“أعدموا” طوطو


النقاش الذي يجري الآن حول مغني الراب “طوطو” أعاد للأذهان نفس النقاش الذي أثير بدءا من سنة 2000 و الذي شهد موجهة ظهور تعبيرات شبابية اعتبرت آنذاك أنها تعبيرات متمردة على السلطة، المجتمع و “اعترافه” كان يقودهم مغني الراب البيغ و قد كان من نتائج النقاش الذي أثير وقتها أن حوكم مجموعة من الشباب ضمن ما عرف بعبدة الشياطين، في النهاية وجدنا أنفسنا أمام شبان عاديين لهم تعبير ثقافي وفني مختلف عما يعتبره غالبية المجتمع بالعادي، ليكون هؤلاء الشباب بتعبيراتهم الفنية الراديكالية إن جاز التعبير واحدة من ملامح العهد الجديد ثقافياً، و شبابياً…

 

اليوم و بعد مرور أكثر من عشرين سنة يعود نفس النقاش مع مغني الراب المعروف بـ”طوطو” والذي قدم سهرته ضمن أنشطة وزارة الثقافة، بحيث أثير نقاش مغلوط حول سهرته وحول ما أثير من ردود فعل اتخذ أغلبها طابع “أخلاقوي” في محاولة لجلد هذا المغني وجلد وزير  الثقافة المهدي بن سعيد، و هنا لابد من إبداء بعض الملاحظات، رغم أني استمعت لمرات قليلة لهذا المغني لكن لم أتذوقه عكس البيغ، الفناير ومجموعات فنية شبابية أخرى:

 

– طوطو له جمهور واسع من الشباب، ففي كل السهرات التي ينظمها يستقطب الآلاف من الجمهور سواء في منصة الرباط أو أكادير و/أو على منصة اليوتوب، و قد وصل للعالمية وتعتبر أغانيه من أكثر الاغاني الشبابية المعروفة عربيا وعالميا وتحضى بمتابعة شباب من مختلف المناطق، فهل كل هؤلاء المتابعين له هم كما يراد أن يقدموا لا اخلاقيين؟!

 

– لا يمكن تقييم ما يقدمه “طوطو” بمعايير فنية نقدية كلاسيكية، سواء كانت فنية أو ثقافية، فالأمر يتعلق بتعبير فني لنوع من الغناء هو في حد ذاته ضد “النظام” و النظام هنا ليس المقصود به الدولة، بل ضد كل القواعد التي يضعها المجتمع، فالراب في كل بقاع العالم غناء الشارع، وغناء قد يحمل لغة خارجة عن المألوف وعن المعتاد، وقواعده مختلفة عن القواعد الأخلاقية المعروفة، لذلك ستجد جمهوره مخالف عن الجمهور العادي، والأمر كله لا علاقة له بالأخلاق.

 

– اغاني “طوطو” والكلمات التي يستعملها هي جزء من هذا النوع من الغناء، الراب… راب الشوارع بالأساس، ويجب التعاطي معها على هذا الأساس، وإذا تخلت عن القواعد التي تحكم هذا النوع من الغناء في العالم فلن يعود اسمه الراب.

 

- إشهار -

– عندما خرج ولد لكرية و لزعر و قاموا بطرح اغنية راديكالية منتقدة للدولة بشكل جارح، فُتح نفس النقاش الذي نشهده الآن، وكنت آنذاك على نفس موقفي الحالي، مدافع عنهم لأن هذا النوع من الغناء لا تحكمه القواعد التي تحكمنا نحن، وقد كان الكثيرين ينتظرون من الدولة أن تُحرك المتابعة في حقهم إلا أنها تسامحت معهم، لأنها استوعبت أن الأمر يتعلق فقط بالغناء، غناء احتجاجي بمنطق الهامش، و كان رد فعلها إيجابيا، وعندما تقارنه مع رد فعل المجتمع، سيتأكد أن الدولة أحيانا تكون متسامحة أكثر من المجتمع مع بعض التعبيرات المجتمعية خاصة الشبابية منها.

 

– لا يمكن أن نقدم قراءة أو رد على نوع الغناء الذي يقدمه “طوطو” بمنطقنا نحن، دون استحضار الاف الشباب الذين يستمعون لهذا النوع من الغناء، وهم ليسوا بالضرورة فشلة، أو “سلاكيط” بل منهم طلبة جامعيين، وأطر وتلاميذ… لكنهم يجدون أنفسهم في هذا الموت من الغناء.

 

– لا يمكن إقصاء الآلاف الشباب الذين يتذوقون “طوطو”، هؤلاء جزء من هذا المجتمع و يشكلون تعبيرا ثقافيا لجيل قد يكون جديدا لم يجد الفرصة للتعبير عن نفسه، وكانت سهرة “طوطو” هي المناسبة التي أعلن فيها عن ذاته بالشكل الذي تابعناه في منصة الرباط، وفي البولفارد، بل يجب فتح نقاش مجتمعي حقيقي ثقافيا يكون هؤلاء الشباب جزءا منه، نستمع لهم، يستمع لهم المجتمع قبل الدولة.

 

-لا يمكن ترك الأسباب الجدية التي أدت لنوع من التردي الثقافي، ونعلق “طوطو” ونجعله مشجب فشل السياسات العمومية الموجهة للشباب، من يريد أن يساءل الوضع الثقافي الحالي عليه مساءلة المثقفين والحكومات المتعاقبة منذ سنة 2000 إلى الآن، وما قدمته لمختلف الأجيال من الشباب المغربي خاصة شباب الهامش، اما ان نختار “الإعدام” الرمزي لـ”طوطو” فهو اختيار لن يكرس غير إعادة إنتاج حقل ثقافي مأزوم.

أعجبك المقال؟ شاركه على منصتك المفضلة..
قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد