في ذكرى مبادرة “كارني مول الحانوت”: الحماية الاجتماعية مكسب عظيم..


يحل علينا شهر رمضان المبارك هذه السنة، في ظل أزمة كورونا، وما رافقها من صعوبات، وما تمخض عنها من تداعيات، وبالرغم من ارتفاع تكاليف المعيشة بسبب الحرب الروسية-الأوكرانية، وتجاوز أسعار المحروقات مستويات غير مسبوقة، ناهيك عن ظرفية الجفاف القاسية التي يمر بها المغرب، لا ينقطع إقبال الأسر المغربية على التحضير لرمضان، كما جرت على ذلك العادة! وإن كان ذلك بمستويات متراجعة مقارنة مع السنوات الفارطة!

    يمكنكم الاشتراك في نشرتنا البريدية للتوصل بملخصات يومية حول المقالات المنشورة على الموقع

    الاشتراك في النشرة البريدية

    قطعا ستشهد وثيرة الإقبال فتوراً ملموسا هذه السنة، خصوصا لدى محدودي الدخل لقِصر ذات اليد، وهي الطبقة الأكثر تضررا من تداعيات الأزمة الخانقة التي أرخت بظلالها على الهرم الاجتماعي، حتى أضحت طبقتـُه الأوسع تضم الطبقة الوسطى والطبقة المتدنية على حد سواء، مع ما قد تشوبها من فوارق اجتماعية طفيفة، ربما لم يعد يفصل فيما بينها على ما هي عليه من جذب وتنافر، سوى عاملُ القدرة الشرائية المتأرجح بحسب المؤشرات الظرفية المتقلبة والمتلاحقة، ما يعقد عملية الإعتماد على مقاييس تحديد مضبوطة! إلّا أن المشترك الذي لا يمكن للعين أن تخطئه، هو وصول بسطاء كلتا الطبقتين إلى درجة تجرع مرارة الإحباط، جراء عجزهم عن مواكبة الطقوس المجتمعية، التي تفرضها مناسبات متتالية من قبيل رمضان!

    لقد كان وما انفكّ “كارني مول الحانوت” مثالا بارزا لِقيم النبل والشهامة، وعنصرا أساسيا من عناصر الحماية الاجتماعية بمفهومها الإنساني الأوسع في المغرب، ليس فقط للسواد الأعظم من المواطنين المغاربة الذين يـُتيح لهم التعاملُ بهاته الوسيلة، توفيرَ حاجياتهم من المؤونة الغذائية، دون أداء مقابلها في الحين، بل وأيضا لما تكتسيه وتكرسه من شيَم التآزر والتكافل والتعاضد بين أفراد المجتمع، سيما في ظل تأزم الأوضاع، وانحصار أو شُحّ الموارد المعَوّل عليها لسبب من الأسباب. ومع لجوء فئات من المغاربة إلى المتاجر العصرية المتوسطة والكبرى لإقتناء متطلباتها وتحقيق احتياجاتها المعيشية، لم يتراجع ولا توقف التعامل بـ”الكارني” مع “مول الحانوت” الذي ظل حاضرا برمزيته الاجتماعية حتى في الأحياء ما دون الشعبية، بل تجاوزها لتشمل رعايتُه إلى حين ميسَرَة، عُسْرَ مَن ضاقت بهم السبل في الأحياء الراقية!

    وإذ أتطرق اليوم لمبادرة الفنان رشيد الوالي، فذلك لما ساهَمَت به من إبراز للأدوار الطلائعية التي ما فتِئَ التجار الصغار يؤدونها بتفان من أجل الحفاظ على السلم الغذائي. ولأنها مبادرة اجتماعية بنَفحات فنية، فلم تقتصر على بعث رسائل أيقضَت فينا الجانب الإنساني فحسب، بل حركَت الكثير من المياه الراكدة تحت الجسور، تلاها ما تلاها من محاولات جبر الضرر، تعززت باتخاد اجراءات عديدة، تخللتها عيوب هنا وهناك! لإنعدام الرؤية السليمة، والإقتصار على التدبير المعزول عن الواقع، البعيد عن الإحتكاك المطلوب بأعماق الأوساط المعنية به، إلى أن تُوّجَت الجهود والنوايا الصادقة في إطار العناية المولوية الكريمة بلمسة سامية، انبثق عنها رسميا مشروع الحماية الاجتماعية، النابع من الحرص الملكي على تحقيق السلم والإزدهار.

    - إشهار -

    لعلنا اليوم مطالبون أكثر من ذي قبل بإحياء ذكرى “كارني مول الحانوت”! عرفانا بجميل هؤلاء البسطاء من التجار، واقتداءً بالقيم النبيلة التي اختار لها الفنان رشيد الوالي محطة رمضان كمناسبة ربانية متجددة، تحمل في طياتها الكثير من الحِكم. وعلى هذا الأساس أجدد دعوتي إلى كافة المغاربة من أجل دعم هؤلاء البسطاء في محلاتهم الصغيرة. وطبعا سيتطلب منا هذا الأمر تخفيف التسوق المتزايد من المتاجر العصرية الكبرى، وهذا لن يؤثر بأي شكل من الأشكال السلبية العميقة في مكسب أصحابها، الذين لا ينعكس ارتفاع الأسعار على طبيعة حياتهم، ولا تعرف الخسارة إلى مشاريعهم المتعددة مَنفذا. سيعوض بعضها خسارة بعض، إذا ما سلّمنا أن هناك خسارة في الأصل، بالمقارنة مع أصحاب المحلات الصغيرة المهددة بالإختفاء من الوجود ومن حياتنا بشكل دراماتيكي، تنتهي وتنقرض معها كل تلك الروابط والمشاعر والعلاقات التي لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تعوضها المتاجر العصرية، حيث لا شيء يُحتَفَى به ويسود أكثر من الإستهلاك بلا معنى!

    بكل صدق، مهما شكرتُ الفنان الوالي على ثقته الغالية، كما على التشريف الذي أحاطني به طيلة مرافقتي له في هاته المبادرة الفريدة من نوعها، فلن أوفيه حقه، ومهما بلَغَ التأفف بصغار التجار من المتاجر العصرية المتوسطة والكبرى، التي تنمو كالفطر بين ظهرانيهم، اكتساحا وطمسا لهويتهم الاجتماعية، فليس من شيء يسيء إليهم أكثر من المنافسة غير العادلة، بينهم وبين مستثمرين تتجاوز ثرواتهم المليارات! -اللهم لا حسد-. غير أنه عند الأزمات واشتدادها، لا أحد يضاهي “كارني مول الحانوت”! وهنا يكمن السر في روعة الحكاية..

    عضو سابق بغرفة التجارة والصناعة والخدمات لجهة الرباط سلا القنيطرة

     

    أعجبك المقال؟ شاركه على منصتك المفضلة..
    قد يعجبك ايضا
    اترك رد

    لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

    يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد