تشميع البيوت.. عندما يصبح حق السكن رهينة الشطط في استعمال السلطة


من منكم لا يشعر بالصدمة وهو يسمع أن مواطنين مغاربة يستمر تشميع بيوتهم وحرمانهم من التصرف فيها طوال سنوات ، وصلت لدى عدد منهم إلى 18 سنة.

    يمكنكم الاشتراك في نشرتنا البريدية للتوصل بملخصات يومية حول المقالات المنشورة على الموقع

    الاشتراك في النشرة البريدية

    اليوم تحل الذكرى السادسة لتشميع أحد تلك البيوت، وهو لقيادي في جماعة العدل والإحسان بوجدة. وهي مناسبة لإعادة تسليط الضوء على هذا الخرق الحقوقي الخطير وغير المسبوق ولا المستساغ.
    الأمر يتعلق بتشميع 14 بيتا لمواطنين مغاربة ينتمون لجماعة العدل والإحسان، ضمنهم بيت الأمين العام للجماعة، وذلك بقرارات سلطوية تعسفية لا تستند إلى أي حكم قضائي عادل. وهو ما يمثل انتهاكا يتجاوز الحقوق السياسية ليلقي بظلاله الثقيلة على حياة أسر بأكملها.
    إنه خرق يتجاوز  الحرمان  من حق الملكية إلى كونه جريمة إنسانية باعتبار ما تترك من آثار اجتماعية ونفسية عميقة على المتضررين.

    فحين يُحرم الإنسان من بيته، فإن ذلك لا يعني فقط فقدان مكان للسكن، بل إنه يعني ما هو أعمق وأشد من ذلك، وهو فقدان الإحساس بالأمان والمس الجسيم بحق الانتماء لتربة تسلب منه جورا وعدوانا.

    الأطفال هم الفئة الأكثر تأثرا بهذه القرارات الجائرة؛ إذ يرون بعيونهم الصغيرة بيتهم، الذي كان يوما مكانا للدفء والذكريات، مغلقا بأقفال السلطة، وقد تحول إلى رمز للظلم والشعور بالقهر.

    إن هذه البيوت ليست فقط جدرانا وأسقفا، بل هي ثمرة سنوات من الكد والعمل، إنها تمثل لملاكها “تحويشة العمر” كما يقول المشارقة، استثمر فيها أصحابها عرق جبينهم وأمانيهم. فحين يمر صاحب البيت يوميا أمام منزله المشمع، يشعر وكأن قلبه يُعتصر إذ يرى بيته لكنه ممنوع عليه أن يخطو داخله، وكأن روحه قد نُزعت منه.

    - إشهار -

    ولا يتوقف الألم عند هذا الحد؛ فالأثاث الذي ترك داخل البيوت، منذ لحظة تشميعها، يتعرض للتلف مع مرور الوقت بسبب الإهمال، مما يضاعف خسائر الأسر. بل الأكثر من ذلك أن عددا من تلك البيوت تتعرض باستمرار للسرقة من قبل اللصوص، في ظل غياب أي حماية من السلطات التي يُفترض أنها مسؤولة عن تأمين الممتلكات. والأسوأ من ذلك أن بعض هذه البيوت أصبحت أوكارا للمتشردين ومعاقري الخمر، على مرأى ومسمع من السلطات التي تقف متأهبة فقط لمنع أصحابها الشرعيين من ولوجها.

    إن حرمان الإنسان من بيته هو اعتداء على كرامته وأبسط حقوقه. إنه تجريد له من جزء أساسي من إنسانيته، وتحويله إلى مشرد معنوي، وإن كان يعيش في مكان آخر. فالبيت ليس فقط مكانا للسكن، بل هو أمن وملاذ، وعندما يُغلق أمام أصحابه يصبح رمزا للقهر والظلم.

    ولكم أن تتصوروا صاحب البيت الذي لا يستطيع أن يدخله، ولا يسمح له أن يطمئن على أثاثه وأشيائه الخاصة، ولا أن يعيد ذكرياته الجميلة داخله. فكلما مرّ بجواره تتجدد الجراح. وهذا ما يجعل قرارات تشميع بيوت هؤلاء المواطنين تشكل طعنا في صميم إنسانية الإنسان ومسا بكرامته.
    والأنكى أن كل هذا يتم اقترافه ضدا على القانون المغربي ودستوره الذي ينص على حماية الملكية الخاصة ويضمن الحق في السكن اللائق. ورغم ذلك، تأتي قرارات التشميع لتكون خرقا مباشرا سافرا لهذه المبادئ والقوانين.
    فمتى تعاد الكرامة لأصحابها؟ ومتى يحصل الشعور بأن السكن ليس امتيازا، بل هو حق مشروع لا يقبل المساس به بأي شكل من الأشكال؟

    أعجبك المقال؟ شاركه على منصتك المفضلة..
    قد يعجبك ايضا
    اترك رد

    لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

    يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد