هل كرة القدم أول رياضة شعبية في العالم أم أفيون للشعوب ؟
منذ نشأة كرة القدم قبل أزيد من 2500 سنة قبل الميلاد في الصين القديمة ومايناهز 600 سنة ق.م عند اليونانيون واليابانيون وفي بلدان أخرى قبل مئات السينين من الميلاد .إلا أن ظهور اللعبة في شكلها الحالي الممارس اليوم كان في إنجلترا سنة 1016 م وكان بمثابة احتفالية بإجلاء الدنماركيين من بلاد الإنجليز؛ حيث لعب الإنجليز فيما بينهم ببقايا جثث الدنماركيين كتشبيه أولي بالكرة وكنوع من الإنتقام وإظهار القوة تجاه أعدائهم الآخرين؛ ومع مرور الوقت تم منع ممارستها “الكرة” بمرسوم ملكي مع معاقبة من يمارسها بالسجن .
وبعد سنوات من الغياب ظهرت من جديد بشكل رسمي في المدارس الإنجليزية وبالضبط سنة 1710 م، وأخدت في الإنتشار والتوسع حتى شملت كل بقاع الأرض لتصبح بعد ذلك الرياضة الأكثر شعبية في العالم وتتحول إلى أفيون جديد للشعوب والدول على حد سواء، وأصبحت تلهم الصغار والكبار وكل الفئات العمرية بالعالم، في البيوت والمقاهي والحانات.
كرة القدم جعلت العامة من الناس تتابع المباريات وأخبار بورصة اللاعبين فكل يوم تزداد شعبية واضحت هوية وعقيدة ملأت الدنيا ضجيجا وشغلت الناس عن مصالحهم الحقيقية.
كرة القدم تحولت اليوم إلى نمط ثقافي ومسار جديد يحدد مسيرة تطور المجتمعات، كما تمثل قفزة في نظام تشكل قبل ظهور العولمة مع النظام الرأسمالي ومازال يرافق مستوياتها المتقدمة والغارقة في التوحش والمليئة بالفوارق الإجتماعية حتى اللحظة، بتواز مع تمهيد الطريق أمام الحكام والسياسيين لتوجيه مشاعر الناس العاديين نحو المستطيل الأخضر ومشاهدة المباريات وتشجيع الفرق، هذا الأخير لم يعد ممارسة بريئة يقوم بها أشخاص معينين لمجرد إعجابهم بفريق أو نادي معين بل الأمر تجاوزه إلى التعصب وممارسة العنف بكل أنواعه تجاه الخصم الذي يشجيع فريقا أخرا مما أفرز ماسمي بالإلتراس، هذه الأخيرة حلت محل الحزب والنقابة وكل التنظيمات الكلاسيكية، وهذا إن دل فإنما يدل عن ما يعيشه الجمهور من مكبوتات نفسية تراكمت عند الشخص المتفرج وأصبح يفرغها في المدرجات والمقاهي وحتى في مقر عمله أحيانا أخرى كإفراز عن العجز في الممارسة الفعلية تجاه متاعب العمل والإرهاق اليومي والظلم الإجتماعي المتولد عن أوضاع إقتصادية وسياسية صعبة مع تدني منسوب الوعي الطبقي الكفيل بتوجيه الناس إلى بر الأمان .
وفي السياق نفسه عمل الفيلسوف والمفكر الفرنسي “بول ريكور” على فضح وظائف الإيديولوجيا في قدرتها على قلب الحقائق بتشويه الواقع وتبرير الإختيارات الخاطئة لكل دولة بمنحها مشروعية كونية بإدعاء أن العالم كله يعشق اللعبة المستديرة حيث أصبح إدماج أفيون الكرة ضمن الأولويات والإختيارات الأولية للشعوب، حتى وإن كانت المدارس شبه مغلوقة والمستشفيات في حالة شبه مشلولة والخدمات الإجتماعية متوقفة ولهيب الأسعار حرق جيوب المواطنين والمواطنات.
إنه مشروع إستراتيجي جديد/قديم للتحكم في الشعوب بهدف تكريس ثقافة الجهل والخنوع وترويج التفاهات…
إنها الحرب الناعمة التي تطلق العنان لكل مشاعر الفرح والغضب ولها القدرة على التوحيد والتفريق ونشر العداء بين الشعوب حيث تجاوزت منطق الفرجة والمتعة وتحولت لصناعة وتسويق الرأي العام على المستوى الدولي حسب مقاسها المعتمد في القياس والإستهداف، فكل مصدر للإلهاء والتخدير يساهم لامحالة في ضمان سلم الشارع على حساب هموم ومشاكل الناس المختلفة .
ما نشهده من تسابق دولي على تنظيم كأس العالم أو المنافسة للمشاركة فيه كأضعف تقدير له ما يبرره عند أصحاب القرار وهو إبعاد المواطن عن قضاياه الأساسية “التعليم، الصحة، التشغيل، الخدمات الإجتماعية الأخرى” وتمرير ماعجزت عنه دولة البلد المنظم/المشارك في كأس العالم بهدف تسهيل تنزيل مخططات ليبرالية متوحشة وفرصة أيضا لإخفاء الصورة البشعة التي تشكلت بتراكم الفساد والريع وسوء الوضعية الحقوقية بالبلاد.
فمنذ تنظيم أول نسخة لكأس العالم بأوروغواي سنة 1930 والدول المنظمة له تستعمله وسيلة للتنفيس عن وضعها الداخلي المحتقن و كنوع من التحايل السياسي تجاه الشعب وجعله ينخدع بمساحيق التجميل التي توفرها السياسة الكروية، والمؤلم ليس في تنظيم المونديال بل في حجم السخاء والإنفاق المهول الذي يفوق إمكانية الدولة المنظمة إقتصاديا وثقافيا، عكس ذلك عندما يتعلق الأمر بتوفير الخدمات الأساسية وتحسين ظروف عيش السكان، بحيث يتحول السخاء.