الاسئلة الغائبة عن مؤتمر PJD

حزب العدالة والتنمية ما يزال ينزف من جراح عميقة منذ “حادثة السير السياسية” التي تعرّض لها سنة 2021، حين سقط سقوطًا حرًّا من الطابق 125 إلى الطابق الأرضي مباشرة!
وها هو اليوم يستعد لعقد مؤتمره الوطني التاسع نهاية هذا الأسبوع ، وسط آمال معلقة باستعادة بعض من عافيته، ولملمة جراحه، وتحضير (الحبة والبارود) لجولة جديدة من انتخابات 2026… عسى أن يسترجع شيئًا من قوته، وشعبيته، وحضوره.
السنة المقبلة ستشهد انتخابات بطعم خاص، وبشراسة غير مسبوقة، في سياق سياسي أقل رحمة، ووسط مشاكل أكثر تعقيدًا مشاكل الداخل ومشاكل الإقليم والقوى التي صارت موثرة في عدم وصول الإسلاميين إلى الحكومة مرة اخرى دققوا في الصورة جيدا ! .
البيجيدي اليوم أمام استحقاقين:
1. تنظيمي: يتعلّق بتجديد القيادة من الأمين العام إلى أعضاء المجلس الوطني، مرورًا بالأمانة العامة، ومسؤولي الجهات والأقاليم. لكنه، بصراحة، رهان ثانوي مقارنة بالرهان الأهم…
2. سياسي: فالتحدي الحقيقي يكمن في قدرة هذا الحزب الذي فقد نصف اعضائه ( انتقل من 40 الف عضو إلى 20 الف عضو ) على إقناع جمهوره بمستوياتهم المتعددة أنه ما يزال يملك ما يقوله ويفعله في عالم السياسة المغربية، بعد عشر سنوات قضاها في الحكم حقق خلالها القليل، وفوّت خلالها الكثير خاصة في عهد العثماني .
عندما دخل الراحل عبد الرحمن اليوسفي إلى حكومة التناوب سنة 1998، سُئل المؤرخ عبد الله العروي عن رأيه في هذا التناوب التوافقي وطريقة دخول اليوسفي للحكومة، فقال جملة بليغة: “ليس مهمًّا كيف دخل اليوسفي إلى الحكومة، المهم هو كيف سيخرج منها هو، وكيف سيخرج منها المغرب.”
بالمعيار نفسه، خرج “المصباح” من الحكم خروجًا “مبهدلًا”، وخرج المغرب من تلك التجربة بشكل مأساوي جدا .
ودليل ذلك نكبة الحزب من جهة، وتراجع البلاد على كل المؤشرات التي تقيس الحريات والفساد وحقوق الإنسان والبطالة والفقر والتفاوتات الاجتماعية ووو؟ اما الحكومة الالوليغارشية التي خلفت العدالة والتنمية فهي خير دليل على المناخ السياسي الذي تركه المصباح خلفه …
في الشق التنظيمي، لا جديد يذكر: عبد الإله بنكيران هو المرشّح الأقوى للعودة إلى الأمانة العامة، ليس لأنه الأفضل، بل لأنه ببساطة لا يوجد منافس حقيقي. في حزب “الكل مرشح ولا أحد مرشح”.
قبل أشهر، وعندما طُرحت فكرة تشبيب القيادة داخل ندوة حزبية داخلية، هاجمها بنكيران علنًا، وقال متحديًا: “هيا، ابدأوا الحملة الانتخابية… وسنرى من يفوز!”
بنكيران يريد العودة لقيادة الحزب للمرة الرابعة، بدوافع شخصية وأخرى سياسية: رغبة دفينة في ردّ الاعتبار لنفسه، والانتقام من “البلوكاج” الذي منعه من تشكيل الحكومة سنة 2017، رغم تفويض شعبي واضح في 2016.
ثم جاء العثماني كـ”البديل الضرورة”، فتصرف كما لو أنه تكنوقراطي منزوع الدسم السياسي. استبدل لغة الصراحة بلغة المناورة، فقاد واحدة من أضعف الحكومات في تاريخ المغرب، وختمها بأسوأ هزيمة انتخابية لرئيس حكومة في العالم!
من 125 مقعدًا إلى 13 فقط!
ولم يخسر الحزب في عهده فقط… بل خسر هو نفسه مقعده البرلماني في الرباط، أمام شباب في عمر أبنائه!
والمثير للسخرية؟ أن الطبيب النفسي الذي كان يحتاج إلى علاج من إنكار الواقع، كان يردد بثقة:
“غادي نجي في المرتبة الأولى، لأن وزيرًا في الحكومة قالها لي!
فلما نزلت النتائج كالدُش البارد، لم يجد سوى بلاغ غامض يكتبه وينزوي إلى ركن صغير :
“النتائج غير مفهومة!”
مفارقة مؤلمة: لم يمتلك العثماني ومن كان معه حتى شجاعة عبد الرحمن اليوسفي، الذي قال من بروكسل سنة 2002 بعد الخروج عن المنهجية الديمقراطية:
“تسلمنا الحكومة، ولم نتسلم الحكم.”
ذلك البلاغ التاريخي المعروف بـ”المنهجية الديمقراطية”، الذي حرّره محمد الأشعري، كان له دور كبير في ميلاد الفصل 47 من دستور 2011 الذي ربط لأول مرة في تاريخ المغرب بين نتائج الاقتراع وقرار تعيين رئيس الحكومة.
نكبة البيجيدي لم تكن فقط بسبب خصومه وبسبب هندسة سياسية فائقة الاتقان أعدت على نار هادئة، بل أيضًا بسبب أمراض ذاتية، وبسبب هشاشة خطه السياسي وتراخي القيادة وتفريطها في ثوابت الحزب التي شكل التوقيع على التطبيع مع اسرائيل أوجه انحرافها،
اليوم، يحاول بنكيران مجددًا اللعب على الوتر نفسه وتجريب وصفة لم تعد مكوناتها على طاولة المطبخ : العودة إلى المعارضة المنبرية، رفع شعار “الإصلاح من الداخل”، التوفيق بين دعم الملكية، والشعب، وصناديق الاقتراع… على أمل فرصة سياسية تكسر الجليد الذي تشكل في علاقته مع الدولة .
فرصة قد لا تكون “ربيعًا عربيًا” جديدًا لا تبدوا فرص انبعاثه من رماد غزة ، ولكن بنكيران يعول على فراغ سياسي عريض والمخيف الذي خلفته حكومة أخنوش، بفشلها الذريع، ووعودها الفارغة، وجرعة الفساد الزائدة التي اجتاحتها وتسببت في تآكل الثقة فيها وفي أحزابها .
بنكيران إذن يراهن، بكل بساطة، على ما لا يملك… لا على ما يملك.
وهنا جوهر الأزمة:
أحزاب بلا مبادرة، بلا أدوات ضغط، بلا مشروع نضالي جدي من اجل الإصلاح الديمقراطي …
مؤتمر البيجيدي المقبل، بدلًا من أن يناقش دور الحزب في المرحلة القادمة، وسبل انخراطه في فكّ عقدة الانتقال الديمقراطي المغربي، وانبعاث أفق جديد للممارسة السياسية، ومراجعة الأداء الاصلاحي، انحصر أغلب النقاش فيه في سؤال واحد:
“من سيجلس على الكرسي؟”
بينما السؤال الحقيقي يجب أن يكون:
ما البرنامج النضالي ؟ ما الدور الذي سيلعبه الحزب في مرحلة جزر ديمقراطي ؟ ما الطريق إلى إعادة بعث الأمل في قدرة الصندوق على احداث الفرق ؟ كيف نُصلح المدرسة والمستشفى والمحكمة والحكومة والبرلمان والمالية العمومية ..؟
وكيف نضمن انتخابات بدون هندسة مسبقة، وبدون المال السياسي، وبدون تحويل الديمقراطية إلى “بورصة لبيع الذمم”؟
هذا هو الفارق بين الديمقراطية والكرنفال.
بنكيران، فكان يروي نكتة سياسية عن العثماني فيقول:
“طلبنا منه يصلي بينا… قدمناه… فأقام الصلاة… وخرج لا يلوي على شيء!”
وفي حملاته الانتخابية، كان يقول بنكيران للناس:
“امنحوني أصواتكم، وأنا سأتكفل بالدفاع عنها.”
فمنحوها له.
فهل دافع عنها؟
الجواب عند الناس، وعند المؤتمر، وعند التاريخ…
التاريخ الذي سيكتب عن عبد الله إبراهيم، وعبد الرحمن اليوسفي، وعبد الإله بنكيران…
أما الباقي؟ فقد مرّوا مرور الكرام…
في بلد يُنهي نخبه بسرعة، ويفقد آماله بسرعة، ويستهلك فرصه بسرعة ولا حول ولا قوة إلا بالله ..
- إشهار -