مغرب الخسارات… إلى أين؟!
في محيطي القريب أستشعر الكثير من الإحباط العام الذي يلف الشباب، هذا ما ألمسه عن قرب، إذ إن عددا هاما من أقراني غادروا المغرب نتيحة انسداد الأفق بهذا البلد، والعدد المتبقي منهم يسارع الخطو والبحث لإيجاد المنافذ المؤدية إلى بلاد المهجر.
وضع بالنظر إلى تناميه، يكاد يذكرني بموجة هجرة التسعينيات، حيث شهدت تلك الفترة موجة هجرة غير مسبوقة، لكن ما نلحظه اليوم يختلف عما سلف، فموجة الهجرة الحالية تكاد تكون نزوحا عاما لكافة الشرائح الاجتماعية فالأمر غير مقتصر على الشباب المكتوي بلظى البطالة.
فإذا كانت مرحلة التسعينيات قادت الشباب الباحث عن العمل إلى الهروب أملا في وضع اجتماعي أفضل، فالحال تغير، إذ إن الدوافع التي أستقيها في محاورة أبناء جيلي الراغبين في مغادرة أرض الوطن، تختلف.
فبالرغم من حضور الطابع الاجتماعي كعامل مهم في تحريك نوازع المغادرة نحو الخارج، إلا أن الدافع الذي يبدو مهيمنا من خلال استقراء نماذج مقربة، يظل هو هذا التردي الحقوقي الذي يشهده المغرب في السنوات الأخيرة، حيث صار التنكيل بالأفراد والتضييق على حرية التعبير يأخذ منحنى متصاعدا بما يشكل نهجا وخيارا استراتيجيا للدولة في التعامل مع النشطاء، والأصوات المنددة بالفساد والاستبداد، ناهيك عن اليأس العام الذي أصبح يخيم على الإرادات والقناعات التي كانت تأمل في مغرب يسع الجميع، مغرب الكرامة والعدالة الاجتماعية، مغرب الإنصاف والحقوق، المغرب الذي ينصت لأبنائه حين يطالبون بحقوقهم المشروعة، لا أن يتم الزج بهم في السجون الحالكة والأقبية الرطبة.
هكذا لم يعد المعطى الاجتماعي محددا حاسما في الهجرة، مما يشي بتطور الوعي المجتمعي، حيث أصبح التطلع لافتا إلى الحرية والكرامة باعتبارهما محددين رئيسيين، بل وجوديين في تقويم جدوى العيش بالبلد.
هذه الأهمية البالغة لهاتين القيمتين بالإضافة إلى العدالة الاجتماعية كمطلب أبدي، طالما صدحت بها حناجر المغاربة إبان حركة 20 فبراير المجيدة، ولعل الإخفاقات الاجتماعية والتراجعات الخطيرة التي أعقبت هذه الحركة هي ما يعمق فداحة الخسارات بما يزكي انعدام الأمل في الغد، على نحو يشكل الملمح العام الذي يقود الجميع إلى الفرار، سواء من توفر على دخل قار، أو من يتحمل المسؤوليه في منصب هام في الوظيفة العمومية، أو حتى الذين تحقق لهم الرفاه الاجتماعي بناء على استثماراتهم في القطاع الخاص.
هكذا تتعاظم خسارات هذا البلد، عبر فقدانه المتواصل لأبنائه، الذين فضلوا” قطران البلدان الأخرى” ابتغاء كرامة إنسانية حقيقية، حتى لو تحقق لهم في بلدهم ما قد يبدو ظاهرا “عسلا” إذ سيظل بلا مذاق مادام “مسلسل الانتقال الديمقراطي”، لم يحقق الرسو في محطة الفعل الديموقراطي الحقيقي الضامن للكرامة الحقة.