“فضائح” الأحزاب تعجّل بضرورة إقرار “ميثاق للأخلاقيات” في البرلمان


إذا كان الدستور المغربي حدد للأحزاب السياسية أدواراً مهمة في “تأطير المواطنين وتكوينهم السياسي وتعزيز انخراطهم في الحياة الوطنية وفي تدبير الشأن العام”، فإن ما تشهده بعض الهيئات الحزبية هذه الأيام يجعلها أبعد ما تكون عن أداء هذا الدور، بالنظر لما تفجر فيها من مشكلات داخلية وصلت إلى درجة “الفضائح”، حسب تعبير ملاحظين، مثلما هو الحال لدى حزب “الاستقلال” و”الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية”.

وللمفارقة، إن هذه الأحداث تأتي بعد شهرين فقط من الدعوة التي وجهها الملك محمد السادس بمناسبة الذكرى الستين لتأسيس البرلمان، إذ شدد على ضرورة “تخليق الحياة البرلمانية من خلال إقرار مدونة للأخلاقيات في المؤسسة التشريعية بمجلسيها (النواب والمستشارين) تكون ذات طابع قانوني ملزم”. وبينما يستعد حزب “الاستقلال” المشارك في الحكومة لعقد مؤتمره الوطني الثامن عشر أيام 26 و27 و28 أبريل المقبل، فقد اختار أعضاء قياديون فيه أن يحوّلوا خلافاتهم إلى مجال للمبارزة والسباب والعنف الجسدي واللفظي، وهي مشاهد يتابعها الرأي العام باستغراب وأسف من خلال المواقع الإلكترونية ومنصات التواصل الاجتماعي.

غليان داخل حزب “الميزان”

بدأت المشاهد بصورة “الصفعة” القوية التي وجهها مسؤول في الحزب نفسه إلى خد زميل له يحمل صفة نائب برلماني، خلال اجتماع حزبي، وتواصلت مع موجة التضامن مع الضحية، والمطالبة بإعفاء المعتدي من مهمته في ديوان رئيس مجلس “المستشارين” الذي ينتمي بدوره لحزب “الاستقلال”.

وما كادت نار هذه الفضيحة تخمد، حتى انفجرت “فضيحة” أخرى تدور حول نور الدين مضيان، القيادي في الحزب نفسه صاحب شعار “الميزان”. وانطلقت “الفضيحة” برسالة وجهها رئيس الفريق “الاستقلالي” في مجلس جهة طنجة إلى الأمين العام، نزار بركة، يخبره فيها بتجميد عضوية القيادي مضيان، بسبب ما سمّاه بـ”الاعتداء غير الأخلاقي والمخالف للقانون” الذي تعرضت له عضو في الحزب نفسه، “بحسب ما توفّر لدى الفريق من معطيات وقرائن، ولم تظهر بعد معطيات أخرى وحجج تطعن في صحتها، وبنفس قوتها”، وفق قول فريق حزب “الاستقلال” في طنجة. وأضاف أنه “تابع باستغراب وأسف شديدين ما تعرّضت له رفيعة المنصوري من ممارسات شاذة وغير أخلاقية من طرف عضو الفريق نور الدين مضيان، مست الشرف والعرض وتجاوزته للابتزاز والتشهير والتهديد”.

القضية لم تتوقف عند هذا الحد، بعد تداول أنباء عن كون المعنية بالأمر، رفيعة المنصوري، وهي برلمانية سابقة، رفعت دعوى ضد رئيس الفريق البرلماني لحزب “الاستقلال” نور الدين مضيان، متّهمة إياه بـ”السباب والقذف والتهديد والابتزاز والمساس بالحياة الخاصة للأشخاص واستغلال النفوذ والتشهير والتهديد بإفشاء أمور شائنة”، وقالت إنه “يوزع تصريحات وادعاءات بين الزملاء في الحزب تمس بشرفي ويتهمني بكوني أجريت إجهاضا نتيجة لعلاقة جنسية معه”، كما أنه ـ وفق تعبيرها ـ “يهددها بمقطع فيديو تظهر فيه عارية وفي وضعيات خادشة للحياء، في محاولة منه لإرغامها على الاستقالة”.

وجه آخر من وجوه حزب “الميزان”، القيادية والوزيرة السابقة ياسمينة بادو، دخلت على خط القضية، وسارعت بإعلان تضامنها “غير المشروط” مع رفيعة المنصوري، داعية إلى “تجميد” عضوية رئيس الفريق البرلماني للحزب. موقف عبّرت عنه من خلال تدوينة، أبدت فيها حيرتها من “صمت” قيادة الحزب إزاء الموضوع، “في وقت كان المفروض أن تجتمع القيادة لاتخاذ القرارات اللازمة والمناسبة”. وأوضحت أن “أول قرار كان ينبغي اتخاذه هو التعجيل بتجميد عضوية رئيس الفريق البرلماني مع استحضار أصل قرينة البراءة”.

وفي رأيها، فقد “أصبح من الضروري اليوم أن نستمع بإمعان وبجدية أيضا إلى معاناة النساء من ضحايا العنف”. وأضافت أن “تجميد عضوية المعني بالأمر هو أقل ما يمكن فعله احتراماً وتكريماً وإنصافاً للمرأة في انتظار أن يقول القضاء كلمته الأخيرة في هذه النازلة غير المسبوقة”. كما تساءلت “أين هي منظمة المرأة الاستقلالية التي من المفروض أن تدافع عن ضحايا العنف من النساء مهما كانت هوية الجاني أو المتهم؟”.

دراسات حزبية بـ 200 مليون

- إشهار -

وفي انتظار الإجابة عن هذا السؤال، وكذا انتظار أن يبتّ القضاء في مدى صحة “التسريب الصوتي” المنسوب إلى البرلماني المتهم بالاعتداء على زميلته الذي بدا مفتخراً بفحولته وبتصوير مغامراته الجنسية مع النساء، تتجه الأنظار كذلك نحو حزب “الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية” المُعارض الذي طالبه “المجلس الأعلى للحسابات” بالكشف عن تفاصيل تخصيص مبلغ مليوني درهم لـ 23 دراسة أسند إنجازها لمكتب دراسات يملكه مهدي مزواري عضو المكتب السياسي للحزب نفسه، وحسن لشكر نائب رئيس الفريق الاشتراكي في مجلس النواب ونجل أمين عام الحزب، وريم العاقد قريبة عضو المكتب السياسي أحمد العاقد.

لم يمر هذا التقرير دون ردود فعل غاضبة، فقد أصدرت “الكتابة الإقليمية للشبيبة الاتحادية” في فرنسا بياناً، قالت فيه إن المجلس الأعلى للحسابات كشف عن “معطيات صادمة تعرّي على ممارسات فاسدة مبنية على المحسوبية والزبونية لجزء كبير من قيادة الحزب والفريق البرلماني”. وبعدما تساءل عما إذا كان ذلك النموذج تجسيداً لـ”تضارب المصالح”، طالب بإنشاء “لجنة تحقيق حزبية مستقلة للنظر في كيفية استفادة بعض الأعضاء من المناصب، سواء في الهيئات المنتخبة أو الاستشارية ومشاريع الدعم والصفقات، بتواطؤ واضح من قبل قيادة الحزب”.

موقف زكّاه بيان ثانٍ أصدرته أربعة وجوه من حزب “الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية”، هم: حسن نجمي وعبد المقصود الراشدي وصلاح الدين المانوزي وشقران أمام، جاء فيه أن عموم المنتمين للحزب ذاته والمتعاطفين الخُلَّص معه يعيشون “صدمة قوية، وذلك إثر ما جاء به التقرير الأخير للمجلس الأعلى للحسابات بخصوص الملاحظات التي تهم حزبنا، في علاقة بالاعتمادات المالية المخصصة للأبحاث والدراسات، وملاحظات المجلس بشأنها، وما صاحب ذلك من نقاش عام يضرب في العمق صورة الحزب ومصداقية قيادته الحالية، ويمس بشرف وكرامة وسمعة المناضلين الصادقين الذين ظلوا مرتبطين بتاريخ الاتحاد وذاكرته وقيمه وتقاليده وأخلاقه الأصيلة”. وسجّل أصحاب البيان استياءهم واستنكارهم الحالة التي وصل إليها تدبير الحزب، “باستفراد الكاتب الأول (الأمين العام) وقلّة من أعضاء المكتب السياسي المعيَّن من قبله، بالقرار والتدبير المالي، في ظل غياب الاجتماعات المنتظمة لأجهزة الحزب التنفيذية والتقريرية.” كما انتقدوا ما سمّوه “الانحراف الفكري والسياسي والتنظيمي والأخلاقي”. ودعوا قيادة “الاتحاد الاشتراكي” إلى تقديم التوضيحات الدقيقة حول كافة الملاحظات التي كشف عنها تقرير المجلس الأعلى للحسابات، وتساءلوا بخصوص ما جاء فيه عن ترتيب كافة الآثار في بعدها القانوني والتنظيمي، وتحمل المسؤولية كاملة في بعدها الأخلاقي.

واعتبر البيان أن “استفراد الكاتب الأول بالقرار يشكل تراجعًا خطيرًا على مستوى الممارسة الديمقراطية داخل الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، خصوصاً أمام عدم علم أعضاء المكتب السياسي نفسه بواقعة الدراسات ونتائجها وتمويلها والمساطر المتبعة لاعتمادها”.

من “الحوكمة” إلى “التحكم”

غير أن حزب إدريس لشكر لم يتأخر في الرد على تقرير “المجلس الأعلى للحسابات” الذي ترأسه القاضية والوالي السابقة زينب العدوي، واصفاً إياه بـ”الأسلوب الغريب الخارج عن القانون”. وتحت عنوان “حتى لا تتحول مجالس الحكامة إلى آلية للتحكم”، كتب في افتتاحية نشرتها صحيفته اليومية: “إن تقييم المجلس الأعلى للحسابات للدراسات والأبحاث التي قام بها الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، فضلاً عن كونه لا يندرج ضمن صلاحياته المنصوص عليها في قانون المحاكم المالية، فيه انتهاك صارخ لحرية الحزب في ممارسة أنشطته وإنجاز الدراسات والأبحاث المرتبطة بعمله الحزبي والسياسي”. وأضافت الافتتاحية: “كان على المجلس الأعلى للحسابات أن يحترم حدود صلاحياته الممنوحة له بموجب القانون التنظيمي المتعلق بالأحزاب السياسية ومدوّنة المحاكم المالية، والاقتصار فقط في مزاولة مهامه على التأكد فيما إذا كان الدعم الممنوح قد خصص للدراسات والأبحاث الحزبية والسياسية وليس لغرض آخر، دون أن ينتهك الحماية الدستورية لحرية الأحزاب السياسية في ممارسة أنشطتها من خلال تقييمه لهذه الدراسات والأبحاث”.

واعتبر حزب “الاتحاد الاشتراكي” أن “هذه الممارسة الجديدة التي أراد المجلس الأعلى للحسابات نهجها في علاقته بالأحزاب السياسية، تنتهك الدستور خاصة في حمايته لحرية الأحزاب السياسية في ممارسة أنشطتها؛ الأمر الذي سيؤثر على وظيفتها الدستورية في تأطير المواطنات والمواطنين وتكوينهم السياسي وتعزيز انخراطهم في الحياة الوطنية”.

المصدر: “القدس العربي”

أعجبك المقال؟ شاركه على منصتك المفضلة..
قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد