وُلد إله المحبة ومات الإله المنتقم


تواجه البشرية جمعاء أزمة غير مسبوقة لِتَتَّحد في قبيلة عالمية واحدة. ووفقًا لتجاربها في الماضي ألا تحتاج في هذا الوقت إلى تبني دين جديد وإله جديد متناغم مع عصرها الحالي خاصة قد دُفنت الأديان القديمة والآلهة المنتقمة؟

    يمكنكم الاشتراك في نشرتنا البريدية للتوصل بملخصات يومية حول المقالات المنشورة على الموقع

    الاشتراك في النشرة البريدية

    بدون سبب للحياة وبدون معرفة مصيره بمجرد تحلله أي الموت، كان على الإنسان في الماضي أن يخلق مفهوم الأصل غير المرئي والقوة الخارقة وسبب وجوده. وبالمثل، للهروب من واقعه المادي البحت، اخترع الإنسان وجود جزء من نفسه غير مرئي ونابع من هذه القوة الخارقة للطبيعة والتي بدورها لا تُحس. وهكذا لقد أطلق اسمًا على هذه القوة “الإله” وعلى الجزء غير المرئي الموجود بداخله “الروح”. كل هذا من أجل أن يكون آمن ومؤمن بالحماية الإلهية الدائمة مهما كان الزمان والمكان.

    لقد عاش الإنسان في اوله بمفرده في مواجهة أخطار الطبيعة، فخلق الحماية الإلهية متشبثًا برداءها في كل عاصفة ورعدية وفي وجه الذئاب.

    تعلم الإنسان بعد ذلك ضرورة العيش في المجموعة من أجل بقائه، لذلك لم يعد إله الحماية لكل فرد مفيدًا منذ أن تولت المجموعة وظيفة الحماية. ولذلك فإن الله الذي يحمي الفرد قد مات آنذاك. ومن ناحية أخرى أصبحت المجموعة تحتاج بدورها إلى حامي، وهكذا قد تم اختراع إله المجموعة وكذلك الوسيط بين هذا الإله والمجموعة “حكيم القرية”، الشخص الذي لديه وهبة والهام التحدث إلى الإله الحامي.

    ومع مرور الوقت، اجتمعت المجموعات معًا كقبيلة من أجل الحصول على حماية أفضل ضد القبائل الأخرى وضد جميع مخاطر الطبيعة ولكن أيضًا لتقاسم الأدوار. لذلك مات إله المجموعة واخترع الإنسان إلهًا أقوى قادرًا على حماية القبيلة بأكملها وتزويدها بالثروة. وبعد ذلك تم اختراع استراتيجية الحروب لحماية القبيلة ولكن قبل كل شيء لإثراء الذات واحتلال أراضي الآخرين باسم الإله.

    وبعد ذلك أصبحت القبائل أكبر ولا يمكن السيطرة على السكان ولم يعد لحكيم القبيلة سلطة، وهكذا وُلد الدين وحل الرسول محل الحكيم ووُلدت الشرائع المقدسة والسلطوية والشمولية.  وكل هذا لم يكفي وكان من الضروري تحويل الله الحامي إلى إله منتقم وإله الرعب مع ابتكار الجحيم والنار من أجل ترويع السكان والسيطرة عليهم باسم الله المنتقم والقاس. وهكذا أصبح لكل قبيلة وكل أمة دينها ونبيها الذي برر الحروب القبلية لإنقاذ أرواح البشر وكانت القبيلة الأقوى تفرض دينها ونبيها. وبهذه الطريقة نظمت القبائل نفسها على شكل دول صغيرة.

    - إشهار -

    الآن وقد أصبح العالم قرية واحدة، كان على الإنسان مرة أخرى أن يخترع إلهًا موحدا للجميع وديانة عالمية ولكن هذه المرة مع إله الحب وقتل الله المنتقم. فجأة كل دين بعدما قتل في الماضي الأطفال والنساء والرجال ونهب ممتلكات الأبرياء، يدعي الآن أنه دين الحب العالمي على الرغم من عمره أكثر من 1000 عام مع شريعة غير قابلة للتنفيذ في الوقت الراهن ودون إثبات المحبة والسلام في مهده. وعلى هذا النحو فإن هذه الأديان القديمة قد أصبحت تتحول إلى ديانات مسالمة مع إله محب من خلال دفن الإله المنتقم! بشرى جيدة جدًا للبشرية!

    الآن، ألم تصل بعد الإنسانية إلى مرحلة لم يعد أمامها خيار للبقاء، كما فعلت في الماضي خلال أزماتها، لتوحيد جميع آلهتها في إله واحد “إله الحب” وتذويب كل الأديان في دين واحد “دين السلم والسلام والوحدة في التنوع” وجعل الأرض دولة واحدة وجميع مواطنيها أوراق شجرة واحدة؟

     هل للبشرية بديل آخر؟

    الدكتور جواد مبروكي، طبيب نفساني، باحث وخبير في التحليل النفسي للمجتمع المغربي والعربي

    أعجبك المقال؟ شاركه على منصتك المفضلة..
    قد يعجبك ايضا
    اترك رد

    لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

    يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد