حلم شوهت الحرب فرحته.. شاب غزي ينال الدكتوراه في المغرب


لم تكن آثار الحرب الإسرائيلية المستمرة على قطاع غزة منذ 7 أكتوبر الماضي، حكرا على سكان القطاع فحسب، بل كانت لها تبعات مؤلمة حتى على المغتربين الذين ذاقوا الأمرّين جراء تلك الحرب، والحصار المفروض على عائلاتهم.

    يمكنكم الاشتراك في نشرتنا البريدية للتوصل بملخصات يومية حول المقالات المنشورة على الموقع

    الاشتراك في النشرة البريدية

    محمد الحسيني (30 سنة)، شاب فلسطيني من قطاع غزة حصل على شهادة الدكتوراه بالمغرب خلال نونبر الجاري، بالتزامن مع الحرب الإسرائيلية على القطاع، فاختلطت لديه مشاعر الفرح والألم.

    سنوات لم تكن مفروشة بالورود، فبداية المعاناة تبدأ من معبر رفح، الذي لا يكاد يفتح حتى يغلق، مرورا بالغربة، و”العدوان الذي يشكل ضغطا نفسيا على الطلبة من القطاع”، على حد تعبيره.

    معبر “المعاناة”

    في 2016، تم قبول الحسيني لمتابعة الدراسة في سلك الماستر بالمغرب، ولكن فرحته اصطدمت بعراقيل معبر رفح الذي كان يُفتح مرة واحدة كل 3 شهر.

    وتحاصر إسرائيل قطاع غزة منذ يونيو 2007، وتفرض قيودا على حركة المواطنين والبضائع، من وإلى القطاع.

    وقال الحسيني في تصريحات نقلتها “وكالة الأناضول”: “المشكلة أن عدد المسجلين للسفر يكون كبيرا، وتسجيلي ضمن لائحة المسافرين لا يعني أني سأسافر بعد مضي 3 أشهر مباشرة”.

    وأضاف: “وصل دوري بعد مضي 6 أشهر من التسجيل، حيث انتهت التأشيرة الأولى خلال هذه الفترة، واضطررت إلى تجديدها في السفارة المغربية، وبعد وصول دوري للسفر، لم يكن قد تبقى إلا 4 أيام في صلاحية التأشيرة، وعندما جاء يوم السفر، حصل إشكال في المعبر، وتم إرجاع نصف المسافرين، وكنت ضمنهم”.

    شكل هذا الأمر صدمة للشاب الغزي، وكأن الحلم انتهى، وبعد يومين أعلن عن موعد جديد، وخرج الحسيني من معبر رفح تجاه مطار القاهرة، ثم إلى مطار الرباط، حيث كان تاريخ الوصول هو نفس تاريخ انتهاء التأشيرة.

    وتابع الحسيني: “قال لي موظف بالمطار إن التأشيرة انتهت، خاصة أن تاريخ انتهاء صلاحيتها هو نفس يوم الوصول، نظرت إليه، ولم أستطع الرد عليه، خاصة أني وصلت قبل عيد الأضحى بيومين، ثم قال لي مبتسما: هل تريد أن تعيّد معنا؟ مرحبا بك، ثم دخلت المغرب أخيرا”.

    دراسة مع وقف التنفيذ

    بعدما وصل الحسيني إلى كلية العلوم القانونية بمدينة سلا، أخبرته موظفة بالإدارة أنه من الصعب أن يبدأ الدراسة، لعدم توفر رخصة قديمة خاصة بالسنة الماضية، والأمر يتطلب موافقة عميد الكلية، من أجل التسجيل برخصة جديدة، حيث توجه محمد مباشرة إلى العميد وقابله، ثم وافق على التسجيل.

    بعد ذلك، وجد محمد مشكلة أخرى، حيث تم احتسابه راسبا في السنة الأولى، رغم أنه لم يتابع الدراسة أساسا، وهو ما شكل صدمة جديدة له، وجعله يتوجه مجددا إلى العميد الذي سجله طالبا جديدا، ليبدأ مسار التحصيل العلمي.

    تابع الحسيني الدراسة سنتين متتاليتين، إلى غاية حصوله على الماستر، حيث نال المرتبة الأولى في صفه، وكان يخاف أن يزور أسرته، وتقع مشكلة تؤدي إلى إغلاق معبر رفح، ثم يفقد حقه في استكمال مساره الدراسي.

    عقب انتهاء الماستر، نجح محمد في التسجيل بسلك الدكتوراه بنفس الكلية، وبعدما أنهى عملية التسجيل، قرر زيارة أهله بعد مضي 3 سنوات متواصلة في الغربة.

    تزامنت زيارته لغزة ببداية جائحة كورونا، ما أدى إلى انتهاء الإقامة بالمغرب، حيث بقي عامين ونصف عام بالقطاع، بسبب ظروف السفر ومعوقاته في تلك الفترة.

    بعد محاولات من طرف الطلاب الفلسطينيين الذين لديهم نفس المشكلة، تم إصدار تأشيرة جديدة، واضطر الحسيني إلى السفر للمغرب خلال شهر رمضان من أجل استكمال دراسته.

    الحرب على غزة

    - إشهار -

    يجد الحسيني صعوبة في التواصل مع أهله خلال الحرب التي بدأت في 7 أكتوبر الماضي، سواء بالإنترنت أو الهاتف، لأن الشبكة ضعيفة بالقطاع منذ بداية الحرب، وكل يومين تصله رسالة صوتية من أهله يبشرونه بأنهم ما يزالون بخير.

    وقطعت إسرائيل الاتصالات والإنترنت عن قطاع غزة أكثر من مرة خلال عملياتها العسكرية المتواصلة، ما شكل قلقا كبيرا للمغتربين جراء صعوبة التواصل مع عائلاتهم داخل القطاع.

    وفي 27 أكتوبر الماضي، قطعت إسرائيل خدمات الاتصالات بأنواعها عن قطاع غزة لـ36 ساعة متواصلة، قبل أن تعيد وصلها مرحلة أخرى.

    وأشار الحسيني خلال حديثه، إلى أن “هذا العدوان يشكل ضغطا نفسيا على الطلبة من القطاع”.

    وأضاف: “الأسرة بخير، خاصة أنهم انتقلوا من الحي إلى منطقة أخرى، حيث دمر الاحتلال الحي الذي تقطن به الأسرة بالكامل، ولا أعرف أحوالهم والأوضاع حاليا، خاصة مع حجم الدمار الذي لحق غزة بكاملها”.

    الحسيني ينتظر فقط الفرصة ليعود إلى غزة وفق تعبيره، لأنه لا يفكر في يوم من الأيام أن تشكل الغربة مستقبلا له، ولكن اختارها بهدف الدراسة.

    وتزامنت الحرب مع مناقشة رسالة الدكتوراه، التي تعد أهم لحظة في مسار الباحثين، حيث لم يستطع أن يشارك هذا المشروع المهم مع عائلته في غزة بسبب كابوس الحرب.

    وأكد الحسيني أنه “قبل مناقشة الرسالة بيوم، لم أستطع الاطمئنان على أهلي، وهو ما خلف لدي شعورا نفسيا صعبا، حيث مرت المناقشة بلا طعم، وكأنها مرحلة أريد اجتيازها فقط من دون مشاعر، خاصة مع الحرب والدمار ومعاناة الشعب في غزة”.

    حصل الحسيني على درجة “مشرف جدا” مع توصية بالنشر، وكان الأمر صعبا لأن الوالدين كانا ينتظران المناقشة أكثر منه، ولكن ظروف الحرب حالت دون متابعتهما لها، وهكذا حرمت الحرب عائلة الحسيني من مشاركته هذا الإنجاز.

    حضر أصدقاء الحسيني يوم المناقشة، وهنأوه، إلا أنه “كان خارج التغطية”، بسبب الحرب من جهة، وعدم متابعة أسرته للمناقشة من جهة ثانية.

    بعث الحسيني رسالة إلى أهله كونه حصل على الدكتوراه، وكان يأمل أن تصل بسرعة ولكنها لم تصل إلا بعد ساعات، بسبب سوء الإنترنت في كافة مناطق القطاع.

    وقال: “عندما وصلتني رسالة من أخي تفيد بقراءتهم خبر حصولي على شهادة الدكتوراه، كدت أطير من شدة الفرح، رغم هول المصاب في بلادي”.

    وأضاف: “زادت فرحتي كثيرا، عندما علمت أيضا أن أهلي ما يزالون على قيد الحياة، وهم بخير”.

    ويعاني سكان غزة من وضع إنساني وصحي كارثي، إذ نزح نحو 1.4 مليون نسمة من أصل 2.3 مليون من منازلهم، ومنعت إسرائيل عنهم إمدادات الغذاء والماء والأدوية والكهرباء، في ظل قصف مكثف.

    وفي 7 أكتوبر الماضي، أطلقت المقاومة الفلسطينية هجوما على مستوطنات غلاف غزة، قتلت خلاله أكثر من 1200 إسرائيلي وأصابت ما يزيد على 5 آلاف وأسرت نحو 239.

    فيما شنت إسرائيل حربا مدمرة على القطاع خلّفت دمارا هائلا في البنية التحتية، وآلاف الضحايا المدنيين معظمهم أطفال ونساء، فضلا عن كارثة إنسانية غير مسبوقة، وفقا لمصادر رسمية فلسطينية وأممية.

    المصدر: وكالة الأناضول

    أعجبك المقال؟ شاركه على منصتك المفضلة..
    قد يعجبك ايضا
    اترك رد

    لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

    يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد