زعامة الاتحاد الاشتراكي وقرصنة الإرث المشترك للمغاربة
يزعم أتباع زعيم الاتحاد الاشتراكي وأبواقه أن زعيمهم قد أنجز مصالحة تاريخية بين الاتحاديين، لكن هذه المصالحة المزعومة هي مجرد كذبة، ليس لها من هدف سوى ترتيب الظروف لعهدة ثالثة. ولما كنت ذاهبا إلى المسرح لحضور الذكرى الستين لتأسيس الاتحاد الاشتراكي، ظننت أنني سأجد هناك الإخوان في كل من “حزب الطليعة” و”حزب المؤتمر” و “الوفاء للديمقراطية”.
لكنني صدمت، لأنني لم أجد أحدًا من هذه الاحزاب، وفكرت مليا في الموضوع، فتبين الأمر لا يتعلق بمصالحة بالمفهوم السليم، وإنما بتحايل على الرأيين العام الوطني والاتحادي، من أجل تلميع صورة الزعامة، حيث كان من المفترض إعداد ورقتين واحدة سياسية، وأخرى تنظيمية، تتضمنان التزامات واضحة تطمئن مناضلي هذه الأحزاب، والحال أن الزعيم لا يرغب في رجوع أي أحد من هذه الأحزاب إلى الاتحاد، لأنه كان يعي جيدا أن مناضليها سيعترضون على عهدته الثالثة، وبالتالي على وجوده على رأس الاتحاد، لأنه يعلم أنهم يعرفونه جيدا و من المستحيل أن يضعوا يدهم في يده، لأنهم لا يثقون به. إذا كان هؤلاء الإخوة قد قاطعوا دعوته للمصالحة، فإن أغلب مؤسسي الاتحاد ومناضليه الأصيلين لم يحضروا هذه المصالحة، حيث رفض الجميع المشاركة في في كرنفال الزعيم.
إذا كان هناك شخص يعرف ما يجول في ذهن هذا الزعيم، فإن علاقتي به لمدة طويلة جعلتني أكتشف عمقه، وأعرف دواخله، حيث إنه لا يؤمن بوحدة الاتحاد الاشتراكي، لأنه كان دوما وراء الانشقاقات التي عرفها هذا الحزب منذ بداية الثمانينيات. لقد تم تدريب هذا الشخص من قبل جهات معينة على خلق المشاكل داخل الاتحاد، حيث كان يتقرب آنذاك من بعض قيادات الحزب عبر نقل أخبار كاذبة إليها، مدعيا أن مجموعات حزبية تتآمر ضدها. وقد استمر في ممارسة هذا الأسلوب لما يقارب ثلاثة عقود، تمكن خلالها من خلق الشقة بين الاتحاديين.
هكذا، فقد كان هذا الزعيم وراء انسحاب كل من الإخوان في أحزاب “الطليعة”، “و المؤتمر الاتحادي” و” جمعية الوفاء للديمقراطية”. و للتدليل على ما أقول، فقد حدث ذات يوم اشتباك بين الزعيم والمرحوم “أحمد بنجلون”، فتدخلنا لفك هذا الاشتباك، وخاطبني المرحوم “أحمد بنجلون”قائلا: “إنكم لا تعرفون هذا الشخص، الذي يتظاهر بالدفاع عن الحزب، لكنه لا يفعل سوى خلق المشاكل من أجل تشتيته وإضعافه”. وإذا كان هذا الشخص يتظاهر بالولاء لبعض قيادات الحزب حينذاك، فإنه كان يقوم، عمليا، بالإساءة إليها عبر جعلها طرفا في صراعات وهمية فارغة. لذلك، فإن هذا الزعيم كان مجرد أداة في يد جهات معينة لتنفيذ مخططاته داخل الاتحاد، الأمر الذي يؤكد أن هذا الزعيم كان منخرطا في تنفيذ الدسائس ضد وحدة الحزب.
فوق ذلك، فلما التحق الإخوان في “الحزب الاشتراكي الديمقراطي” بالاتحاد، فإن هذا الزعيم كان رافضا لذلك، حيث ابتسم في وجههم في البداية، وبعذ ذلك انخرط في التآمر عليهم عبر تحريض جهات حزبية كثيرة ضدهم. لكن لماذا قام بذلك ضد هؤلاء المناضلين ؟ جدير بالذكر أن العمود الفقري لهؤلاء المناضلين يتشكل من مثقفين راكموا خبرات سياسية ونضالية مهمة، ما جعلهم يمتلكون استقلالهم الفكري، و نظرا لأن الزعيم يكره الثقافة والمثقفين، فإنه كره هؤلاء المناضلين، لأنه يخاف من قدراتهم الفكرية التي كان يعتقد أنها ستجعل منهم سدا منيعا ضد استمراره في تنفيذ مؤامراته ضد الحزب.
تبعا لذلك، فإن هذا الزعيم لا يؤمن بوحدة الحركة الاتحادية، بل إنه خلق شروطا لممارسة العنف ضد المناضلين الاتحاديين و مؤسسي الحزب لينسحبوا من الحزب، فانزلوا بأنفسهم، وتركوه وحيدا في الحزب، فخلا له الجو ليشكل عصابة تؤتمر بأموره، وتمكن من مسخ الاتحاد وتحويله إلى كيان منقلب على ذاته فكريا، وأخلاقيا، وتنظيميا، فانقطع هذا الحزب عن امتداداته المجتمعية، التي جعلت منه حزبا كبيرا مدافعا عن الوطن واستقراره. لذلك إذا كان الاتحاد ضعيفا فكريا وتنظيميا، فكيف يمكنه أن يؤطر المجتمع ويقوم بأدواره الدستورية؟
أضف إلى ذلك أن رفض هذا الزعيم للمثقفين، وعمله على إبعادهم قد شكل ضربة قاضية للاتحاد الاشتراكي، وجعله فريسة في متناول الزعيم.
لذلك، فإن هذا الزعيم لا يؤمن بتقوية الحزب، بل إنه يؤمن بإضعافه حتى تسهل عليه السيطرة عليه، و توظيفه لتلبية حاجاته المادية. وهذا ما يؤكد أن هذا الزعيم لا يؤمن بوحدة الحركة الاتحادية، بل إن ما يقوم به اليوم هو انشقاق جديد من جانبه داخل الحزب. هكذا، يتأكد أن الزعيم وأفراد عصابته يعملون على سرقة النار و الدار…