هل يفوز “البيجيدي” بولاية ثالثة؟
لا يخفى على أحد منا المحطات التي قطعها حزب العدالة والتنمية قبل أن يصل إلى دائرة الحكم بالمغرب، فالجميع يدرك حجم المضايقات التي طالت حزب عبد الكريم الخطيب منذ تأسيسه، والجميع يعلم حقيقة أن الطريق أمام هذا الحزب لم تكن معبدة أبدا، لكن استطاع حزب البيجيدي بعد محاولات عديدة تحقيق مكاسبه بعدما حصل على 14 مقعدا ضمن انتخابات سنة 1997، ليعود في سنة 2002 ويضيف إلى رصيده عددا أوفر من المقاعد وصلت إلى 42 مقعدا في مجلس النواب، محتلا بذلك المرتبة الثالثة، ليصبح فيما بعد الحزب المعارض الأول في البلاد …
إن هذا الحزب الذي تبنى التوجه الإسلامي قد وجهت له أصابع الإتهام بعد الأحداث الإرهابية التي وقعت سنة 2003 بالدار البيضاء، إذ اتهمه خصومه السياسيين بكونه السبب في ما وقع، إذ أن أولئك الذين قاموا بتنفيذ تلك العمليات كانوا ينتمون إلى تيارات سلفية متشددة، ولهذا السبب لجأ الحزب إلى تقليص مشاركته في الانتخابات المحلية بفعل ضغوطات خارجية، وعلى الرغم من ذلك فإن الحزب استطاع وككل مرة تحقيق نتائج جيدة مكنته من تسيير عدد من الجماعات المحلية…
لقد استطاع الحزب الإسلامي أن يعتلي العرش في عز فترة اندلاع ثورة الربيع الديمقراطي” سنة 2011، ولعل ما مكنه من ذلك هو خطابه القوي الذي توعد به المواطنين المغاربة بإصلاح الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المتدهورة، كما أن الحزب ناد بضرورة محاربة الفساد، دون أن ننسى كيف استطاع “البيجيدي” أن يلعب على وثر الدين والأخلاق ودغدغ مشاعر المواطنين وتلاعب بعقولهم، الشيء الذي جعله يحظى بنوع من المصداقية خاصة في صفوف المتدينين.
وحيثما وجد الحزب الإسلامي، وجدت الاتهامات أيضا، فالبعض اتهمه بازدواجية الخطاب، والبعض الآخر قال إن أقوال الحزب خالفت أفعاله، وذلك راجع أساسا إلى الفضائح التي عرف بها الإسلاميين رغم خطابهم الذي يميل إلى الدين والعفة، لكن ورغم هذا فإنه تفوق على غيره من الأحزاب انطلاقا من الدفاع عن أفكاره، علاوة على امتلاك الحزب لأمين عام( عبد الإله بنكيران ) عرف بخطاباته المتميزة وبكونه رجلا سياسيا حظي بشعبية فاقت شعبية جميع أمناء الأحزاب الأخرى.
لقد لعبت حركة عشرين فبراير وهي حركة احتجاجية مستقلة تضمنت نشطاء طالبوا بإحداث مجموعة من الإصلاحات في المغرب واستعادة كرامة الشعب لعبت دورا كبيرا في وصول حزب العدالة والتنمية إلى الحكم لأنها استهدفت حزب الأصالة والمعاصرة وأضعفته لصالح الإسلاميين وهذا ما زاد من قوة حزب “المصباح”‘.
وهكذا بعد رحلة محفوفة بالصعوبات والضغوطات استطاع حزب الإسلاميين الصعود إلى مربع السلطة وقادوا الحكومة لولاية امتدت خمس سنوات، وعاد الحزب من جديد ليكتسح الانتخابات التشريعية لسنة 2016 بأكبر عدد من المقاعد، حينها تساءل الكثيرون عن سبب نجاح إسلاميو المغرب بالذات، في المقابل فشل إسلاميو الدول العربية الأخرى، بعد قيام ثورات طالبت برحيلهم عن السلطة في أقرب وقت.
إن السبب وراء اعتلاء الإسلاميين الحكم لمدة ولايتين متتاليين يعود حسب بعض المحللين إلى كون الإسلاميين في المغرب بدؤوا ضمن الدولة واعترفوا بمؤسساتها وقبلوا بالعمل تحت مظلتها، كما أنهم بدؤوا بفكرة الإصلاح الجزئي انتهاء بالمشاركة السياسية الكاملة كما أنه حزب سعى إلى إيجاد حلول لمشاكل المجتمع من بطالة وفقر محافظا على موقع الملك كأمير المؤمنين وأعلى هرم سلطة في البلاد، زد على كل ما سبق الإشارة إليه أن الإسلاميين تغلغلوا داخل المدن والقرى إذ أنه لم يعد هناك فرق بين المجال القروي والحضاري. كل هذه الأسباب جعلت من حزب العدالة والتنمية المغربي تجربة مميزة مكنته من كسب ثقة المواطنين مما جعلت المغاربة يمنحون أصواتهم لهذا الحزب مجددا…
لقد أوشكت عشر سنوات على المرور، عقدا كاملا أمسك فيه حزب العدالة والتنمية بزمام الحكم داخل المملكة المغربية، والى حد الآن لا يزال مصير الإسلاميين مجهولا، ومازال البعض يتساءل ما إذا كان حزب عبد الكريم الخطيب سيحظى مجددا بولاية ثالثة أم أنه سيغدو كغيره من الأحزاب التي حاربت من أجل أن تحجز مقعدها في السياسة المغربية لكن الزمن كان كفيلا بأن يحولها بعد عقود لتصبح أحزابا عادية مضت أيام حكمها ونُسيَت.
إن الانتخابات المقبلة تعد محطة مفصلية في تاريخ المغرب، لكونها ستجرى في سياق استثنائي صعب بالنسبة إلى الدولة وإلى الأحزاب السياسية، سياق ستحكمه تحديات عديدة لذلك على الأحزاب أن تعمل جاهدة على إثبات نفسها وذلك عبر ضخ دماء جديدة ومحاولة إعادة الثقة للمواطنين في المنتخبين ..
لا يختلف اثنان في كون حزب “المصباح” يتوفر على كتلة ناخبة صلبة، لكن في المقابل فالجميع يُجمِع على أن شعبية الحزب الإسلامي الحالية ليست هي الشعبية التي كان يحظى بها بعد صعوده إلى الحكم يوم 25 نونبر 2011. نظرا لأن معظم المغاربة استفاقوا على كون الحزب لم يقم بالتغيير المنشود ولم يصلح لا منظومة الصحة ولا التعليم، بل اعتبروه أكبر عائق ساعد على انتشار الفساد تحت شعار “عفا الله عما سلف “. لكن ورغم كل هذا فإن أحدا لا ينكر القاعدة الانتخابية القوية والوفية التي يتميز بها الحزب، ولن نتفاجأ إذا عاد حزب العدالة والتنمية مجددا للإمساك بزمام الحكومة ولو بنسبة أضعف مقارنة مع الولاية الأولى والثانية، إذا لم تعمل الأحزاب المنافسة جميع جهودها فسنكون مستعدين إلى استمرار مسلسل الحكم مع الإسلاميين إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها …
وفي ظل هذا وذاك نتساءل مجددا هل يستطيع حزب العدالة والتنمية اكتساح الانتخابات المقبلة لسنة 2021 ؟