هل يدافع “البيجيدي” عن الديمقراطية أم عن “الكوزينة”؟ (شرح القاسم الانتخابي)


في البداية لا بد من التأكيد بأن اعتماد القاسم الانتخابي على أساس المسجلين، يضرب العملية الانتخابية في العمق؛ إذ يُمكن أن يجعل “حزبا” صوّت عليه العشرات في دائرة انتخابية يتساوى مع “حزب” صوّت عليه الآلاف، زد على هذا، أنه يفتح الأبواب مشرعة للأحزاب “المجهرية/الشخصية”، التي لا تحمل غير الاسم، قصد الدخول إلى مؤسسات الدولة، وبلقنتها أكثر، ممّا يجعلها فضاء ملائماً للصراعات والتطاحنات.

ففي الوقت الذي ينتظر فيه المواطن المغربي أن ينتهي منطق “الوزيعة” في الممارسة السياسية، وتنتهي معه الأحزاب المجهرية التي يرتبط “اسمها بأمنائها العامين”، يبدو أن القائمين على تسيير الشأن العام يحبذونه ويصرون على تكريسه، تنزيلا لفكرةٍ، قيلت في مكان وزمان آخر، وتقول: “فرّق تسود”.

وظهر ذلك جُلياً، بعدما صادقت لجنة الداخلية بمجلس النّواب بـ”الأغلبية المطلقة”، ليلة الأربعاء الـ3 من مارس الجاري، على التعديلات التي أُدخلت على مشاريع القوانين التنظيمية المتعلقة بالانتخابات، والتي أُقرّ ضمنها “اعتماد القاسم الانتخابي على أساس المسجلين”، وكذلك “إلغاء العتبة”.

وإلى حد الآن، لازالت هذه التعديلات مجرد مشاريع فقط، وتحتاج إلى المرور في عدة مراحل أخرى، قبل إقرارها نهائيا كقوانين تنظيمية نافذة ملزمة.

ويتبيّن من خلال الصورتين أدناه، الفرق بين عدم إلغاء عتبة “%3″، واعتماد القاسم الانتخابي على أساس الأصوات الصحيحة المعبر عنها، وبين إلغائها واعتماد القاسم الانتخابي على أساس عدد المسجلين في اللوائح الانتخابية.

مثال عن حالة بقاء العتبة وتحديد القاسم الانتخابي على أساس الأصوات الصحيحة المعبر عنها

إذن واضح أن طرح أصحاب “القاسم الجديد” لا يخدم الديمقراطية، ولا يخدم تقوية المؤسسات التمثيلية، وهو ما تقوله قيادات حزب العدالة والتنمية هذه الأيام، لكن: هل حزب هؤلاء تهمه الديمقراطية في الحقيقة؟

أولا: في 2011 إبان الاحتجاجات التي عرفها المغرب، في سيّاق الربيع الديمقراطي، والتي طالب من خلالها الشباب “الفبرايري” بإسقاط الفساد والاستبداد، وبالحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، خرج “البيجيديون” وأخذوا شعارات الشباب، وبدأوا بالهجوم عليهم، من خلال بنكيران، واصفين إياهم بـ”الطبالة والغياطة”.

- إشهار -

ثانيا: في الفترة ذاتها، أقدمت الأمانة العامة للحزب، على إصدار بيان يدعو إلى عدم المشاركة في الاحتجاجات.

ثالثا: فيما بعد أصبح الأمين العام للحزب، لا يكاد يُفوّت أي مناسبة، دون أن يُذكّر الشعب المغربي بـ”سوريا والعراق”، بغرض زرع الخوف في النفوس، ناسيا أن إسبانيا لا تبعد عن المغرب إلا بحوالي 15 كيلومترا، وأن المغاربة يتطلعون إلى غد أفضل، لا أن يكونوا كـ”سوريا والعراق”.

رابعا: بعد احتجاجات الريف، خرج البيجيدي رفقة أحزاب الأغلبية، ببيان يخوّن النُشطاء تمهيدا لاعتقالهم وإصدار الأحكام التي شهدها الجميع.

خامسا: بعد الأحكام الصادرة في حقهم، خرج المصطفى الرميد القيادي في الحزب، بصفته وزيرا لحقوق الإنسان، في تصريحات صحفية ودافع عن الأحكام معتبرا إياها لازالت ابتدائية، وفي المقابل هاجم المنتقدين، بمبرر أنهم لم يطلعوا على حيثيات الملف.

سادسا: تم اعتقال عددا من الصحفيين والمدونين والحقوقيين، ولم يحرك الحزب ساكنا، على الرغم من أنه يملك الأغلبية النسبية في البرلمان، بـ124 نائبا في مجلس النواب، وبـ15 مستشارا في مجلس المستشارين.

إذن، انطلاقا من هاته القضايا البارزة في تاريخهم، والتي تسببوا فيها أو ساهموا في حدوثها، أو باركوها بصمتهم، وانطلاقا من تشبثهم بالكرسي، وانطلاقا من اعتراف قيادتهم في أكثر من مناسبة بأن لا علاقة لهم بإدارة الشأن العام، وأن لا هدف عندهم غير تحسين أوضاعهم، وعلى خلفيات خرجاتهم الآن، آخرها ما جاء من تهديدات في بلاغ الأمانة العامة للحزب، بـ”اتخاذ مبادرات سياسية” في حالة الإقرار بالقاسم الانتخابي “الجديد”، واستحضارا لتصريحات بنكيران حول “تشييد الكوزينة” أثناء الحملة الانتخابية، لسنة 2016،  يمكننا أن نتساءل: هل يدافع “البيجيدي” عن الديمقراطية أم عن “الكوزينة”؟

أعجبك المقال؟ شاركه على منصتك المفضلة..
قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد