لزرق: فرنسا ‘الرسمية’ تقاوم التوجهات الجديدة للمغرب
فرنسا اتجهت، على مدى سنين، إلى إحكام سيطرتها الاقتصادية على مستعمراتها القديمة وتركيز تبعية مقيتة لها، وفي خضم ذلك لم تعر أدنى اهتمام للتحولات الجيوسياسية، ما جعلها منبوذة، حاليا، من لدن الأفارقة الذين نفضوا عنهم ما انطلى عليهم لسنوات، وقرروا أنه آن الأوان للتخلص منها وطردها شر طردة من قارتهم السمراء.
فرنسا لم تُلْقِ بالا لتعالي مطالب الأجيال الإفريقية بالتنمية والديمقراطية، وهي المطالب التي تنكرت لها، ودعمت نخبتها للتغافل عنها، مما جعل المواطن الإفريقي يدرك أن تحقيق التنمية والتحرر مقرون بمواجهة السيطرة، ومنطق التبعية مما جعل التنديد بالمنطق الفرنسي يتفاقم في عدة دول الرافضة إلى الهيمنة الفرنسية والتحكُّم في قرار الدول الإفريقية السيادي ونهب ثرواتها.
هذا المعطى وما يوازيه، تسبب في شد وجذب بين فرنسا والمملكة المغربية.
فرنسا “الرسمية” لا تزال تقاوم هضم المطلب المغربي بضرورة خروجها من المنطقة الرمادية والوضوح السياسي، مع المملكة، وتصر على اللعب على التناقضات المحيط السياسي، لهذا تعمل على ممارسة كل الضغوطات لتختبر إصرار المغرب.
فالمتغيرات الطارئة جعلت قوة الأشياء تفرض على فرنسا تغيير استراتيجيتها في إفريقيا، وهي قوة أملتها التغييرات التي تعرفها المنظومة العالمية والخسائر الكبيرة التي منيت بها فرنسا استراتيجيا في الكثير من الملفات إفريقيا ودوليا، وكل هذا في وقت عرفت خريطة القوى الوازنة والمؤثّرة في صنع القرار الدولي وضوحا في موقفها اتجاه قضية الصحراء المغربية، بعد اعتراف الولايات المتحدة وإسبانيا بالسيادة المغربية على الأقاليم الجنوبية.
فالثقل الفرنسي تراجع في إفريقيا، تراجع في المغرب بعد اختيار المملكة الاستراتجي تنويع وتعديد شركائها الاقتصاديين، وهو أمر لا محالة يفرض على فرنسا الوضوح ولا شيء غير الوضوح، بدل خوضها حرب استنزاف دبلوماسية ضد المغرب، تنذر بخسارة البلد الأوروبي ولا ريب.
الدول الإفريقية ترى في الشد والجذب بين المملكة الشريفة وفرنسا مثالا، صارخا على جدوى طرد هذا البلد الأوروبي الذي يحاول بث الفرقة وتعميم التبعية له، خارج سياق المستجدات على الساحة الدولية، فضلا عن قراءة هذه الدول الإفريقية لمؤشرات مواجهة بين فرنسا والولايات المتحدة من جهة وبينها وروسيا من جهة أخرى على الساحة الإفريقية.
لم تعد فرنسا وحدها من يملك ويتحكم في خيوط اللعبة بالقارة السمراء، وهو ما جعل العديد من الدول تتجه بدورها سيرا على منوال المملكة المغربية، إلى تنويع شركائها الاقتصاديين نحو الولايات المتحدة الأمريكية أو الصين أو روسيا التي باتت على مشارف مناطق النفوذ الكلاسيكي لفرنسا واتجاه موسكو إلى إرساء الأمن والاستقرار في جمهورية إفريقيا الوسطى، وتعاظم دورها في مالي بعد الانسحاب الفرنسي والأوروبي.
د. رشيد لزرق – رئيس مركز شمال أفريقيا للدراسات والأبحاث وتقييم السياسات العمومية
إن الآراء الواردة في هذه المقالة، لا تـُعبّر بالضرورة عن رأي موقع "بديل"، وإنما عن رأي صاحبها حصرا.