نظرا لتداعيات ندرة المياه.

وفي مشهد آخر لكنه قاس للغاية لصور يعرضها أحد نشطاء التواصل الاجتماعي لسد المسيرة، ثاني أكبر سد في المغرب وهو شبه جاف. ويضيف متحسرا على خطر العطش الذي قد يتهدد ساكنة الدار البيضاء.

مشهدان يلخصان قلق المغاربة على ندرة المياه التي تتهدد البلاد بسبب الجفاف الذي يعيشه المغرب للسنة السادسة على التوالي. فالمغرب هو “أحد أكثر البلدان شحا بالمياه في العالم، وهو يقترب بسرعة من الحد المطلق لندرة المياه البالغ 500 متر مكعب للفرد سنويا”، بحسب البنك الدولي.

منذ وهو يحاول التعامل مع هذه الإشكالية الهيكلية من خلال عدة تقنيات من بينها: التقنيات المستخدمة لمعالجة المياه العادمة وتحلية مياه البحر للتغلب على تداعيات الانحباس الحراري.

في تصريح نقله موقع” DW عربية” تقول ليلى ماندي، الخبيرة في الموارد المائية والمديرة السابقة للمركز الوطني للدراسات و الأبحاث في مجال المياه التابع لجامعة مراكش: “إن اعتماد تقنيات تحلية المياه وإعادة استخدام مياه الصرف الصحي يمكن أن يكون له دور كبير في تعزيز الاستدامة المائية ومكافحة تغير المناخ”.

الأمل معقود على تحلية مياه البحر

خوف سكان مدينة الدار البيضاء والمناطق المجاورة لها والممتدة إلى مشارف مراكش من العطش بسبب تراجع مخازن السدود كونها المزود الرئيسي لمياه الشرب، لا يوازيه إلا الأمل الذي أنعشه الإعلان عن انطلاق الأشغال بداية هذه السنة بمحطة الدار البيضاء، وهي الأكبر في المغرب لتحلية مياه البحر.

ينتظر أن يكون الجزء الأول منها جاهزا في 2026 لتوفير مياه الشرب والسقي والمياه للاستعمال الصناعي. وقد وصفها وزير التجهيز والماء نزار بركة “بالتاريخية”، نظرا لحجم التكلفة المقترحة المتمثل في أقل من أربعة دراهم لتحلية كل متر مكعب”، مبررا أن الأمر راجع لاعتمادها على الطاقات المتجددة.

يشار إلى أن المغرب يتوفر حاليا على 14 محطة، ويسعى إلى تشغيل عدد منها بالاعتماد على الطاقة الخضراء.

وقال وزير التجهيز والماء نزار بركة، في تصريحات إعلامية: “إن المغرب سينتقل في غضون السنوات القادمة إلى إنتاج مليار و400 مليون متر مكعب من المياه المحلاة، وهو ما سيمكن من تزويد حوالي 50 بالمائة من الساكنة بالمياه الصالحة للشرب انطلاقا من تحلية مياه البحر”. بالرغم من تأخر انطلاق الاشغال بمحطة الدار البيضاء، إلا أن تحلية مياه البحر قد يشكل بر الأمان في المغرب نظرا للتداعيات الخطيرة للتغير المناخي، بحسب المسؤولين.

- إشهار -

لذا يطالب الخبراء بإيجاد حل لمعضلة التمويل لتسريع وتيرة إنجاز محطات تحلية مياه البحر: “في ظل الجفاف الذي أصبح يلازمنا والضغط الديموغرافي والتطور الصناعي الذي يتطلب منسوبا كبيرا من المياه لن توفره التساقطات المطرية، يشكل تحلية مياه البحر أمل المغاربة لتدارك معضلة ندرة المياه. لذا يمكن أن يلعب البحر بواجهته الأطلسية والمتوسطية دور قاطرة التنمية.”.

المياه العادمة: من قاتل بيئي إلى مصدر حيوي

لا تعاني الموارد المائية في المغرب من الاستنزاف فقط، بل أن خطر التلوث يهدد “الذهب الأزرق” أيضا. إذ تشير تقديرات الخبراء إلى أن 80 بالمائة من الفرشة/ المياه الجوفية ملوثة جراء النفايات المنزلية والصناعية. لذا بدأ منذ مدة اهتمام المغرب باحتواء الانعكاسات الصحية والبيئية والاقتصادية للمياه العادمة. بالرغم من وجود سوى 158 محطة لمعالجة النفايات السائلة، فإن المغرب يعول أيضا على هذه التقنية للتغلب على ندرة المياه. إذ تسعى الرباط إلى تحقيق معدل معالجة يصل إلى 90 بالمائة مما تلفظه مجاري المياه العادمة ونفايات المصانع بحلول 2030.

إلى جانب سقي المساحات الخضراء، فإن الاستثمار في معالجة المياه العادمة، يجني منه المغرب فوائد عديدة على صعيد السلامة البيئية، وعلى صعيد توفير الطاقة، والأسمدة أيضا، في نظر الخبراء: ” استخدام المياه العادمة في الري الزراعي، أو في الصناعة، أو حتى في الاستخدام المنزلي لأغراض لا تشمل المشروبات، يمكن من توفير كميات كبيرة من المياه العذبة وتقليل الضغط على الموارد المائية التقليدية”، بحسب ما صرحت به لـ DW عربية، ليلى ماندي الأستاذة الجامعية وعضو الأكاديمية الفرنسية للمياه.

وفي غياب معطيات رسمية حول استفادة قطاع الزراعة وسقي المساحات الخضراء من المياه العادمة، نجد أن العاصمة الرباط استفادت كثيرا من هذه التقنية. إذ انخفض في نهاية شهر سبتمبر/ أيلول الماضي، الاستهلاك الكلي للمدينة من مياه الشرب بنسبة 10,8 في المائة بفضل استخدام المياه غير التقليدية للسقي وتحسين أداء شبكة مياه الشرب، بحسب السلطات.

أهمية تغيير السياسات الزراعية

الإغلاق الجزئي للحمامات الشعبية في وجه المستحمين، وانقطاعات مياه الشرب على المنازل في بعض الفترات عزز وعي بعض المغاربة بخطورة الوضع الذي يتهدد هذه المادة الحيوية. غير أن ذلك غير كاف في نظر بعض الخبراء، الذين يطالبون المغرب بمراجعة السياسة الزراعية، خاصة وأن هذا القطاع الزراعي يعد أكبر مستهلك للمياه بحوالي 88 بالمائة، وفقا للبنك الدولي.

كما أن اعتماده على زراعات موجهة نحو التصدير يستنزف الثروة المائية للبلاد على حد قولهم: “غياب الحكامة في تدبير هذه المادة الحيوية، وتصدير المياه على شكل فواكه يزيد من إنهاك هذه الثروة. مساهمة القطاع الزراعي في الناتج المحلي تبقى ضعيفة بالنظر إلى الخطر الذي يهدد المياه.”، بحسب أميمة خليل الفن.

وعلى الرغم من التحديات التقنية والتمويل التي تواجهها بعض محطات معالجة المياه العادمة والتحلية، إلا أن هذه المحطات يمكن أن تشكل مصادر حيوية لمياه الشرب والاستعمالات الأخرى، خاصة إذا تمكن المغرب من الاستفادة من تقنية حرق النفايات المنزلية لتوفير الطاقة لتشغيل هذه المحطات، كما هي الحال في إسبانيا، بحسب بعض الخبراء.

المصدر: DWعربية

أعجبك المقال؟ شاركه على منصتك المفضلة..
قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد