شقيقة إدوارد سعيد تستعيد ذكرياتهما وماضي القدس وفلسطين


يبدو أنها ليست مصادفة أن يخرج كتاب “جدتي وأمي وأنا.. مذكرات 3 أجيال من النساء العربيات” في هذا الوقت بالذات، إذ يؤسس طريقاً لوطن مطبوع بخرائطه ومدنه وشعبه وحكايات أبنائه، مستحضرا مفاتيح العودة التي تحفظها الجدات في القلوب.

    يمكنكم الاشتراك في نشرتنا البريدية للتوصل بملخصات يومية حول المقالات المنشورة على الموقع

    الاشتراك في النشرة البريدية

    وفي ظل الحرب الإسرائيلية على غزة، يأتي كتاب المؤلفة جين سعيد مقدسي ليضرب بقوة على أوتار الذاكرة الفلسطينية، مرددا أصداء الانتماء لتعزيز رواية الفلسطينيين حول الارتباط بالأرض واستمرار مقاومة الاحتلال.

    وتأتي الترجمة العربية لكتاب المقدسي، شقيقة المفكر الفلسطيني الأميركي الراحل إدوارد سعيد (1935 – 2003)، وسط تحديات الإبادة والقتل والتدمير لتُذكرنا بحياة الفلسطينيات قبل نكبة 1948 وبعدها، وتظهر بطولة المرأة الفلسطينية، وهي تغرس جذورها عميقة في الأرض، وفي الخلفية تبرز صور أخرى عن بهاء مدن فلسطين قبل الاحتلال الإسرائيلي وطبيعة ما كانت تنعم به العائلات الفلسطينية من استقرار قبل إعلان قيام إسرائيل.

    مذكرات جين سعيد المقدسي -التي درست في الجامعة اللبنانية الأميركية- تعد رحلة للتواصل عبر الأجيال، وبحثا تاريخيا وفعلا تشاركيا يمد خيوط تاريخ وثقافة النساء، متجاوزاً حدود النص نحو ترسيخ الهوية عبر العلاقة مع الآخر كما يعبر عن وعي عميق بتواصل الأجيال وإعادة تركيب الماضي واكتشافه في نص يمثل نسيجا واحدا بألوان متعددة جاءت من فكرة الامتداد العائلي.

    وأهمية هذا الكتاب تبدو في جدية منهجه، والتزام الكاتبة بالإبحار في الخاص والوغول به في قلب العام، بما قد يعتبر رؤية جديدة في كتابة السيرة الذاتية، لا تقل أهمية عما كتبه شقيقها إدوارد سعيد صاحب “خارج المكان”، من خلال كتابة مغايرة، وكأن المؤلفة تقول إنها ما زلت هنا “في قلب المكان” رغم أن من تكتب عنهم جميعا عاشوا وماتوا تقريبا في المنافي، إلا أن الحبل السري يربطهم جميعا بالقدس وفلسطين.

    والكتاب ليس مجرد سردية للذكريات والروايات العائلية، وإنما هو مذكرات تتناول تجارب الحياة الشخصية في سياقها التاريخي والسياسي والاجتماعي على اتساعه، لتقدم في النهاية تاريخا غير رسمي للمنطقة العربية وتاريخها منذ الإمبراطورية العثمانية وحتى القرن الحالي، وبامتداد العالم العربي.

    شهادات موثقة

    يحمل الكتاب دفاعا قويا عن التاريخ الضائع، والجغرافيا المغتصبة، ويعيد الاعتبار للنسوية العربية بعيدا عن الفكرة “البالية” بالادعاء بظلم المرأة، بل تتجاوز جين سعيد المقدسي حيز الكتابة التقليدية عن الذات وإنجازاتها الشخصية، لتجمع بين البحث التاريخي والتقصي الذاتي، ويبدو ذلك جليا من خلال الإطار العام للكتاب الذي بلغت صفحاته 370 صفحة، حيث تقسمه إلى 4 أجزاء أساسية هي: جدتي في التاريخ، عالم أمي، نساء معاً، أمي وأنا، وتؤطرها بـ”افتتاحية موسيقية” وتختتمها بما تطلق عليه “المقطوعة الختامية”.

    وتكشف مقدسي في صفحات الكتاب الأولى عن رحلة ومسار الكتابة التي دامت لسنوات طويلة تجاوزت 20 عاما، أما التفكير في الكتاب فقد تجاوز النصف قرن تقريباً، مؤسسا للعلاقة بين الأجيال الثلاثة من النساء، حيث ينطلق مشروعها من نية استكشاف حياتها باعتبارها امتدادا لتجارب وحياة والدتها وجدتها من خلال حكايات 3 نساء من أجيال متتالية يشكلن امتدادا عائليا وتاريخيا، وتلتحم رواياتهن فيما يشبه ثوبا ملونا يبدأ مع الجدة “منيرة” ثم يتضافر مع الابنة “هيلدا” وأخيرا الحفيدة “جين” التي تمسك بزمام كل تلك الخيوط وتكون منها ذلك العمل الفني البديع.

    ولا تكتفي الكاتبة -مؤلفة “شتات بيروت: مذكرات حرب 1975-1990”- بسرد ذكرياتها وحكايات جدتها ووالدتها، بل كان توثيق المذكرات هو أهم درس تعطيه للأجيال المقبلة، بأن الذكريات ليست سرديات تذروها رياح النسيان، بما تحمله الذاكرة وما تغفله بمرور الزمن والتجربة الذاتية، بل يمكن أن تكون جزءاً أصيلا من الحقيقة والتاريخ.

    ما فعلته المؤلفة أنها استندت في مذكراتها إلى العديد من المصادر التي توردها بالتفصيل في نهاية الكتاب التي تجمع بين المصادر الرسمية وغير الرسمية، حيث تشير الدراسات التاريخية والوثائق الرسمية التي اطلعت عليها إلى استيعاب التاريخ السياسي للمنطقة عبر عشرات السنين، عن سوريا وفلسطين التاريخيتين والاستعمار الفرنسي والبريطاني، واستعانت بالوثائق المحفوظة في المؤسسات الدينية والتعليمية والإرساليات الأجنبية في صياغة الخلفية التاريخية والسياسية لحياة العائلة ونسائها.

    وتتحدث في مستهل المذكرات عن تفاصيل الكتابة، ويتضح أن نزعتها الأولى لم تكن نحو كتابة سيرة ذاتية، بل سيرة محبة مزدوجة لهاتين المرأتين الجدة والأم، كما تقول المترجمة في مقدمتها الإضافية، وذلك بالتأكيد على موقعها ضمن السلسلة الممتدة من التاريخ والتراث النسائي العائلي، ورغم أنها أرادت أن تكتب سردية شبه روائية، فإنها وجدت نفسها مضطرة للتعامل مع التاريخ بكل حقائقه وخيالاته، لتتحول بالتالي كتابة المذكرات إلى عملية بحث وتأويل وتمثيل.

    وفي تقديم المؤلفة للكتاب في طبعته العربية أصرت أن تضع اعتذارا عن عدم الكتابة باللغة العربية، من خلال تفسيرها علاقة “اللغة بالتاريخ”، وتقول “اللغة العربية هي لغة قلبي ولغة روحي، هي اللغة التي تربطني بماضيّ، بفلسطين ومصر ولبنان حيث أعيش، تربطني بوالدي ووالدتي وجدتي، وتربطني بالنضال في سبيل التحرر والحرية التي تمنحني الأمل والأحلام والسعادة، كما تربطني بأبنائي وأحفادي وسعيهم لتعلم اللغة العربية والارتباط بها وحبها مثلما أحبها أنا”.

    وكان إحساسها بالتمدد الإمبريالي واضحا منذ البداية، وهي تؤكد أنه رغم ضعف لغتها العربية، فإن انتمائها للعروبة والهوية العربية لم تنل منه الأحداث يوما، تقول: “كنت واعية ومدركة إدراكا حميما لمعنى الإمبريالية تحديدا، الذي صرت أستشعره مع تزايد وعيي السياسي، وكانت جهود والدي ووالدتي المتواصلة وإصرارهم على الاهتمام بلغتنا العربية قد أثارا وعيي بتلك المشكلة، وبعد حرب السويس تعلمت من عبد الناصر المعنى الدقيق للتحرر من الاستعمار، إذ تغيرت أسماء الشوارع والميادين لتعكس تاريخ مصر وأبطالها بدلا من أسمائها الأجنبية”.

    كتابة لإنقاذ الذاكرة

    تروي المؤلفة فكرة اهتمامها بالكتاب، فتقول “بدأت التفكير في الكتاب، عندما رأيت جدتي لأمي، منيرة بدر موسى، وقد أخذت في الوقوع في براثن ضعف الذاكرة التي سحبت النور من أيامها الأخيرة، وكانت والدتي هيلدا موسى سعيد، في تلك الفترة تعيش أولى سنواتها كأرملة، وكبر أطفالها وارتحلوا وتركوها لتعاني مرارة فراغ عشها، وقررت يوما أن أكتب عن حياة جدتي ووالدتي، وعن حياتي، كتابة تقوم على الدراسة والمقارنة والتأمل، وعندما توفيت جدتي في عام 1973، ازداد إصراري على ذلك وقد عمقه الحزن عليها، وعندما قامت الحرب الأهلية في لبنان وبعدها بعامين ازددت إصرارا”.

    وأثناء الحرب اللبنانية، تكمل مقدسي “حين أخذ عالمنا ينهار فوق رؤوسنا، في هذا الوقت صار للذاكرة الملموسة والدائمة أهميتها البالغة، وبدأت الإلحاح على أمي والضغط عليها لكي تكتب ذكرياتها، ووافقت على تسجيل ذكرياتها على الورق، وخلال عدة شهور من الكتابات المتقطعة، ناولتني كراسة ذكرياتها مكفهرة معلنة أنها لن تكتب شيئا بعد الآن، واحتفظت بالكراسة وسط أشيائي الثمينة العزيزة، ولم أقرأها إلا بعد انتهاء الحرب، وبعد مرور عدة شهور على وفاتها. ومن الصفحة الأولى عادت أمي إلى الحياة مثلما عاد إليها موتاها في أثناء الكتابة، والدها وزوجها وإخوانها وأمها”.

    وتشرح “أمها أو جدتي التي كنت أتذكرها تحتفظ بقاعدة بيانات كبيرة بشأن من ترك فلسطين ومتى، وهل حدث ذلك أثناء أم بعد حرب 1948 التي أدت إلى تهجيرهم هي وأبناؤها وبنتها، وكانت تعرف أين يعيش كل فرد من دائرة معارفها الواسعة، وأين انتهى بهم الأمر كلاجئين”.

    وتحكي المؤلفة “امتدت حياة جدتي عبر عصر شهد تغيرا وصراعا ثقافيا هائلاً، وتقلبات اجتماعية وسياسية في المنطقة المعروفة ببلاد الشام، أي سوريا التاريخية التي ضمت فلسطين وسوريا ولبنان والأردن، وفي مصر التي حملها مصيرها إليها، فقد ولدت في عام 1880 في مدينة حمص السورية، حيث كان والدها أول قس عربي راع للمجتمع البروتستانتي الناشيء في بلاد الشام، والتحقت بمدرسة بروتستانتية في بيروت لإعداد المعلمات، وفي 1905 تزوجت جدي، شكري موسى، الذي ترجع أصوله إلى مدينة صفد في شمال فلسطين، ثم انتقلوا إلى أميركا ليعود الجد قسا في الكنيسة المعمدانية ليعيشوا في مدينة الناصرة -مدينة الرب- كما كان يسميها”.

    وكتبت مقدسي أن جدتها كانت شاهدة على الحرب العالمية الأولى “التي جلبت الخراب على المنطقة”، وفي الستينيات من عمرها شهدت الحرب الثانية بخسائرها، وعندما قامت حرب فلسطين 1948 “شهدت قيام دولة إسرائيل على أنقاض وطنها وبيتها، وشاركت في تجربة المنفى مع أسرتها إذ تبعتهم إلى القاهرة وعمان ورام الله ثم أخيرا إلى بيروت حيث توفيت في يوليو/تموز 1973 وهي في الـ93 من عمرها”.

    - إشهار -

    أما عن أم جين وإدوارد، كتبت المؤلفة تقول إنها شهدت هي الأخرى زمانا غير عادي وغير مستقر، فقد مرت حياتها بأحداث إعادة رسم خرائط المنطقة والعالم، ونقل الشعوب وزعزعة الثقة في منطقتها من خلال مواقف مرعبة وتغيرات مربكة في التوقعات وأساليب الحياة والأخلاق والعادات والأعراف.

    “إدوارد المشاكس الوسيم”

    وتتذكر المؤلفة أشقاءها وأقاربها وبيتهم في القدس وحفلات الزواج والكنيسة والشوارع والدكان القديم، وتقول “أن أكون من القدس، وأن أكون فقدتها، يعني ارتباطي بالنضال من أجل فلسطين، ومن ثم ارتباطي بقلب التاريخ العربي، ونظرا إلى أني كثيرا ما شعرت باستبعادي من النضال السياسي، فإنني أتمسك بهذه الذكريات، شاعرة بأني في حفاظي على الزمان والمكان الضائع أقوم رغم كل شيء بمساهمة ما، مهما كانت ضئيلة”.

    وتتحدث عن حياتها في القاهرة التي بدأت مع 1948 وحتى بداية الستينيات، وعلاقتها بأفراد الأسرة، ودور أبيها وشقيقها الذي لم يكن يتعدى حدودا معينة داخل البيت إذا ما قيس بدور وسيطرة الأم التي كانت كثيرا ما تردد الأغنية الإنجليزية للمقارنة بين الأولاد والبنات “صُنع الصبيان من الضفادع والحلزون / وأذيال الكلاب الصغيرة / وصنعت الصبايا من السكر والبهار / وكل الأشياء اللطيفة”.

    ورغم ذلك نراها تتحدث عن شقيقها إدوارد (المفكر الراحل إدوارد سعيد) بحميمية وتقول: “مع إن إدوارد كان يقع في كثير من المشكلات بسبب شقاوته، فإنهم كانوا يتقبلون شقاوته بشيء من الإعجاب، أما أنا وأخواتي البنات فكان يتم تشجيعنا على السلوك اللطيف، ومع إن إدوارد كان يشاكسني بلا رحمة خلال طفولتي، بل وحتى عندما انتقلنا من الطفولة إلى الشباب، فإنه صار بالنسبة لي أيضا مثل والدي، وربما بتوجيه جزئي من والدي ووالدتي أصبح مثالا للرجولة، كانت عبارة “أخوكِ” تتردد أصداؤها عبر سنوات طفولتي وبداية شبابي، وتكاد تعلن دوما عن الفخر بإنجازاته ووسامته”.

    وتحكي ذكرياتهما وتقول “كان دائما يثير ضحكي إذ يشاكسني، مما كان يجعلني بشكل ما أستمتع بتلك المشاكسة، فكانت لديه تلك العادة المزعجة حيث ينطلق نحوي فجأة من وراء أبواب مغلقة مطلقا صيحة مرعبة أشبه بصيحة طرزان، التي اتخذها كصيحة خاصة به منذ زمن طويل، أو كان يقفز من تحت الأمواج على شاطئ البحر، أو يرشني بالماء إذ يدير ذراعيه في مياه حمام السباحة، فيتناثر الماء على وجهي حتى أكاد أعجز عن التقاط أنفاسي، كان يكاد يقتلني من الخوف، ولكني ما كنت أقبل بأقل من ذلك، وكنت أستمتع دوما باهتمامه بي، وكان يدعوني على مدار سنوات طفولتي “شريمب/ shrimp” أي جمبري، وهي الكنية التي كنت أتقبلها كتعبير عن المحبة لا كإشارة إلى قصر قامتي”.

    ومع توالي سنوات عمرهما، تكمل مقدسي، “أخذ إدوارد يهدأ منتقلا من شقاوته الأسطورية في طفولته إلى ما صار إليه في شبابه، وسرعان ما بدأت إمكانياته في الظهور، ومهارته في النضوج، وصرت أقيس نفسي مقارنة به، وإنجازاتي أو غيابها مقارنة بإنجازاته، وربما كانعكاس للعلاقة القائمة بين والدينا، بدأت أعتبر أن من واجبي مساعدته في كل ما يفعله، فلم يكن للمنافسة بين الإخوة مجال في علاقتنا، ولم تظهر إلا في فترة لاحقة ومن ناحيتي، لتظل مكبوتة أحيانا، أو تنفجر في شكل ضغينة نسوية أحيانا أخرى”.

    “وفاة إدوارد كسرت قلبي”

    تروي جين لمحات من حياة شقيقها، وتقول “كان إدوارد أكبر مني بـ5 سنوات، وهو فارق هائل خلال سنوات الطفولة، كان هو الفاعل وأنا المشاهدة والمساعدة، والمصفقة والمهدئة، كانت مهمتي أن أشاهده وهو يلعب التنس، وأن يقتصر دوري على جمع الكرات، وبإعجاب بالغ كنت أصفق له على ضربة “اللوب” التي يضربها فوق خصمه”.

    وتصف جانبا من حياته فتقول “مع نمو مهاراته في اللعب على آلة البيانو، صرت أقوم بمهمة قلب صفحات النوتة الموسيقية، وتحديد عندما صار قادرا في مراهقته على عزف المقطوعات الكبرى الصاخبة، مثل مقطوعات سوناتا بيتهوفن ومقطوعات بولونيز شوبان”.

    وتروي “كنت أتتبع إدوارد في غابات ضهور الشوير (في لبنان) عندما كان يذهب إلى الصيد فيها، وبمرور الوقت، ونمو إدوارد الذي صار يشبه أبي كثيرا، وقد تعلم دروس الانضباط والاعتماد على الذات، لكن أهم تلك الدروس التي تعلمها من أبي هو درس الشجاعة ومواجهة أصحاب السلطة وتحديهم إذا رأى أنهم مخطئون أو ظالمون، وكان يتمتع بنفس حس الفكاهة الطفولي وبنفس الإحساس بحب الحياة الذي كان لدى والدي”.

    ورغم أنهما على مدار السنين عاشا في قارات مختلفة “وكانت تمر أحيانا عدة شهور دون لقاء بيننا، ورغم أننا كنا نختلف أحيانا، فإننا كنا دائما نحافظ على التواصل فيما بيننا، ورغم إنجازاته الواسعة وشهرته الكبيرة رفعته إلى مساحات أعلى في الحياة، فإن علاقتنا ظلت مبنية على أسس حميمية طفولتنا المشتركة”.

    وتردف “ظل إدوارد بالنسبة لي بعد والدي، ومع زوجي (الاقتصادي والوزير اللبناني السابق سمير مقدسي) وأبنائي معيار الرجولة، وكان لوفاته (عام 2003) وقع أليم كسر قلبي، كأنما المرآة التي نشأت معتادة على رؤية نفسي فيها وانعكاس إمكانياتي غير المتحققة فيها قد انكسرت، ولم يبق سوى فراغ، فجوة في الحائط حيث كانت المرآة معلقة”.

    مراجعة فكرية

    وتعترف المؤلفة أن مفهومها عن الحداثة كان زائفا، وتقول “علمت خطأ العديد من آرائي المسبقة مثل مفهومي للحداثة كنقيض للتراث، وخاصة عند تطبيقه على حياة جدتي ووالدتي، كان مفهوما غير صلة بالموضوع إن لم يكن زائفا زيفا تاما، فقد امتزج الماضي الآن مع الحاضر، والموتى مع الأحياء، كنت أظن أنني سأعيد اكتشاف حيواتهم، ولكني أدركت أن ما كنت أقوم به هي عملية اكتشاف، وهي عملية مختلفة تماما، كانت العملية أشبه بتجربة كشف أثري، لم يكن لدي أية فكرة عن وجودها أصلا”.

    وتتابع “مع وصولي إلى نقطة النهاية كان ماضي كل من جدتي وأمي صار يخصني، كما صار ماضيّ أنا يخصهما، فمن خلال فهمي الجديد لحياتهما، أصبحت حياتي في نظري أقل غشاوة، وأقل انفصالا عن حياتيهما، شعرت بأني أقل احساسا بالاغتراب، وأكثر اتصالا بالعالم، وأكثر راحة وسلاما مع جدتي ووالدتي ومع نفسي والعالم الذي أعيش فيه”.

    وتخلص إلى أن الجوانب المتنوعة لهويتها، التي كانت تشعر بها “متصارعة ومتقاتلة”، استقرت أخيرا في مكانها، “استقرارا مفهوما ومعقولا”، وتقول إن الحديث والتقليدي، والغربي والشرقي، والمسيحي والمسلم، والغني والفقير، والسياسي واللاسياسي، والماضي والحاضر “هي كلها جوانب تعلمت أن أراها لا باعتبارها متناقضات، أو فئات تقصي إحداها الأخرى، فلا يمكنني اختيار واحدة دون أخرى، وإنما باعتبارها خلفية ثقافية للوضع الثقافي والتاريخي للحياة التي عشتها، ورغم ما أثار هذا العمل من أسئلة، وما سببه لي من قلاقل، فإنه كان عملية اكتشاف للذات ومسيرة تصالح”.

    المصدر : الجزيرة

    أعجبك المقال؟ شاركه على منصتك المفضلة..
    قد يعجبك ايضا
    اترك رد

    لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

    يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد