بوعشرين يكتب.. من يلتقط عصا السنوار؟
عندما إطلع الرأي العام العالمي على جرائم النازية ضد اليهود وغير اليهود إبان الحرب العالمية الثانية، وقف رجال القانون والقضاة مذهولين من فظاعة ما ارتكبه الجيش النازي من جرائم. قال القضاة في محاكمات نورمبرغ، التي خُصصت لمحاكمة من بقي حيًا من قادة ألمانيا النازية، إنهم لم يجدوا توصيفًا قانونيًا ولا مادة في القانون الدولي لجرائم النازية هذه . هنا تطوع المحامي البولنديRaphaël lemkin (رافائيل ليمكين 1900-1959) عام 1944 وصاغ مصطلح “الإبادة الجماعية” (Genocide) في كتابه Axis Rule in Occupied Europe، مستندًا إلى وقائع الإبادة التي شهدها العالم، خاصة المحرقة النازية (الهولوكوست). عمل هذا المحامي اليهودي بشكل دؤوب بعد الحرب العالمية الثانية لضمان الاعتراف الدولي بجريمة الإبادة الجماعية، ما أدى إلى اعتماد اتفاقية الأمم المتحدة لمنع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها في 9 ديسمبر 1948.
هذه الاتفاقية شكلت الأساس القانوني الدولي لجريمة الإبادة الجماعية، واعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة ودخلت حيز التنفيذ في 12 يناير 1951.
الآن، رجال ونساء القانون من كل دين وعرق وثقافة ومجتمع، مطالبون بالبحث عن توصيف قانوني لما تقوم به إسرائيل في غزة من جرائم غير مسبوقة في العصر الحديث على الأقل. فجريمة الإبادة الجماعية لم تعد قادرة على وصف الفظائع التي تجري، من قتل يومي للأطفال والنساء والشيوخ، وتدمير غرف المستعجلات في المستشفيات، واستهداف طواقم الإسعاف، وترك الأشلاء البشرية تتعفن في الشوارع والأزقة عرضة لنهش الكلاب. زد على ذلك تجويع مليوني إنسان لأكثر من سنة، وقطع الماء والدواء والطعام عن من تبقى من الفلسطينيين بقرار معلن من مجرمي الحرب غالانت ونتنياهو، وقصف مربعات سكنية بالكامل بقنابل تزن آلاف الأطنان من الطائرات، دون تمييز بين مدني ومحارب أو طفل وشيخ ومقاوم ولا احتياط يوجبه القانون وشرف العسكري، ولا حتى التظاهر بالاحتياط.
كل هذه الجرائم التي لا وصف لها حتى الآن، تتم خارج تغطية الإعلام الغربي والعربي، إلا من بعض الصحافيين الذين يضعون حياتهم على أكفهم وهم ينتظرون دورهم على لائحة شهداء الواجب الإعلامي. وكل هذه الجرائم تتم بغطاء ديني وأيديولوجي من حاخامات يهود وساسة متعصبين دينيًا، يعتبرون كل طفل أو امرأة أو رضيع أو جنين فلسطيني شرًا مطلقًا يجب التخلص منه.
استيقظوا قبل فوات الأوان، وإياكم أن تقولوا بعد أن تنتهي الجريمة إنكم لم تكونوا تعلمون. إسرائيل تتعمد ارتكاب الفظائع التي لا وصف لها حتى الآن في المدونة القانونية على مرأى ومسمع الجميع، وهي تتبول على الضمير الإنساني كله. أما الضمير العربي، فهو خارج حساباتها.
عندما ألقى الشهيد البطل يحيى السنوار بعصاه على الطائرة من دون طيار التي كانت تحوم حوله كآخر طلقة وفعل مقاوم بقي في متناوله، لم يلقِ عصاه على سلاح الجو الإسرائيلي فقط، بل ألقاها على ضميرنا وضمير العالم أجمع. فمن يلتقط عصا السنوار ؟.