الاقتطاع بين الدستور والمنشور الوزاري


الاقتطاع من أجور المضربين/ات بين النص الدستوري و منشور وزاري لبنكيران

يشهد الحقل التعليمي ببلادنا احتقانا غير مسبوق، على إثر إصدار وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي و الرياضة نظاما أساسيا يهم الشغيلة التعليمية، بعد 20 سنة من إصدار النظامي الأساسي لموظفي وزارة التربية الوطنية سنة 2003، و الذي أجمع الكل على وجود ثغرات و اختلالات تضر بمصالح و حقوق جل الفئات التعليمية؛ و الكل كان ينتظر خروج نظام أساسي لموظفي وزارة التربية الوطنية، يعالج تلك الاختلالات و يحافظ على المكتسبات و يكون منصفا و محفزا على المستوى المالي و المعنوي لأسرة التعليم، و في مقدمتها هيئة التدريس، كأهم مكون في المنظومة التربوية؛ إلا أن الوزارة الوصية على قطاع التعليم، قد ضربت عرض الحائط المنهجية التشاركية مع النقابات التعليمية الأربع، التي شاركت مع الوزارة في تهيئ النظام الأساسي، و أصدرت نظاما أساسيا مخيبا للآمال و محبطا للشغيلة التعليمية، بما تضمنه من إضافة العديد من المهام و خصوصا لهيئة التدريس، في غياب تام للزيادة في أجور العاملين بالقطاع، ما أثار حفيظة الشغيلة التعليمية، التي انخرطت في موجة من الاحتجاجات و الإضرابات الشاملة في جميع مناطق المغرب، مما أدى إلى احتقان داخل الحقل التعليمي بشكل خاص و في المجتمع بشكل عام، هذا الوضع جعل رئيس الحكومة يسحب الملف من وزير التربية الوطنية ، و يدعو النقابات الأربع التي قاطعت وزير التربية الوطنية إلى مقر رئاسة الحكومة، للاستماع إلى مطالب هذه النقابات و قد أقر رئيس الحكومة بوجود اختلالات في هذا النظام الأساسي و دعا إلى تجويد هذا النظام الأساسي المثير للجدل و ليس سحبه ، و كلف وزير التشغيل بالملف؛ لكن في الوقت الذي دعا رئيس الحكومة إلى تدارك الثغرات، لوحت وزراة التربية الوطنية بنهج أسلوب الاقتطاعات من أجور المضربين/ات، في محاولة يائسة لتكسير حراك الشغيلة التعليمية، إن الاقتطاع من أجور المضربين/ات إجراء غير دستوري و غير قانوني و أسلوب قمعي و يبين نية الحكومة في عدم البحث عن حل و عدم جديتها في الحوار مع النقابات التعليمية الأربع الأكثر تمثليلة في قطاع التعليم.
إن الاقتطاع من أجور المضربين/ات لا يستند على أساس قانوني و هو شطط في استعمال السلطة، للاعتبارات التالية :
يؤكد الفصل 29 من دستور 2011 على ” حق الإضراب مضمون، و يحدد قانون تنظيمي شروط و كيفية ممارسته ” و هي الصيغة التي وردت في جميع الدساتير منذ دستور 1962 إلى غالية الدستور الحالي، لكن إلى حدود اليوم لم يتم اعتماد أي قانون تنظيمي يوضح شروط الإضراب و الإجراءات المحددة لممارسته.
يشكل الحق في الإضراب أحد أهم الآليات التي يلجأ لها الموظفون/ات في القطاع العام و المستخدمون/ات في القطاع الخاص للدفاع عن حقوقهم/هن و مصالحهم/هن.

بعد سبع سنوات على إحالة مشروع القانون المنظم لممارسة حق الإضراب على البرلمان/ سنة 2016، لازال هذا المشروع يراوح مكانه، هذا المشروع، من خلال بنوده و مضامينه يعتبر مشروعا مكبلا للإضراب و مضيقا على الحريات النقابية، مما أثار خلافات حادة بين الحكومة و المركزيات النقابية، و التي طالبت بسحبه من البرلمان، من أجل مراجعته؛ لأن نصه الحالي يشكل ضربا للحق الدستوري في ممارسة الإضراب، و في تناقض تام مع الفصل 29 من دستور 2011 المشار إليه سابقا، و لا يحترم المواثيق الدولية، كاتفاقية منظمة العمل الدولية و اجتهادات لجنة الحريات النقابية التابعة لها .

- إشهار -

الاقتطاع من أجور المضربين/ات، إجراء جائر و تعسفي و شطط في استعمال السلطة. لماذا ؟
للإجابة على هذا السؤال الإشكالي، لابد من ذكر السياق الذي تم فيه تطبيق مبدأ ” الأجر مقابل العمل ” و هو مبدأ تم تلفيقه من طرف بن كيران، حق أريد به باطل.
لما كثر الحديث عن الموظفين/ات الأشباح في عهد حكومة رئيس الوزراء الأستاذ عبد الرحمان، أصدر هذا الأخير مرسوما لمحاربة ظاهرة التغيب عن العمل بدون سند، و التي استفحلت في الإدارات العمومية و الجماعات الترابية و ليس في أوساط هيئة التدريس، و هو المرسوم رقم : 1216-99-2 صادر في (10ماي 2000) بتحديد شروط و كيفيات تطبيق القانون رقم : 81 – 12 بشأن الاقتطاعات من رواتب موظفي و أعوان الدولة و الجماعات المحلية بصفة غير مشروعة، تم نشره بالجريدة الرسمية . عدد 4801 بتاريخ 5 يونيو 2000، يعني قبل دستور 2001، و كان الهدف الرئيس منه محاربة ظاهرة الموظفين/ات الأشباح ، و لم يطبقه الأستاذ اليوسفي على المضربين/ ات ، باعتبار الأستاذ اليوسفي رجل قانوني و حقوقي، حتى لا يضرب بالمرسوم فصلا في الدستور يضمن ممارسة حق الإضراب، في غياب قانون تنظيمي لوضع شروط ممارسته .

لكن رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران، و بذريعة فارغة و غير مقنعة و بدعوى ارتخاء الإدارة في تطبيق مرسوم اليوسفي للاقتطاع من أجور المتغيبين/ات عن العمل بصفة غير شرعية، قام بتطبيقه على المضربين/ات، في غياب قانون تنظيمي للممارسة حق الإضراب، و كان هدفه تكسير أي حركة احتجاجية في صفوف الموظفين/ات، و خصوصا في قطاع التعليم ، و إضعاف الحركة النقابية، بتجريدها من سلاح الإضراب لتحقيق مطالبها، حتى يتسنى له تطبيق التوظيف عن طريق التعاقد، و في إطار نهجه المعادي للموظفين/ات و خصوصا في هيئة التدريس، بالنظر إلى كثرتها و دورها الجوهري في المنظومة التربوية، كما جاء إجراء بنكيران غير الدستوري و غير القانوني في أفق ضرب مكتسبات التقاعد في المعاشات المدنية، من خلال تخريب مكتسبات المتقاعدين/ات.
هل من المنطق أن منشورا و زاريا و حتى مرسوما حكوميا أن يلغي نصا دستوريا هو الفصل 29 من الدستور ؟ و في غياب قانون تنظيمي لتقنين ممارسة حق الاضراب؟ من خلال تراتبية القوانين، تبقى الوثيقة الدستورية أسمى من جميع القوانين العادية، و حتى القوانين التنظيمية التي تأتي في المرتبة الثانية، لا يمكن نشرها في الجريدة الرسمية، إلا بموافقة المحكمة الدستورية، وانسجاما مع هذا المنطق ، سبق للمحكمة الإدارية بالرباط أن أصدرت حكما يقضي بإلغاء قرار الاقتطاع من أجور الموظفين/ات المضربين/ات عن العمل، و هو القرار الذي استند على منشور رئيس الحكومة بنكيران و المؤرخ في 12 نونبر 2012. و بالتالي كل الاقتطاعات التي تمت على أساس منشور بنكيران غير دستورية و غير قانونية، و يجب إرجاع مبالغها إلى المتضررين/ات من هذا الإجراء التعسفي، و لا يمكن لوزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي و الرياضة أن تلوح أو تقتطع من أجور هيئة التدريس لتكسير معركتها النضالية التي تخوضها منذ إصدار مرسوم النظام الأساسي المشؤوم، و تبقى مسيرة الرباط ليوم 7 نونبر الجاري محطة مركزية في أفق تحقيق المطالب المشروعة للشغيلة التعليمية و في مقدمتها هيئة التدريس، مع التأكيد على أن الاقتطاع الغير مشروع من أجورالمضربين/ات يعتبر من الخطوط الحمراء و التي لا يمكن القبول بها .
عبد العزيز بلحسن
نقابي و حقوقي و سياسي

أعجبك المقال؟ شاركه على منصتك المفضلة..
قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد