بناجح يكتب.. ازدواجية المعايير الغربية في القضية الفلسطينية وتواطؤ بعض الأنظمة العربية
منذ بداية الاحتلال الصهيوني لفلسطين ظهرت ازدواجية واضحة في المواقف الغربية تجاه القضية الفلسطينية. حيث تُرفع الشعارات الكبيرة حول الحرية وحقوق الإنسان وتقرير المصير، لكن حين يتعلق الأمر بفلسطين، تصبح هذه الشعارات حبرا على ورق. وبناء على ذلك يمارس كيان الاحتلال أقسى أنواع القمع والاضطهاد ضد الفلسطينيين من قتل واعتقال وتشريد وهدم للمنازل، في ظل تواطؤ وصمت دولي يُعتبر ضوءا أخضر لمزيد من التجاوزات. بل أكثر من ذلك انتقل الأمر في حرب الإبادة الجارية إلى وضع أكثر وضوحا بمشاركة مباشرة في هذه الحرب من عدة دول غربية لصالح إسرائيل .
هذه الازدواجية تبدو جلية عند مقارنة تعاطي الغرب مع قضايا دولية أخرى؛ فعلى سبيل المثال، كانت مواقف الدول الغربية واضحة في دعم أوكرانيا ضد روسيا بكل الوسائل، واعتبرت ذلك دفاعا عن السيادة والحرية، في حين يتم تبرير الاعتداءات الإسرائيلية على الشعب الفلسطيني وكأنها حق مشروع في “الدفاع عن النفس”. ويتم التغاضي عن الجرائم الصهيو-نية المتكررة وتبريرها، رغم أن المجتمع الدولي، بما فيه تلك الدول المنحازة، يعرف تماما حقيقة ما يجري على الأرض.
أما الموقف العربي، فقد أصبح لدى العديد من الأنظمة العربية ميول واضحة مكشوفة نحو تبني هذا التوجه الغربي، سواء بالصمت أو بالانخراط في التطبيع الذي يمنح المشروعية والغطاء للجرائم الصهيو-نية. فقد شاهدنا في السنوات الأخيرة تسارعا لعملية التطبيع التي قوبلت برفض واسع من الشعوب العربية التي لا تزال تعتبر القضية الفلسطينية قضيتها المركزية. هذا التوجه العربي لا يعكس إرادة الشعوب، بل يعكس استجابة للضغوط الغربية وتطلعات الحفاظ على المصالح السياسية والاقتصادية والكراسي.
والأدهى أن بعض هذه الأنظمة لا تكتفي بالصمت، بل تتخذ مواقف علنية تساوي بين الضحية والجلاد، متذرعة بضرورة “تحقيق السلام” و”تجنب التصعيد”.
إن هذا التحالف الضمني بين الغرب وبعض الأنظمة العربية على حساب حقوق الفلسطينيين يشكل خذلانا تاريخيا من خلال السعي لتسويق التطبيع والتعايش مع هذا الوضع كأمر واقع.
بما ورد في الحرب، حيث أن الكتاب يسلط الضوء على كيفية تكييف السياسة الأميركية حسب المصالح الوطنية، حتى لو كانت تتناقض مع المبادئ العامة التي تروج لها من خلال تقديم دعم غير مشروط لحلفائها مثل إسرائيل، وتغليب المصالح الاقتصادية والسياسية على حقوق الشعوب، يتضح أن ازدواجية المعايير ليست مجرد مواقف عابرة، بل هي سياسة ممنهجة.
ولعل ما كشفه بوب وودورد، مفجر فضيحة ووترغيت التي أدت إلى استقالة الرئيس الأمريكي السابق ريتشارد نيكسون، في كتابه الأخير المعنون ب “WAR” عن المستوى الخطير والمرعب من تواطؤ بعض الأنظمة العربية مع إسرائيل، يدعو إلى وجوب إعادة تعريف وتوصيف هذه الأنظمة بناء على هذا الحد الذي تجاوز التصنيفات المعهودة مثل الخذلان والتواطؤ والتآمر… إنه شيء آخر يفوق كل ذلك.