رئيس الحكومة المغربية “كذاب”.. وماذا بعد؟
حاولت أن أتفادى التعليق على الكلمة الأخيرة للأستاذ عبد الإله ابن كيران في حق رئيس الحكومة عزيز أخنوش، ولكن مضمون كلمته ووقتها وأسلوبها يفرض إبداء الرأي حولها، ولو باقتضاب شديد..
فرغم القسوة الشديدة التي تميزت بها كلمته في حق أخنوش إلى درجة أنه وصفه ب«الكذاب»، وهذا أمر في منتهى الخطورة، حيث وصف رئيس الحكومة سابق رئيس الحكومة حالي بأصعب وصف يمكن أن يستعمل في مجال تحمل المسؤوليات الدستورية والسياسية، ورغم أن جل ما قاله ابن كيران له وجاهته ويحتمل الكثير من الصواب.. إلا أنه في نظري المتواضع جاء في الوقت الضائع للزمن السياسي.. كيف ذلك؟
فأن يتم وصف رئيس الحكومة بالكذاب؛ فهل يمكن اعتبار هذه الكلمة مجرد شتيمة عابرة؟ أم شعار سياسي للمرحلة القادمة؟ أم هي موقف سياسي له ما بعده؟ أم ماذا؟ وما الذي يجب أن يترتب على هذا الوصف من الناحية السياسة؟ سواء من جهة ابن كيران، أو من جهة أخنوش؟ وما هي الإجراءات السياسية المواكبة لهذا الوصف؟ هل سينتهي الأمر عند هذا الوصف؟ أم سيتطور الأمر إلى الدخول في مرحلة جديدة من ممارسة المعارضة؟ وهل هناك تصور واضح للشكل الجديد لهذه المعارضة في حالة اعتمادها فيما يُستقبل من الزمن السياسي الضائع؟ أم ستحتفظ بشكلها الحالي (معارضة كلامية، أو معارضة الملاسنات)؟
ومن أشد ما وصف به ابن كيران غريمه أخنوش، بأنه «لا يساوي شيئا» في السياسة، لأنه بلا نضال ولا تاريخ ولا رؤية سياسية، ولا أي شيء.. فلقد جيء به كي يملأ الفراغ ويقوم بدور محدد، وبعد أن نسب ابن كيران هذا الدور إلى أخنوش نفسه دون تدخل من أي جهة، عاد واستدرك مباشرة ليوضح أن جهة ما هي التي تدفعه وتوجهه وتقترح عليه وتقوم بتوريطه للقيام بهذه الأدوار، وهنا مربط الفرس، وأمر مهم يجب الوقوف عنده..
بتتبع مسار أخنوش السياسي، فيمكن ملاحظة أنه مر بثلاث مراحل كبرى:
المرحلة الأولى كان فيها فعلا «لاشيء»، وذلك في عهد البصري، حيث كان دون مستوى التلميذ بين يدي هذا الأخير، عندما يقف بجانب وزير الداخلية القوي إدريس البصري تجده مثل الحمل الصغير يبحث له عن مكان بين الخراف الكبيرة، يتعثر بين حوافرها لعله يجد موطئ قدم.. هكذا كانت مرحلته الأولى في عهد أقوياء المخزن، لا شيء، اسما نكرة، وصبيا يتجول تائها في أزقة المخزن الاقتصادي معتمدا على رصيد أبيه المالي في انتظار التحول المنتظر والفرصة المناسبة..
المرحلة الثانية أصبح فيها «نصف شيء»، وللأسف كان ذلك بمساعدة ابن كيران نفسه، عندما اقترحه على الملك كي يتولى إحدى أخطر الوزارات، ولطالما كان طيلة هذه مدة موضوع ثناء وتقدير لابن كيران.. مستحسنا أداءه في الوزارة التي كان يتقلدها في عهده.. بل كان «مدللا» من طرف ابن كيران الذي صرح بذلك بنفسه «أخنوش ولد الفشوش» على حد تعبير توفيق بوعشرين فرج الله عنه وعن كل معتقلي الرأي، وخلال هذه الرحلة استغل ابن كيران في أكثر من مناسبة، وليس مرة واحدة فقط كما أخبر بذلك ابن كيران، الأولى عندما أذن له باستخلاص ثمن فاتورة بمبالغ ضخمة تخص الوقود خارج أجلها القانوني، ودون التقدم بأي دليل أو بيانات قانونية تبرر صرف تلك الفاتورة، والثانية تتعلق بالسطو وسرقة اختصاص التوقيع على ميزانية صندوق التنمية القروية، والذي فضح هذه العملية الصحافي المعتقل توفيق بوعشرين، ليتم الانتقام من هذا الأخير شر انتقام، والثالثة التخطيط للاستفادة من إلغاء صندوق المقاصة المتعلق بصرف الدعم على الوقود.. وغير ذلك من المناسبات، فالتساهل الذي تعامل به ابن كيران مع أخنوش مكن هذا الأخير من تمديد أذرعه في بنيات الدولة، وشجعه على المزيد من التوسع والتحكم في المشهد السياسي الذي كان أول ضحاياه ابن كيران نفسه، وكذا التحكم في الحياة الاقتصادية الذي كان ضحيته الشعب المغربي..
والمرحلة الثالثة هي التي أصبح فيها جزءا مهما ضمن من لهم «كل شيء» في الدولة، وذلك في عهد العثماني (أي ضمن بنية الدولة العميقة، التي يسميها البعض بالبنية السرية)، خلال هذه الفترة توفرت عدة شروط كي يستقوى على الجميع، بعد أن حقق هدفه بإخراج ابن كيران من الحكومة وإضعافه سياسيا وتنظيميا داخل حزبه، وتحقيق شرطه من أجل تشكيل الحكومة الثانية، فأخذ بالتلاعب بأثمنة المحروقات وفق مصالحه وأهوائه، وخاض حملة شرسة ضد كل معارضيه الذين زج بمعظمهم في السجون، وصنع كتيبة من الصحافيين للتسويق له شخصيا بعد تعرض شركته للمقاطعة الشعبية، ثم جاءت جائحة كورونا ليستغل فيها الشعب المغربي أبشع استغلال بتواطئ واضح مع وزير الصحة ووزير الداخلية ووزير الاقتصاد والمالية.. مستغلا فراغا كبيرا تزامن مع غياب الملك خارج البلد.. فخلال هذه الفترة أصبح جزءا وازنا ضمن بنية الدولة، بعد أن كان شخصا يُسير من وراء الستائر وبخيوط غير مرئية، وارتقى خلال فترة وجيزة إلى أحد أكبر المؤثرين في القرار السياسي، وأحد أكبر النافذين الأقوياء في بنية الدولة وضمن كبار مربع المخزن الاقتصادي والسياسي..
والآن نعود للسؤال الأساس، إن عزيز أخنوش كذاب، ماذا بعد؟ وما هو دور الحزب وأعضاءه بعد إعطاء هذه المعلومة المعروفة عند جميع المغاربة؟ ماذا بعد أن يحفظ مناضلو الحزب كل بلاغات وبيانات الحزب عن ظهر قلب، ويقومون باستظهارها بسلاسة في كل مناسبة؟ هل سيجعل منهم ذلك زعماء سياسيين؟ هل الصواب أن يحفظوا البلاغات والبيانات؟ أم أن تكون لهم رؤية إصلاحية واضحة، وفكر نقدي شجاع، وروح نضالية مقدامة؟ هل الفكر السياسي يكون بالحفظ والاستظهار أم بالدراسة والنقاش والنقد والمراجعة المستمرة والمتجددة؟ هل النضال السياسي نضال انتقائي يهم قضايا دون أخرى (مدونة الأسرة، القضية الفلسطينية)؟ أم هو نضال شمولي عام يشتمل أيضا قضايا الحريات وحقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية وكرامة المواطن ومواجهة السلطوية؟ ما هو موقف الحزب ومناضليه من الاعتقالات السياسية، وتدمير أحياء برمتها وتهجير سكانها دون إنذار أو تعويض؟ ماذا عن محاربة الباعة المتجولين دون بدائل؟ ماذا عن تأخر إعادة إيواء ضحايا الزلزال؟ من المسؤول عن كل هذا؟ وهل هذه المشاكل الاجتماعية تعتبر خارج اختصاص واهتمامات الحزب ومناضليه؟
لم يعد أحد يشك في افتقاد الحكومة الحالية للشرعية والمشروعية، بعد أن ولدت من رحم انتخابات مشكوك في نزاهتها، بدءا من قوانينها المؤطرة ومرورا بالحملات الانتخابية، وانتهاء بيوم الاقتراع ونتائجه.. وكما تؤكد القاعدة الفقهية والقانونية، ما بني على باطل فهو باطل، ورغم تطهير خروقات العملية الانتخابية بالاستقبال الملكي وتعيين رئيس الحكومة (كما يقوم قاضي التحقيق بتطهير مسطرة الضابطة القضائية حالة وقوع خروقات فيها)، فإن ذلك لا يلزم حزب العدالة والتنمية من الناحية السياسية، بعد أن صرح قادته غير ما مرة بوجود شبهة غياب النزاهة فيها وفي نتائجها.. وتأكد كل ذلك في جميع الانتخابات الجزئية التي حمل الحزب إلى مقاطعة إحداها ليقينه بزوريتها.. فهل من الصواب سياسيا أن يستمر الحزب ضمن مؤسسات تمثيلية مع علمه بزوريتها؟ ألا تعطي المشاركة فيها نوعا من المصداقية والاعتراف العملي بنزاهة العمليات الانتخابية؟ ما هو القرار السياسي المناسب الذي يتماشي مع التشكيك في الانتخابات، وبأنها تحوم حولها شبهات التدخل والتزوير؟
قطعا إن رئيس الحكومة الحالي له مسؤولية عظيمة فيما وصل إليه المغرب حاليا من تدهور وأزمات اقتصادية واجتماعية، ولكن هل هو وحده من يتحمل مسؤولية ذلك؟ أم هناك جهات أخرى تتحمل هي الأخرى جزءا عظيما من المسؤولية؟ متى سيتم توجيه بوصلة النضال في الاتجاه الصحيح؟ الجواب عن هذا الأسئلة بشجاعة سياسية هو ما سيحدد ما إذا كان الحزب سينجح في مهمته أم سيظل رقما حزبيا ضمن باقي الأرقام.. فلنكن واضحين!