هل يسرع مونديال 2030 انجاز مشروع الربط القاري بين المغرب وأوروبا؟


يظل بناء نفق عابر أعماقَ البحر الأبيض المتوسط يربط بين المملكتين، المغربية في شمال القارة الإفريقية، والإسبانية في جنوب القارة الأوروبية، فكرة تعِد بمستقبل اقتصادي واعد للبلدين، وفكرة عن قوة العلاقات بين القارَّتين. فهل تتحقّق بفضل مونديال 2030؟

بعد إعلان اختيار الملف المشترك لمونديال 2030 بين كل من المغرب وإسبانيا والبرتغال، برز من جديد الحديث عن مشروع الربط القاري بين المغرب وإسبانيا، الذي يخصّ بناء نفق بحري ممتدٍّ عبر مضيق جبل طارق.

أُجِّل هذا المشروع بين المغرب وإسبانيا منذ ثمانينيات القرن الماضي مرَّاتٍ عدّة لأسباب لوجستية وسياسيَّة، وأصبح حلماً يراود كثيرين لعدة عقود.

ويظل بناء نفق عابر أعماقَ البحر الأبيض المتوسط يربط بين المملكتين، المغربية في شمال القارة الإفريقية، والإسبانية في جنوب القارة الأوروبية، فكرة تعِد بمستقبل اقتصادي واعد للبلدين، وفكرة عن قوة العلاقات بين القارَّتين.

ويُتوقع أن تطلق الأعمال بخصوص المشروع في منتصف العام المقبل، بعد اكتمال بعض الأعمال التحضيرية، وفق وسائل إعلام مغربية.

مشروع استراتيجي

تُعدّ كل الاستعدادات جاهزة في انتظار موافقة اللجنة المشتركة المغربية الإسبانية المسؤولة عن “المشروع الاستراتيجي”، كما يوصف في الرباط ومدريد.

وفي تعبيرها عن اهتمامها بالمشروع، كانت الحكومة المغربية صدّقت يوم 3 نونبر 2022، على تعيين عبد الكبير زاهود مديراً عامّاً للشركة الوطنية لدراسات مضيق جبل طارق، المختصة بمتابعة مشروع الربط البحري بين المغرب وإسبانيا.

ويُتوقع أن يُنجز مشروع الربط بطول 28 كيلومتراً، وسيربط “مالاباطا” بخليج طنجة، شمال المغرب بـ”بونتا بالوما” القريبة من مدينة طريفة الإسبانية.

وتقول النائبة عضو لجنة البنيات الأساسية في مجلس النواب، نعيمة فتحاوي: “يدخل مشروع الرّبط القاريّ بين إسبانيا والمغرب عبر مضيق جبل طارق ضمن المشاريع الاستراتيجية المدرجة في إطار خارطة الطريق الجديدة المعتمدة خلال أبريل 2022، عقب الزيارة التي أجراها رئيس الحكومة الإسبانية بيدرو سانشيز إلى العاصمة المغربية الرباط، ولقائه العاهل المغربي الملك محمد السادس”.

وتضيف فتحاوي، أنه “في يونيو 2023 جدّد المغرب وإسبانيا عزمهما على إنجاز مشروع الربط الثابت لمضيق جبل طارق، إذ جرى تأكيد ذلك خلال لقاء بين وزير التجهيز والماء المغربي نزار بركة، ووزيرة النقل الإسبانية راكيل سانشيز خمينيز، وقد اتُّفِقَ على تنشيط اللجنة المشتركة المكلفة بدراسته، مع توقيع اتفاقية للتعاون الثنائي التي ستربط أوروبا بإفريقيا”.

وفي آخر المعطيات التي نقلتها الصحافة المحلية، أكّدت الشركة الوطنية لدراسات مضيق جبل طارق أن الدراسات المتعلّقة بمشروع الربط البحري بين المغرب وإسبانيا متقدّمة وتسير وفق ما اتُّفق عليه.

وأوضحت الشّركة أنه ينتظر استكمال تحديد الاستطلاعات والاستكشافات للوصول إلى القرار المقبل حول المشروع الذي بإمكانه تأمين الربط السككيّ بين الدار البيضاء ومدريد، في رحلات لا تتعدّى 5 ساعات ونصف الساعة.

وأشارت فتحاوي إلى أنّه “وفق تقديرات الشركة الإسبانية لدراسات الاتصالات عبر جبل طارق، يمكن إكمال المشروع في غضون 5 سنوات، والهدف أن يكون النفق بين إسبانيا والمغرب، الذي سيمر من خلاله قطار يربط الدار البيضاء بمدريد، جاهزاً قبل كأس العالم لكرة القدم عام 2030”.

شراكة رابح – رابح

يَعتبر أيوب الشاوش، الباحث في مجال التنمية، أن “المونديال يعجّل فعلاً بإنجاز هذا المشروع الاستراتيجي، لكن لا يمكن أن يواكبه تحقيق تنمية شاملة إلا بعد مرور سنوات من العمل المتواصل، سواء من الضفة الشمالية أو الجنوبية حتى تكتمل جلّ الشروط من خلال مؤشّرات ومعايير للتنمية الشاملة المندمجة”.

- إشهار -

ويضيف الشاوش، أن ذلك “سيُظهر أهمية المشروع بشكل واضح خلال المونديال، إذ سيضاعف عدد الرّحلات بين الطرفين، وسوف يمكن من تسهيل ولوج المشجّعين إلى البلدان المنظّمة للمونديال”.

ويوضّح الباحث أنه رغم “الصعوبات التقنية التي قد تواجه إنجازه، فالكل سوف يستفيد من هذا المشروع رغم كلفته الباهظة”.

ويذهب المراقبون إلى أن مثل هذه المشاريع الاستراتيجية يتطلب تمويلات وميزانيات ضخمة.

وفي هذا الصّدد، يقول علي الغنبوري، مدير البرامج في مرصد العمل الحكومي (منظمة مدنية)، إن كلفة المشروع “قد تصل إلى 10 مليارات دولار وفق معظم التقديرات.

ويبيّن الغنبوري، أن المشروع سيمتد إلى مسافة فاصلة مقدَّرة بـ42 كيلومتراً، منها 38.7 كيلومتر نفق، وسيمرّ 27.8 كيلومتراً منها داخل مياه البحر الأبيض المتوسط، بعمق يصل إلى 300 متر.

ويلفت إلى أن الميزانية المتوقعة “سوف يُعتمد في تمويلها على موارد الدولتين، إضافةً إلى دعم الاتحاد الأوروبي، باعتبار الأهمية الاستراتيجية للمغرب بالنسبة للقارة الأوروبية ككل، هذا إضافة إلى البنك الدولي والبنك الإسلامي والعربي والبنك الإفريقي للتنمية، وكلّها مؤسسات أعلنت اهتمامها بالمشروع”، مشيراً إلى إمكانية انضمام الصين إلى مجموع الدول الممولة للمشروع.

ممرّ للفرص التجارية

ويرى الغنبوري أن “دواعي إنجاز هذا المشروع بهذه السرعة تتجاوز حدث المونديال، خصوصاً أن العلاقات الاقتصادية والمبادلات التجارية بين المغرب وإسبانيا وصلت إلى مرحلة كبيرة ومتطورة جدّاً، إذ فاقت 20 مليار يورو”.

على هذا الأساس، فإن مشروع الربط القاري “سيمكّن من زيادة المبادلات التجارية مع أوروبا باعتبارها شريك المغرب الاقتصادي الأول، وسيخفض بشكل كبير الكلفة اللوجستية المرتبطة بهذا الأمر”، وفق الغنبوري.

ويؤكد أن “المشروع سيجعل المغرب ممرّاً استراتيجيّاً لأوروبا نحو إفريقيا، ما سيحوّله إلى منصة اقتصادية أساسيّة في كل المبادلات والعمليات الاقتصادية بين القارتين، كما سيمكّنه من تعزيز مكانته قطباً اقتصاديّاً إفريقيّاً قادرّاً على قيادة إفريقيا نحو التنمية والتكامل الاقتصادي، خصوصاً مع تقاطع هذا المشروع مع مشروع أنبوب الغاز نيجيريا-المغرب”.

أما حول بُعده الاجتماعي، يعتقد أيوب الشاوش أن المشروع سوف “يمكّن من سهولة تنقّل الأفراد بسياراتهم الشخصية لزيارة عائلاتهم في أوروبا وقضاء أغراضهم الإداريّة، مع إمكانية ظهور خدمات جديدة تواكب هذا المشروع الاستراتيجي الذي سيغيّر ملامح الحوض الجنوبي للمتوسط”.

ويعمل كل من المغرب وإسبانيا، في كل موسم صيف، على تنظيم عملية عبور -تعتبر من أكبر عمليات العبور عبر العالم- بين مواني الضفّتين تحت اسم “مرحباً”.

وسجلت العملية في نسختها 2023، التي امتدت من 5 يونيو إلى 15 شتنبر 2023، رقماً قياسيّاً في دخول وخروج المسافرين، إذ دخل إلى التراب المغربي 3.1 مليون شخص، بزيادة بلغت 2.73% مقارنة بـ2022، وخروج 3 ملايين شخص بزيادة بلغت 4.47% مقارنة بالعام السابق.

ويلفت الشاوش إلى أن “المشروع الضخم ستستفيد منه القارَّتان الإفريقية والأوروبية بشكل عام، والبَلدان المغرب وإسبانيا بشكل خاص، لا سيّما أنه سيعزز التعاون في مختلف المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية”.

المصدر: TRT عربي

أعجبك المقال؟ شاركه على منصتك المفضلة..
قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد