الحراك فرصة من الفرص الضائعة للريف وللوطن


من خلال انخراطي وتتبعي القريب لتطورات حراك الريف، وكذا ردود أفعال الحاكمين والفاعلين السياسيين والمدنيين هنا وهناك، وبعد مرور ستة سنوات لانطلاقه لا بد من إجراء تقييم ولو أولي لوضعية الحراك اليوم، وذلك للاستفادة من دروسه واستشراف الآفاق.

    يمكنكم الاشتراك في نشرتنا البريدية للتوصل بملخصات يومية حول المقالات المنشورة على الموقع

    الاشتراك في النشرة البريدية

    انطلاق الحراك: صدفة أم خطة؟

    بإمكاننا ان نقر بأن انطلاق الحراك كان في الوهلة الأولى مجرد صدفة، ويتجلى ذلك في طريقة طحن الشهيد محسن فكري وحضور الشباب، وكذا التحاق آخرين من بينهم قائد الحراك والمعتقل السياسي الحالي ناصر الزفزافي بمكان الجريمة، لكن الكل يقر أيضا بان الوضع الذي يعيشه الريف كان ولا يزال قابلا للانفجار في أية لحظة، وأن مقتل الشهيد محسن فكري كان فقط تلك النقطة التي أفاضت الكاس، نظرا للظلم الكبير الذي طال هذه المنطقة منذ الاستقلال الشكلي إلى يومنا هذا (طريقة تعامل الدولة مع انتفاضتي 58/59 و 1984، التهميش المتعمد للمنطقة لمدة تفوق نصف قرن، إحراق الشهداء الخمسة في وكالة للبنك الشعبي، اغتيال الشهيد كمال الحساني، كريم لشق، وريفينوكس، دون أن تكلف الدولة عناء متابعة أي مسؤول أمني بالرغم كل الجرائم المقترفة).

    قوة الحراك

    – انخراط كل الأجيال نساءً ورجالا في المعركة بوحدة منقطعة النظير.
    – نهج أسلوب السلمية المطلقة.
    – نهج التجمعات العامة كصيغة لاتخاذ القرار (قبل أن يتخذ قرار منعها في فضاء ميرامار).
    – تسطير ملف مطلبي حقوقي تنموي يتسم بكثير من الواقعية.
    – امتلاكه لخطاب جريء مدمر لكل الطابوهات.
    – توسيع الحراك ليشمل باقي البلدات الريفية (أجدير، ايث قمرة، آيث بوعياش، بوكيدارن، إمزورن، ثاماسينت، الرواضي، آيث يطفت، آيث بوفراح، آيث عبد الله، آيث احذيفة، ثاركيسث، تلارواق، اساكن، ثروكوت، العروي، ادريوش، ميضار، الناظور…الخ).
    – انخراط النساء في المعركة بشكل لم يسبق له مثيل في تاريخ الريف، شمل حتى القرى الصغيرة كـ “ايت عبد الله” وايث حذيفة مثلا.
    – انخراط ريفيي الشتات في المعركة بشكل بطولي من أدني إلى أقصى دولة في أوروبا وأبدعوا كل الأشكال والأساليب السلمية الممكنة لمناصرة اخوتهم المظلومين والمقموعين هناك.

    ضعف الحراك

    – غياب أي تصور سياسي أو تنظيمي، بل تم استبعاد أسس ذلك كليا.
    – انتشار خطاب متناقض أحيانا أو في العديد من المرات، إذ كنا نقول الشيء ونقيضه في آن واحد.
    – اإفشال كل محاولات إيجاد الحلول (رفض قادة الحراك الجلوس مع الصبار كممثل للمجلس الوطنين مثلا، واستقبال سلامة ناجي كبطلة )، وفي المقابل كنا نجد الدولة تتوجه إلى المنتخبين الذين يشكلون جزء من المشكلة وليس طرفا في الحل، كما وجدنا الوالي اليعقوبي كان يتوجه (قبيل الشروع في الاعتقالات) مباشرة إلى المواطنين، أو بعض اللجان في القرى البعيدة ليس بحثا عن الحل، بل بحثا عن عزل ناصر الزفزافي وقيادة الحراك.
    – رفض وإبعاد كل الوساطات قبل وبعد بداية الاعتقالات.
    – تشتيت الجهود وتغليب لغة الحماس “اللايفي”.
    – تشتيت المعتقلين وعائلاتهم.
    – زرع التفرقة والتشكيك والتخوين، والتخريب، ولغة الياس، والإحباط.
    – تشتيت العائلات والمس بهم، وبوحدتهم ومحاولات “تأميم” بعضها من طرف البعض، في حين أن وحدة المعتقلين وعائلاتهم هو ركن من أركان القوة، والصمود، والتصدي، والتحدي.

    دروس الحراك

    - إشهار -

    – أولا: الاعتراف بان الريف متعدد، وأنه لا يمكن بأي حال من الأحوال فرض وجهة نظر واحدة، وعلينا إدانة لغة الاقصاء من أي طرف كان (الريف قبائل وقرى ومدن، الريف أجيال وتجارب مختلفة، الريف جبال وسهول وبحار وثقافات ولغات، وواهم من يعتقد ان الريفيين منسجمين في كل شيء…).
    – ثانيا: الريف هوية وتاريخ، ورموز، ومعتقلين، ومنفيين.
    – ثالثا: الريف يتمتع بإمكانيات هائلة بشرية (في الداخل والخارج) واقتصادية ومالية (تحويلات ريفيي الخارج المهمة كل سنة لكن يا للأسف لا تستفيد منها المنطقة)، وسياحية وتراثية وتاريخ حافل من الصمود والتحدي والعطاء.
    – رابعا: لا بد من تغليب لغة الانصات والتعقل والهدوء بدل لغة التشنجات والهدم، والتخريب، والسب، والتخوين، والتشهير.
    – خامسا: ضرورة ربط معركة الريف بمعركة الديموقراطية وحقوق الانسان بالمغرب ككل، لأسباب عديدة، أهمها أن الحراك أثبت أنه من الشبه المستحيل أن تحقق مكتسبات مهمة في الريف في ظل المؤسسات القائمة، والدستور الحالي، وسيادة الفساد والاستبداد واقتصاد الريع. وأن أي عزل للريف عن معركة أحرار المغرب ككل من أجل التغيير الديموقراطي، كأنك تخوض معركة وأنت معزول بل مكتوف الأيادي والألسنة، وتقوي الخصوم أكثر وتمنح لهم فرصة للانفراد بك لافتراسك وطحنك بسهولة تماما كما وقع مع حراك الريف.

    الحلول الممكنة

    – ضرورة توحيد كل الجهود للعمل على إطلاق سراح كافة المعتقلين السياسيين أولا.
    – ضرورة إجراء تقييم شامل وهادئ، وقول الحقيقة كما هي وحتى إن كانت موجعة واقتراح مبادرات تستجيب لشروط المرحلة وتبدأ بإعادة بناء الثقة.
    – حق الريفيين في تجميع أو تنظيم أنفسهم في تيارات وفصائل وطنية كانت أو محلية، او جمعيات مختلفة ومتعددة (لي كيحس قريب لشي حد من حقه يجتمع وينتظم ويشتغل معه).
    – الحق في صياغة الأفكار والتصورات الواقعية والبرغماتية القادرة على إخراجنا من هذا النفق المظلم.

    خلاصة القول:
    ستة سنوات من الصمود والعطاء والألم والآمال تستدعي منا جميعا وقفة جدية مع الذات، إن أردنا مواصلة المعركة ولو بطرق أخرى وأساليب جديدة. علينا أن نستبعد كل ما هو سلبي في هذه التجربة ونركز على ما هو إيجابي لإنجاز تراكمات قادرة على إحداث شقوق في جدار القمع والقهر المسلط علينا جميعا.

    الحرية لكافة معتقلي الراي بالمغرب.

    سعيد العمراني

    إن الآراء الواردة في هذه المقالة، لا تـُعبّر بالضرورة عن رأي موقع "بديل"، وإنما عن رأي صاحبها حصرا.
    أعجبك المقال؟ شاركه على منصتك المفضلة..
    قد يعجبك ايضا
    اترك رد

    لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

    يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد