محاكمة “الشن طن” لضحايا قائد تمارة


لم تكن الأحكام الصادرة، ابتدائيًا، في حق الضحايا الأربع لقائد المقاطعة السابعة بتمارة، مفاجئة، وذلك لعدة اعتبارات، منها أساسًا أن طبيعة الاستبداد فرضت على البنيات المخزنية المختلفة التعاون والتحالف والتضامن لتثبيت “هيبة” مزيفة تلازم الـ”قمع والعنف” الذي لا يلين ولا يرحم ولا يعترف بعمق الأمور. لكن ثقل الأحكام وقساوتها هو المفاجئ جدًا. ذلك ما يعكسه تصريح منسق هيئة الدفاع، الأستاذ الصوفي، لوسائل الإعلام مباشرة بعد النطق بالأحكام التي يبدو وأنها تركت في حلقه غصّة.

مرت محاكمة “الشن طن” مرور الكرام، نزلت الأحكام كالصاعقة، انهارت والدة الضحية الرئيسية لتُنقل إلى المستشفى، لتنتهي المسرحية ويُسدل عليها الستار.

هذه المحاكمة ليست مجرد ملف قانوني، بل هي مناسبة لإبراز السلطة كمنظومة مهيمنة على كل السلط، حيث يُوظَّف القانون كواجهة، ويظهر المواطن المغلوب ضحية لخلل بنيوي في العلاقة بين الحاكم والمحكوم.

لقد أعد العقل المستبد كل شيء مسبقًا بشكل دقيق، بداية من تلفيق التهم، وإعداد المحاضر، وإحضار شهادة طبية تُحدد مدة عجز القائد في 30 يومًا، شهادة طبية غير واقعية ولا تتناسب وواقع الحال، كما أن إحضار شهادة طبية للذراع الأمني للقائد، في الوقت المناسب، بعد مرور 15 يومًا عن الحادث، يفتح الباب، في العمق، لمساءلة القائد عن الشهادتين معًا.

لم يكفِ هذا كله، بل تمت محاولات إخراس فعاليات إعلامية جادة من طرف أزلام تلبس ألوانًا “جمعوية” تارة، ولبوسًا “أمنيًا” تارة، و”إعلامية” صفراء في حالات كثيرة.

ليس صدفة نعت الفتاة الضحية، ابنة الطبقة الفقيرة المضطهدة، بـ”بنت الفشوش”، وهي الكادحة ابنة طبقة فقيرة من المدينة العمالية، الدار البيضاء، المكافحة. ليس الأمر بريئًا قط، بل هو سلاح رمزي لاغتيالها المعنوي، وتحييد التضامن معها، وطمس المعنى الحقيقي لما وقع.

إنه جزء من ثقافة أكبر، تستخدم اللغة كسلاح سياسي وأخلاقي لتبرير الظلم وديمومة الهيمنة. أليس لاستعمال نعت “بنت الفشوش” خلفية طبقية وذكورية في الآن معًا؟
لقد اعتُقل الشاهد الوحيد المؤهل للإدلاء بشهادته، اعتُقل وأُقحم تعسفًا وظلمًا ضمن “المعتدين” لتفادي شهادته، وهذا، بدون شك، طمس للحقيقة، لكونه خطرًا على الرواية الرسمية، فتجريمه أصبح ضرورة لإقفال الملف ووضع نقطة نهاية له.

رُفضت ملتمسات وطلبات هيئة دفاع الضحايا، كإحضار القائد للاستماع إليه باعتباره الطرف الرئيسي والسبب المباشر في الحادثة، وهذا يثير الكثير من التساؤلات، تمامًا كما تم رفض استدعاء الطبيبة مانحة الثلاثين يومًا كعجز لرجل السلطة.
فعلى حساب العدالة والشرعية الأخلاقية، استثمرت السلطة من خلال محاكمة “الشن طن” لإظهار “الحزم” و”الهيبة”. لم تكن المحاكمة إجراء قانونيًا فقط، بل كانت محملة برسائل ثقافية وسياسية موجهة إلى المجتمع، النخبة، والمعارضين، ولكل من يهمهم الأمر.
فالمحاكمة أرسلت رسائلها السياسية بأن لا أحد فوق الخط الأحمر، وإشارة واضحة مفادها أن أي شخص يقترب من البنية السلطوية مثل القواد أو ممثلي الإدارة الترابية، فسيتم سحقه قانونيًا وإعلاميًا. القضاء يكون وسيلة للضبط السياسي، فأن يُسجن مواطن لأنه تجرأ على الاحتجاج، يصبح القضاء رسالة تحذيرية لكل من يفكر في كسر جدار الصمت، الذي حطمته “تصرفيقة الشيماء”، ولذلك لا بد من سجنها لتكون عبرة.

- إشهار -

ثقافيًا، كرّست الأحكام القاسية على ضحايا قائد تمارة، من جديد، ثقافة الخضوع والخوف، وعززت ثقافة الصمت وتحقير المواطن كعنصر مزعج، لا كإنسان له حقوق وروح وكرامة وصوت، بهدف القبول والخضوع بـ”واقع الظلم والحكرة كما هو”.
كل شيء حضر… والغائب هو المحاكمة العادلة للضحايا الدراويش لقائد تمارة: حضرت الجدران، والزي الرسمي، والقضاة، ومحاضر الضبط، وأقلام الصحافة المأجورة، حضر ثقل الأجهزة، الرمزي والبوليسي والإعلامي، حضر الصمت، كما حضرت الجلسة “باحثون”، وحضر الخوف، وتدوير الحقيقة، لكن الغائبين الوحيدين… كانا العدل والهيئات الحقوقية، وإن اعتمدت على قاعدة المساواة المزيفة.

غابت العدالة لأن ميزانها اختل لصالح السلطة، لا لصالح القانون. وأُطمِرت كرامة الإنسان البسيط تحت ركام الإجراءات الشكلية، بسبب اصطدامها مع جدار نفوذ “ممثل الدولة” السميك جدًا.

إن ما جرى خلال جلسات أيام 26 مارس و4 و10 أبريل 2025، ليس فقط ظلمًا قانونيًا، بل زلزال أخلاقي وثقافي يضرب في العمق: فأي مستقبل لوطن تُسحق فيه الضحية، وتُقدس فيه السلطة؟

هل يُصلح القضاء الاستئنافي ما أفسده الابتدائي؟ لا أعتقد. هل يعيد الاستئنافي التوازن المختل للعدالة، أم أنه سيضفي الشرعية على الحكم الابتدائي بإنتاج نفس الأحكام أو التخفيف من العقوبات دون المساس بجوهر الإدانة؟

ففعالية الاستئناف، في ظل نظام قضائي غير مستقل، لن تكون حقيقية دون الابتعاد عن التعليمات، واستدعاء الشهود وكافة الأطراف، ويكون الإعلام والمجتمع المدني الحقوقي حاضرين بقوة، لخلق نوع من الضغط الأخلاقي لصالح العدالة، وإحراج المؤسسات السلطوية، فـ”استقلال القضاء وفعاليته لا يُطلب… بل يُنتزع”.

وهذا الأمر مستبعد جدًا في قضية يُخيّم عليها الترويج للمساس بـ”هيبة السلطة” ترويجًا خياليًا، وبالتالي فالاستئنافي، إن تم، فغالبًا لن يخرج عن الخط المرسوم سلفًا، ولن يكون سوى خاتمة أكثر تهذيبًا لنفس الظلم.
ذلكم ما كان، وذلك ما سيكون، ليبقى الأمل في العفو المقدّس على الشيماء.

أعجبتك المقالة؟ شاركها على منصتك المفضلة
قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد