مركزية الحراكات المجتمعية في النضال الديمقراطي


من أجل السيادة الشعبية

يمكن القول أن الفعل/الممارسة السياسية في المغرب منذ الاستقلال إلى اليوم، قد مر من منعطفين أساسيين:

الأول في الستينيات من القرن الماضي، وتحديدا مع انتفاضة 23 مارس 1965 المجيدة وبداية تشكل اليسار الجديد الذي بنى نفسه على أنقاض اليسار الكلاسيكي سليل الحركة الوطنية، هذا الأخير مارس السياسة بتعال ووصاية على الشعب حيث يكاد يعتبر الجماهير بمثابة حشود خلفية ” كومبارس” للوصول لغاياتها، هذا اليسار الجديد السبعيني الذي أعلن عن نفسه في 1970- 1971 اختار الانحياز المبدئي لقضايا الجماهير الشعبية، بعد اصطدام كان فيه قطاع التعليم مركز المواجهة الأولى بعد الاستقلال الشكلي والمنقوص بين الحاكمين و الطبقات الشعبية والوسطى مع فرض قرار وزير التعليم آنذاك يوسف بالعباس أي حرم التلاميذ ما فوق 17 سنة من ولوج السلك الثانوي وهو ما يناهز 60 في المائة من أبناء وبنات الطبقات الشعبية.

المحطة الثانية: عنوانها الحراك الشعبي المغربي: بإيفني، وبإيميضر بقيادة شباب منضوي بإطار ” على درب 96″، و20 فبراير وحراك الريف واجرادة وزاكورة وتنسيقية الأساتذة وأطر الدعم المفروض عليهم التعاقد، وتنسيقيات الأطباء والممرضين والمرسبين في امتحانات المحاماة… وكلها حركات شعبية مواطناتية يقودها الشباب بمطالب عادلة ومشروعة : العدالة الاجتماعية والمناطقية، البديل التنموي الحقيقي، والاستفادة من خيرات مناطقية وتكافؤ الفرص …

هذه النضالات المجتمعية كانت مستقلة وذات طابع سلمي، رفعت شعارات ومطالب عادلة ومشروعة معلنة تمت بلورتها بشكل مشترك مع المواطنين بناء على حاجياتهم الملموسة.

كل هذه الديناميات والتعبيرات المواطنة تعرضت، ليس فقط من طرف النظام المخزني بل ايضا من الدكاكين السياسية الكلاسيكية بما فيها المحسوبة على اليسار الحكومي المندمج سلبيا بالنظام، تعرضت للتخوين واتهمت بالانفصال والعمالة للخارج دون دليل كما هو حال حراكي الريف واجرادة و20 فبراير وقبلهما حراك ايفني وإميضر، وبافتقادها للحس الوطني كما هو حال تنسيقية الاساتذة المفروض عليهم التعاقد والاطباء وغيرهم، وباللاوطنية وتهم المخدرات كما وقع لايميضر..

هذه الحراكات المجتمعية، ذات عمق يساري مواطناتي شعبي وديمقراطي: العدالة الاجتماعية، العدالة المناطقية، الحرية والكرامة، كانت بقيادة شباب يساري، ملتزم، واع، ناضج. كانت حراكا حفر ثقبا مضيئا في السقف السياسي الواطئ لإعلاء كلمة الشعب بدل خنوع “الرعية” التي يروج لها النظام ويسعى لتأبيده، كما فتح طريقا جديدا للنضال الشعبي في المغرب.

حراكات مجتمعية خلقت فرزا حقيقيا في حقل الصراع الطبقي، وفي مسيرة النضال المجتمعي المواطناتي من أجل الحرية للمغاربة وللوطن.

حراك مبدع في كل شيء، في بلورته للمطالب وفي تنظيمه وأساليب نضاله، بما نعتبره في الحزب الاشتراكي الموحد مدرسة حقيقية للنضال والالتزام.

- إشهار -

وإذا كانت الفترة الاولى ( 1965-2011) قد أفرزت قوى سياسية أكثر ارتباطا بالمطالب الشعبية – حركة 23 مارس وحركة الى الامام – اللتين أسستا لمشروعهما المجتمعي على أساس المرجعية الماركسية اللينينية وأنشأتا جبهة يسارية حققت مكاسب نضالية في الجامعات خاصة ووجهت بقمع وحشي وتصفية جسدية لمناضليها وبالاعتقالات السرية وبالمحاكات التي تنعدم فيها ادنى شروط المحاكمة العادلة، فإن الفترة الثانية ( 2011- الى اليوم) قد برز خلالها نوع جديد من النضال/الحراك الشعبي الحي في المجتمع المغربي كجيل نضالي جديد أساسه “اشتراكية القرن 21 ” التي ابتكرت استراتيجيات وأساليب جديدة في النضال الديمقراطي المؤسس على قاعدة “المواطنة ” القطرية والكوكبية كمفهوم شامل وضمنه “الطبقة العاملة” بما فيها “الطبقة العاملة المهندسة” بتعبير الشهيد عبد السلام المودن أبو مارس (او العمال الذهنيون بتعبير كارل ماركس) وفئات اخرى من الطبقة العاملة غير المهيكلة ( خادمات البيوت، الباعة المتجولون، المقاولون الذاتيون، مستخدموا/ات مراكز الاتصال ( الاوفشورين) ومستخدموا/ات المهن الجديدة، العمل عن بعد والفريلانس…).

ومن هذا المنطلق، بلور الحزب الاشتراكي الموحد، باعتباره مكونا أصيلا من اليسار الجديد المتجدد، أطروحة نوعية خلال مؤتمره الخامس المنعقد في فترة 20-21-22 أكتوبر 2023 تحت شعار ” نضالنا اليساري من أجل الشعب والوطن والديمقراطية”، وهو الذي يعرف أيضا “حراكا داخليا حيا” خاصة بعد ” نقطة نظام يوليو 2021″ ضد أجندة كانت معدة لوأد ومحو الحزب الاشتراكي الموحد من الحقل السياسي المغربي، واستئصال عقيدته الفكرية والسياسية بشكل نهائي.

والحقيقة أن الحزب كان ومازال وسيستمر كحاجة ملحة لنضالات الشعب المغربي، وهي القناعة الراسخة التي تكونت لدى الحزب، قيادة وقواعد ومؤسسات وتيارات وحساسيات ومتعاطفين/ات.

ولقد ترسخت قناعة ووعي وتمثل جمعي وسط الرفيقات والرفاق المؤتمرون/ات بالمؤتمر الخامس للحزب نتج عنها إعتماد أطروحة مركزية/محورية الحراك الشعبي المغربي، الوطني والمناطقي والفئوي، في النضال الديمقراطي من أجل فرض السيادة الشعبية ببلدنا.

وكان المؤتمر الخامس للحزب محطة تاريخية ومفصلية لتعميق الوعي الجمعي حول هذه الاطروحة التي تشكل جوهر خطنا السياسي في الولاية المقبلة القائم على مركزية الحراك المغربي في النضال من أجل الديمقراطية والحرية للشعب والوطن.

فهل يكون قطاع التعليم، الذي يعرف اليوم حراكا اجتماعيا بعمق سياسي، حلبة لمواجهة ثانية حاسمة هذه المرة من أجل السيادة الشعبية؟

العلمي الحروني
25 أكتوبر 2023

أعجبك المقال؟ شاركه على منصتك المفضلة..
قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد