إعدام عقوبة الإعدام..همس في أذن وهبي واشارة للمهداوي
أعلن وزير العدل عبد اللطيف وهبي في البرلمان عن نية المغرب التصويت بالموافقة لأول مرة على قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة القاضي بوقف تنفيذ عقوبة الإعدام، وأضاف أن هذا القرار تاريخي ويدخل في إطار تعزيز منظومة حقوق الإنسان في المغرب.
هذه خطوة هامة بلا شك، لكنها غير كافية. لا بد من معالجة أكثر جرأة لعقوبة الإعدام في المغرب. لماذا؟
إن استمرار التنصيص على عقوبة الإعدام في القانون الجنائي المغربي دون تطبيقه (آخر حكم بالإعدام نُفذ كان في حق الكوميسير ثابت عقب محاكمة سريعة ومشحونة، بعد أن جرى تجييش الشارع ضد الكومسير والهيأة التي ينتمي اليها بواسطة حملات إعلامية غير مهنية ساهمت فيها، للأسف، جرائد المعارضة، وفي مقدمتها جريدة الاتحاد الاشتراكي، التي استغلت محاكمة بوليسي لتصفية حسابات سياسية مع المخزن. وللأسف، كانت هناك أصوات قليلة تنادي بالتريث في محاكمة المتهم، وعدم المس بحقوقه أو المساس بقرينة براءته. وكان القاضي لحسن الطلفي الذي حكم علي ب 15 السنة سجنا وحكم على شباب الريف، وعلى الزملاء حميد المهداوي، وسليمان الريسوني، وعمر الراضي، في الغرفة الثامنة بمحكمة الجنايات بالدار البيضاء هو من حكم بالإعدام على ثابت).
إن الاستمرار في الحكم بالإعدام على المتهمين في بعض القضايا الجنائية دون تطبيق هذا الحكم، والاستعاضة عنه -بدون نص قانوني- بحكم آخر يُسمى (الإعدام مع وقف التنفيذ)، معناه أن البلاد تلغي أهم قاعدة قانونية في كل الشرائع السماوية والدينية، وهي (لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص).
أن تحكم على متهم بالإعدام ثم تتركه لسنوات طويلة في عنبر المحكومين بالموت المؤجل، فهذا عذاب نفسي كبير ورهيب، ربما أخطر من تنفيذ عقوبة الإعدام ذاتها. ثم إن هذه العقوبة غير موجودة في نص القانون (الإعدام مع وقف التنفيذ).
نحن هنا إزاء خيارين للانسجام مع القانون: إما أن نطبق الإعدام، أو ننص على عقوبة جديدة اسمها الإعدام مع وقف التنفيذ، كما هي عقوبة السجن مع وقف التنفيذ.
الآن نمر إلى عقوبة الإعدام ذاتها، التي تخلت عنها 98 دولة عبر العالم. أنا واحد ممن يؤمن بضرورة إلغاء عقوبة الإعدام في المغرب، والتي يصل عددها إلى 36 جريمة منصوص عليها في القانون الجنائي، وإلغاؤها بوجه عام بالنسبة للدول التي لم تصل بعد إلى إقرار استقلالية حقيقية للقضاء، ومهنية كاملة للبحث الجنائي، وتجرد كامل لأجهزة انفاذ القانون، حيث ما زال سيف الإعدام فيها يُستعمل لأهداف ردع الجرائم الخطيرة ويستعمل لمآرب السياسية أخرى أيضًا.
أسباب المطالبة بإلغاء عقوبة الإعدام:
1. تجنب الخطأ القضائي: المبدأ هو أن يفلت 100 مجرم بجريرتهم أفضل عند الله وعند العباد من ظلم بريء واحد. مع عقوبة الإعدام، لا نترك فرصة لتصحيح الخطأ القضائي.
2. عدم ردع الجريمة: عقوبة الإعدام في كل الدول التي ما زالت تعمل بها لا تردع الجريمة إطلاقًا، بشهادة الإحصائيات والأرقام، التي لا تكذب.
3. طابعها الانتقامي: عقوبة الإعدام تحمل طابعًا انتقاميًا، واليوم جل فلسفات العقاب الحديثة، وجل القوانين الجنائية، تخلت عن مبدأ الانتقام، وعوضته بمبدأ العقاب الرامي إلى تهذيب وإصلاح سلوك الفرد والجماعة، وإبعاد خطر المجرم عن المجتمع، لا التنكيل به أو الانتقام منه.
4. سلاح للأنظمة غير الديمقراطية: عقوبة الإعدام سلاح خطير يوظف كثيرًا في الأنظمة غير الديمقراطية لتصفية الخصوم والانتقام من المعارضين السياسيين.
5. عدم الثبات في المعايير: ما يُعتبر جريمة موجبة للإعدام في زمن ومكان قد يُعتبر حقًا وحريّة في زمن ومكان آخر (مثال: السحر، الكفر، الهرطقة وحتى القول بكروية الأرض كان جريمة تعاقب عليها الكنيسة في أوروبا بالإعدام والان تعتبر حقيقة علمية ).
6. تأثرها بالتمييز الاجتماعي والعرقي: تشير دراسات عدة إلى أن تطبيق عقوبة الإعدام قد يتأثر بعوامل غير قانونية مثل الفقر، أو العرق، أو الوضع الاجتماعي، مما يجعل تطبيقها غير عادل ( معدلات الحكم بالإعدام في الولايات التي تعتمد هذه العقوبة في امريكا مرتفع جدا في حق السود مثلا مقارنة مع البيض، ومعدلات الحكم بالإعدام على العمال الآسيويين والفقراء مرتفعة جدا في السعودية بالمقارنة مع الأغنياء والمواطنين السعوديين )….
7. إلغاء فرص التوبة والإصلاح: عقوبة الإعدام تُلغي إمكانية التوبة، والإصلاح، وطلب العفو من أهل الدم، وتقديم الدية لهم، كما ينص القرآن الكريم على ذلك
9/ البعض يتحجج لإبقاء عقوبة الإعدام من اجل اعتبارين اثنين :
الأول هو ان القران الكريم نص على عقوبة الإعدام بقوله تعالى: ﴿وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنفَ بِالأَنفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَن تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَّهُ ﴾ (45) سورة المائدة. هولاء لا يتشبثون سوى بعقوبة الإعدام من كل نظام العقوبات الأخرى المنصوص عليها في القران الكريم ( قطع يد السارق مثلا ) وهذا دليل على ان تمسكهم التجزيئي هذا انتقائي وربما ايديولوجي اكثر منه تشبث فقهي او ديني .
والثاني هو القول :ان لا حق في الحياة ممن سلب آخر نفس الحق، وان عقوبة الإعدام هي دواء لنفوس أهل القتيل وردع للجناة …والحال ان فلسفة التشريع الجنائي الحديث لا تبنى على ردود فعل، ولا على الانتقام، ولا على اتباع مشاعر الغضب التي تنتاب أهل الضحايا والمتضررين، ثم كواحد جرب السجن والعزلة الكاملة لقرابة سبع سنوات يمكن ان اصرح بضمير مرتاح ان السجن عقوبة قاسية جدا على النفس البشرية وعلى محيط السجين العائلي …لهذه الاعتبارات وغيرها أنا مع إلغاء عقوبة الإعدام، لكن أوافق مرحليا على حل ثالث اقترحه منتدى الكرامة في ورقة مهمة نشرها المحامي البارز المرحوم عبد اللطيف الحاتمي والدكتور عبد العالي حامي الدين ومما جاء فيها :
المطالبة
1) بإلغاء عقوبة الإعدام لإدانة المحاولة
2) و بإلغائها لإدانة المشاركة،
3) و بإلغائها في الجرائم السياسية.
4) و بإلغائها ضد الجناة القاصرين.
5) و بإلغائها ضد النساء الحوامل،
6) و بإلغائها في غير جرائم القتل،
7) و بإلغائها في جرائم القتل غير العمد.
و بإلغائها في جرائم القتل العمد إذا صدر عفو من ولي الدم.
كما نطالب ب:
بإقرار عقوبة الإعدام في جرائم القتل الخطيرة التي يقترن فيه العمد بسبق الإصرار و الترصد و الإعداد المحكم لإزهاق روح المجني عليه.
بشرط
1) صدور الحكم عن محكمة مختصة بإجماع أعضائها الذين لا يقدح في استقلالهم وعلى إثر محاكمة تتوفر فيها جميع شروط المحاكمة العادلة.
2) تأجيل تنفيذ عقوبة الإعدام في حق المحكوم عليه إلى ما بعد استنفاذ جميع طرق الطعن العادية و غير العادية.
3) تأجيل التنفيذ بعد ذلك إلى ما بعد رفض العفو الملكي.
4) تأجيل التنفيذ بعد ذلك إلى ما بعد تقادم العقوبة لاستبعاد الخطأ القضائي.
في الختام اهمس في أذن السيد وزير العدل كصحافي وكصديق واقول: وأنت تبشرنا بالمصادقة على قرار توقيف الإعدام رجاء وقف دعواك ضد الزميل الصحافي حميد المهداوي ووقف دعاوى اعدام منبر صحافي وادخال صاحبه إلى السجن، فهذا ايضا مما يدخل في إطار ترسيخ المكاسب الحقوقية للمملكة، ان اكتفاءك بدرهم رمزي وفي إطار قانون الصحافة قوة وليس ضعفا حكمة وليس تساهلًا.