التاريخ المغيب أو في مقاضاة الاسترقاق روائيا
تنبني رواية هذا الرطيب لمحمد مباركي في تشييد عالمها الحكائي على استثمار المعرفة التاريخية، فالروائي يسائل التاريخ العربي الإسلامي لإثارة مجموعة من الإشكالات التي يمكن إدراجها ضمن التاريخ المغيب أو المنسي، تبعا لذلك فالكاتب يبحر إلى الفترة الأندلسية، منقبا في ثقوبها لإعادة تشكيل ماحصله من معلومات في قالب تخييلي يروم من خلاله إماطة اللثام عن مآزق التاريخ الإنساني بصفة عامة، والتاريخ العربي الإسلامي على وجه الخصوص.
فاستكناه هذا العمل التخييلي يفضي بالمتأمل إلى استنتاج أساس ومركزي، مفاده أن الروائي يأخذ على عاتقه مهمة الانتصار للمسحوقين في التاريخ، وذلك بتمجيد قيمة الحرية باعتبارها أسمى قيمة وجودية بها تتحدد إنسانية الإنسان، من ثمة اتجه الكاتب إلى مقاضاة نقيضها أي عبر تفكيك خطاب العبودية ونقضه، نقض يتأسس على تعرية الاسترقاق بما هو محو لإنسانية الإنسان، بناء على ذلك سعى مباركي إلى وضع الإنسانية أمام محكها التاريخي من خلال إعادة الصوت إلى العبيد والرقيق للكشف عن هول ما تعرضوا له، في ثنايا زمن غادر محق إنسانيتهم ونكل بهم في الزوايا المعتمة بين الجدران الحالكة.
وفقا لذلك ينشد هذا العمل إنصاف الإنسان المكلوم في إنسانيته، عبر إرجاع سلطة القول/الحكي إليه، ليبوح بشهادته هو الآخر من زاوية مغايرة عن الزاوية التي اعتادت السلطة النفاذ منها لترويج خطابها وتعميمه كحقيقة مطلقة.
بالاعتماد على هذا الصوت المستعاد سيتبدى لنا ما تم حجبه قسرا في حياة العبيد، وسيتعرى ما رامت الايديولوجيا السائدة تغييبه عن سبق إصرار وانحطاط، بفضل ذلك ستتجلى حقيقة الاسترقاق في أبشع صوره ووفق مستوياته، أبعاده وأنماطه. مع السعي إلى إدانته بفتح آفاق التحرر منه برسم مآلات انقلابية في صيروراته.