ديبَاجَةُ الرَّحَّالي : نَخْب الحُرّية و التّحَرُّر!
لَعَلَّ فُوبْيَا المَهْرَمِ وَالشَّيْخوخَةِ وَالمَوْتِ حِينَ تُصيب الأَفْرَادَ والجَمَاعَات، تُنَبِّهنا إلَى أنَّ خَوَارِزْمِيَّات “الاسْتِعْبَادِ الذَّاتِي” تَجِدُ مُوصِلاَتِهَا إِلَى التَّحكُّم في بَرْمَجَةِ الأَدمِغَة البَشَرِيَّةِ، بِغَرَضِ المُتَاجَرَةِ بِأَحْلامِ البَقَاءِ ضِدَّ نَامُوسِ الفنَاءِ، معَ الإِنْزِيَّاحِ الضَّرِيرِ نحوَ عَقِيدَةِ التَّطًرُّفِ في مُلامَسَة مَفاهِيمِ الحُريةِ والتَّحَرُّرِ.
فَقَد يَزُولُ إِنْكِمَاشُ بَشْرَةِ الجَسدِ، غيرَ أنَّهُ لاَ يُغيِّر شَيْئًا أَمَامَ حَتْمِيَّةٍ مُحَرِّرَةٍ وَاقِعَةٍ. وَهَا نحْنُ نُعَايِشُ عَصْرَ الأَزْيَاءِ الأَنيقَة والإِكْسِسْوارِ المُنَمَّقِ وَمُضَادَّاتِ المَهْرَمَة، وَهَا نَحْنُ نُتَابعُ أَفْكَارَ “المُوضَة” تَتَقادَمُ وَلاَ تَمُوتُ، ثُمَّ هَا نَحْنُ نَرَى العُقُولَ المُبْدِعَةَ تَتَقَدَّمُ لِكَيْ تَمُوت؟!.
هَا.. هُوَ الوَعْيُ المَوْلُودُ يَرفُضُ الإِنْفِصَالَ عَنْ حَيَاةِ الأَفكَارِ المُتَقادِمَة، وَهَا نحنُ نُلاَمِسُ إِتِّصَالَ مُنْحَنَى الحَيَاةِ بِدَالَّةِ المَوْتِ. وَهِيَ كَذلِكَ الحُريةُ والتَّحرُّرُ بَنَاتُ أفْكارٍ الإِنْسانِيةِ التِي تَسْتغْرقُ زَمَنَهَا المَجْهُول مِنْ صَرْخَةِ البِدايةِ إِلَى تَابُوتِ النِّهايَّةِ. وسَيَخْرُفُ العَقْلُ قَبْلَ أنْ تَبْلَى جَمِيعُ الأفْكَارِ.. نَعَمْ؛ سَتَعِيشُ الفِكرَةُ وَالأَدْمِغَةُ رَمِيمٌ فِي قُبِورِ الانْتظارِ.
أَسْتَرْسِلُ في التَّوْضِيحِ بِالرَّبْطِ بيْنَ إِثْنَتَينِ منَ الوَقائِعِ؛
الواقِعَة الأُولَى: جَسَدٌ تَلُفُّهُ سِتَارَةٌ.
الواقِعَة الثَّانِيَّة : جَسَدٌ يَكْشِفُ مَا تَحْتَ السِّتَارَةِ.
بَدأَ مُقَعَّرُ الإِخْتلافِ يَتَحَدَّبُ نَحْوَ الإِسْتِقامَةِ، لِأنَّ المُشْتَرَك فِي الوَاقِعَتَيْنِ: تِيمَةُ الأُنُوثَةِ. فَالمَلْفُوفُ لَمْ يَحْجُبْ عَنَّا شَمْسَ الخَيالِ، وَالجَسَدُ المَكْشُوفُ قَدْ لاَ يُوافِقُ مَعَايِّيرَ الجَمال عِنْدَ التَّخْيِّيلِ.
زَغْرَدَ لِسَانُ الأُنُوثَةِ فَقَالَ : نَمْ مُطْمَئِنًّا يَا رَفيق، سَيَسْتَمِرُّ الصِّرَاعُ مَا بَقِيَ الجَسَدُ !، وَ سَتَبْقَى التَّفَاصِيلُ كَامِنَةً فِي مَخْزَنِ غَرائِزِهِمَا (هُوَ وَ هِيَ ). فَالرَّجُلُ مَيَّالٌ لِجَسَدِ المَرْأَةِ إنْ هِيَ لَفَّتْهُ سَيَكْشِفُهُ هُوَ، وَ إِذَا هِيَ كَشَفَتْهُ سَيَلُفُّهُ هُوَ؟!. إِنَّ الأُنُوثَةَ مَطْلَبٌ ذُكُورِيِّ بِإِمْتِيَّازٍ والرُّجُولَةُ مِنْ صِنَاعَةِ النِّسَاءِ بِلاَ تَمْيِّيزٍ.
وَأَنَا أَفْتَرِضُ وُجودَ عالَمٍ دُونَ أَجْسَادِ النِّسَاءِ، تَخَيَّلْتُ الدُنْيَا فِيهَا النِّساءُ عَائِشَاتٌ دُونَ أَجْسَادِ الرِّجَالِ. فَجَاءَتِ النَّتائحُ فِكْرَةً واحدةً : إِنْتَهَى زَمَنُ الإِنْسَانِ!. هَلِ الشَّهْوَةُ جَريمَة أَوْ خَطِيئَةٌ ؟. أَمْ أَنَّ الشَّهْوَةَ خاضِعةٌ لِوَحْدَةِ التَّشْرِيعِ وَ سَلاَمَةِ القِياسِ؟!. وَ أَيْنَ ظَرْفُ الزمانِ والمكانِ وشَرْطُ القُدْرَةِ وَ الإِسْتِطَاعَةِ.
قدْ يُشَكِّلُ الشَّغَفُ الجِنْسِي مُنْطَلَقَاتٍ للْبَحثِ الرَّصِينِ عنْ تَجَلِّيَّاتِ الفِكْرَةِ بيْنَ ثُنَائِيَّةِ المَلْفُوفِ والمَكْشُوفِ. وَ قدْ يَفْتَحُ الحُبُّ مَخَازِنَ القُلُوبِ لِتَتَرَاءَى لَنَا أَطْوَارُ الحَياةِ مِنَ الأَعْمَاقِ، عَرْضٌ لِمَشَاهِدَ تَصْوِيرِيَّةٍ تَكْشِفُ خَبايَا الذَّاتِ الإِنْسَانِيَّةِ وَوَظِيفَةَ الجَسَدِ فِي إِنْتَاجِ الإِسْتِمْرَارِيَّةِ وَ الإِسْتِمْتَاعِ بِالحُبِّ وَ الجَمَالِ.
هَكَذَا تَتَعَدَّدُ الأَجْسَادُ وَالخَلْقُ كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ، حَتَّى المَظَاهِرُ مُتَنَاقِضَةٌ مَعَ نَفْسِهَا فَالإِرَادَةُ حَائِرَةٌ بينَ فِعْلِ الخَيْرِ وَفِعْلِ الشَّرِّ. وَ المَأَمُولُ مِنْ عَقْلِ التَّمْيِّيزِ -كَفِعْلٍ بَشَرِيٍّ – يَظَلُّ مُرْتَبِطًا بِإِلْزَامِيَّةِ الوَعْيِ بِمَنْ وَ مَا نُرِيدُ أَنْ نَتَحَرَّرَ مِنْهُ؟!.
وَإذَا إِسْتَوْقَفَتْنَا بَعْضُ الدِّرَاسَاتِ وَالأَبْحاثِ العِلْميَّةِ الحَديثَةِ، المُتَعَلِّقَةِ بِنَتائِجِ مُحاوَلاتِ العُقُولِ الحَالِمَةِ بِالتَّحَرُّرِ مِنْ زَمَنِ الشَّيْخُوخَةِ وَ المَهْرَمِ. فَذَاكَ لِلتَّأْكِيدِ عَلَى أنَّ المُحَفِّزَاتِ الصَّلْبَة التِي تُحَرِّكُ عَقْلَ هَذَا الإِبْدَاعِ وَ الإِبْتِكَارِ، هِيَ فِي الأَسَاسِ مَكْبُوتَاتُ الخَوْفِ مِنَ المَوْتِ. وَ بِالتَّالِي سَيُمَانِعُ عَقْلُ التَّجْرِيبِ بَاحِثًا عَنَ العقَارِ الطِبِّي و التَّدَخُّلِ التَّجْمِيلِي، رَغْمْ أَنَّ قَدَرَنَا التَّارِيخِي يَجْعَلُنَا لاَ نَمْلِكُ الإِحَاطَةَ بِتَعْرِيفِ المَوْتِ إِلاَّ أَنْ يَعِيشَه الإِنسَانُ عِنْدَ سَكَراتٍ فَرْدِيَّة. فَكُلٌّ عَلَى إنْفِرَادٍ، يَوْمَ لاَ تَنْفَعُ أَقْرَاصُ المُخْتَبَرَاتِ وَ لاَ عَمَلِيَّاتُ الشدِّ وَ التّجْمِيلِ.
هَذَا وَصْفُ الإِسْتِغْرَابِ المُغْتَرِبِ يَسْتَفِزُّ الذَّكَاءَ الإِصْطِنَاعِي بِسُؤَالِ التَّمْيِيزِ بينَ الحُريّةِ فِي الإِخْتِيَّارِ وَ بَينْ وَازِعِ الحَتْمِيَّةِ المُحَرِّرَة. لأَنَّ المَطْلَبَ الأَوَّلَ نَابِعٌ مِنْ رَغْبَةِ الإِنْسَانِ فِي السِّيَادَةِ عَلَى الذَّاتِ وَ سَوْقِ الجَسَدِ نَحْوَ أَضْدَادِ البَلاَءِ وَ الفَنَاءِ، فِي حِينْ أَنَّ الحَتْمِيَّةَ المُحَرِّرَةَ تَهْدِمُ عَرْشَ اللَّذَاتِ بِالصَدْمَةِ المُرْعِبَةِ التِي تَجْعَلُ العَقْلَ مَشْدُوهًا غَيْرَ قَادِرٍ عَلَى مُواكَبَة عِلْمِ مَا وَرَاءَ تَجْرِبَةِ الرُّجُوعِ عَبْرَ الثُّقْبِ الأَسْودِ.
هَكَذَا إِذَنْ – إِقْتَنَعْتُ بِأَنَّ إِثْبَاتَ وُجودِي مَنْطِقٌ يَدْعَمُ جَوَابَ النِّهَايَةِ وِفْقَ تَسَلْسُلاَتِ مَوْقُوتَةٍ يَمْتَزِجُ فِيهَا الحُلُمُ بِالوَهْمِ، وَ تَتَشَابَكُ بَاقَةُ الأَمَانِي المُخْتَارَةِ مَعَ حُزْمَةِ الإِكْرَاهَاتِ الذَّاتِيَّةِ وَ المَوْضُوعِيَّةِ.
وَ هَكَذَا – أَيْضًا- تُوضَعُ تِيمَةُ الحُرِّيةِ – رغْمَ بَرَاءَتِهَا- عَلَى يَسَارِ ثَورةٍ حَالِمَة أوعَلَى يَمِينِ شَهْوَةٍ قائِمِةٍ. كَمَا أَنَّ حَفَظَةَ مُتُونِ التَّحَرُّرِ سَارُوا بَعِيدًا دُونَ تَحْرِيرِ الإِرَادَةِ ، وَ لَوْلاَ فَتْوَى الغَرَامِ لَمَا وَصَلَ هَذَا الإِسْتِغْرَابُ المُغْتَرِبُ إِلَى فَتْحِ خَزَائِنِ الأَسْرَارِ المَصُونَةِ.
سَنَمْضِي مَعَ وَضْعِ الصُّورَةِ فِي سِجِلِّ الوَفَاةِ ، وَتَسْتَمِرُّ الحَيَاةُ بِتَشْبِيكِ المُتَرَابِطَاتِ. إِذْ لاَبُدَّ لِنَضارَةِ الجَسَدِ مِنْ نِهَايَّةٍ، وَ القَلْبُ لَمْ يَكُ حُرًّا فِي إِخْتِيارِ نَبْضِ البِدَايَةِ. ثُمَّ يَشِيخُ العَقْلُ خَرفَانًا، وَ لَنْ تَنْقِضِيَ بِالمَوْتِ تَسَاؤُلاَتُ الإِنْسَانِ!.
فَالحُرِّيَّة مَصْدَرٌ هُنالِكَ، وَالتَّحَرُّرُ فِعْلٌ يُوَازِيهَا وَ العُمرُ فِيلْمٌ قَصيرٌ، قدْ تَصِلُ تِقْنِيَّاتُ صُورَتِهِ إِلى جَوْدةٍ سُبَاعِيّةِ الأَبْعَادِ، غَيْرَ أنَّ أَحْدَاثَهُ تَدُورُ مُسْتَسْلِمَةً لِأُحَادِيَّةِ مِيقَاتِ الرُّجُوعِ الأَعْظَمِ
وَ حِينَ أَرَى بَدِيعَ الجَمَالِ فِي الأَغْلاَلِ التِي تُقَيِّدُ حَرَكَتِي، فِي قُوَّةِ العَجْزِ التِي تَشُلُّ قُدْرِتِي، فِي كُلِّ الأَحْزَانِ التِي يَغِيظُهَا إِنْشِرَاحُ فَرْحَتِي. حِينَ أَبْلُغُ مَقَامَ الشُّكْرِ وَ أَحْتَفِي بِأُنُوثَةِ جَسَدِ حَبِيبَتِي بَعِيدًا عَنْ لَذَّاتِ شَهْوَتِي. حِينَ أَعِي أَنَّ الرِّحْلَةَ طِوِيلَةٌ، وَ أَنَّ حَرَكَةِ دَوَرَانِ المَوْتِ حَلَزُونِيَّةٌ كَرُجُوعٍ مِنْ أَجْلِ التَّقَدُّمِ إِلَى مَا فَوْقَ عِلْمِي وَ مَشِيئَتِي. فَقَطْ حِينَهَا :
سَأَعَانِقُ جَمَالَ الحُرِيَّةِ
سَأَشْرَبُ نَخْبَ التَّحَرُّر !ِ
إن الآراء الواردة في هذه المقالة، لا تـُعبّر بالضرورة عن رأي موقع "بديل"، وإنما عن رأي صاحبها حصرا.